دبي ترفع أصوات المواهب المحلية
بدأ زين خان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ذا ساوند جاردن The Sound Gaarden، العزف على غيتار البيس عندما كان في الثالثة عشر من عمره مع عدد من الفرق الموسيقية في المدارس الثانوية في دبي.
بعد التحاقه بالجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، عاد إلى مدينته ولكنه شعر بأنّ هناك ما ينقصها!
يقول خان عن ذلك: "قضيت فترة لا بأس بها في نيويورك وبروكلين. هناك أينما تذهب أسمع صوتاً مختلفاً، وكأن المدينة تعزف موسيقاها الخاصة. ولكن عندما تأتي إلى دبي، لن تجد سوى الهدوء تتخلّله أصوات أبواق السيارات".
وعلى الرغم من أنّ الإمارات العربية المتحدة استضافت أشهر الفعاليات الموسيقية في العالم مثل حفل فرقة "كولد بلاي" Cold Play الذي أقيم ليلة رأس السنة، إلا أن الفعاليات المخصصة للمواهب الموسيقية المحلية محدودة جداً. ولتغيير هذا الواقع، أسس خان في أيلول/سبتمبر من العام 2015 شركة "ذا ساوند جاردن" TSG، وهي منصة لاكتشاف وتوظيف المواهب الموسيقية في الإمارات.
ويمكن للموسيقيين الراغبين في المشاركة تقديم طلب عبر الإنترنت، ويقوم فريق "ذا ساوند جاردن" المؤلف من خان ومنتجين اثنين آخرين، بتقييم الطلبات والردّ على كل موسيقي. ولا تضع الشركة قيوداً على عمر المتقدمين، إذ يبلغ أصغرهم 12 عاماً في حين يبلغ أكبرهم 56 عاماً، كما لا تفرض أيّ رسوم على مقدم الطلب. إلا أنّ خان يعترف بأنّه بعد عام ونصف أصبح أكثر انتقائية، وها هي "ذا ساوند جاردن" تضم حالياً 110 موسيقيين مسجّلين.
عقدة صعبة الحلّ
يحظّر القانون في دبي على الموسيقيين في الشارع بوضع قبعة للحصول على المال أثناء عزفهم لاختبار صدى فنّهم لدى الجمهور. ويقول خان لـ"ومضة" إنّ "القوانين الخاصّة بالعروض المباشرة، رغم أنّها تتغيّر ببطء، فهي لا تتغيّر بالسرعة الكافية". ويضيف أنّه "لا توجد بنية تحتية مستدامة تتيح للناس فعل ذلك، فلا يمكنك أن تبيع أسطواناتك، ولا يمكنك أن تضع قبعة أثناء عزفك في الشارع لتكتشف ردّ فعل الجمهور".
ويرى أنّ كل ذلك يجعل "الخوف يسيطر على من يريدون العزف في الشارع خشية تعرّضهم للمشاكل؛ فيشعرون أنّ لا سبيل لهم في دبي وعليهم مغادرتها".
تصنّف "دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي" الفعالية الترفيهية بأنّها حدث يتضمن حضور جمهور ويضم "عروضاً أو أنشطة مخصّصة للترفيه إما مجاناً أو مقابل رسم"؛ وقد تندرج العروض في الشارع ضمن هذا التصنيف.
ويتطّلب تنظيم أي فعالية في دبي حصول المنسّق وجميع المشاركين في العروض على تصريح إلكتروني. وبعد التسجيل للحصول على التصريح، تستغرق عملية الموافقة من 5 إلى 8 أيام أو أكثر. وفي حال وجود خطأ في المعلومات أو وقوع أي خطأ آخر، قد يُرفض الطلب، ويضطر المنسق للبدء مجدداً في إجراءات الحصول على التصريح. وبالتالي، ليس من المستغرب ألّا نرى الكثير من الحفلات الموسيقية في المدينة.
مجال متنامٍ
ومع ذلك، تشهد ثقافة الميكروفون المفتوح والفعاليات الموسيقية تزايداً وانتشاراً واضحاً في المنطقة. وعلى الرغم من أنّ خان ينتقد الشركات التي "تغدق الأموال" على الفنانين العالميين لإقامة العروض في المنطقة، إلّا أنّه يثمّن الجهود التي تبذلها منصّات مثل "فريشلي جراوند ساوندز" Freshly Ground Sounds أو "جو بلاي ذا وورلد" Goplaytheworld التي تركّز على المواهب المحلية.
ولاحظ آبّو، مؤسّس منصة "جو بلاي ذا وورلد" ورائد ثقافة الميكروفون المفتوح في دبي، أن الكثيرين "متعطشون لوجود ساحة موسيقية في دبي كي لا يضطروا إلى السفر إلى الخارج لاختبار ذلك". وبعد تنظيم حفلات دورية للميكروفون المفتوح والعديد من الفعاليات، "تبين أن هناك الكثير من المواهب التي لم يتوفّر لها مكان للتجمع ومشاركة الموسيقى والأفكار بصورة منتظمة". واليوم، يشرف آبّو على الكثير من المواهب الموسيقية المحلية التي تسعى إلى تحقيق النجاح مثل "فاندلي" Vandalye، وهي فرقة موسيقية تشكلت أثناء إحدى فعالياته، وقدمت العرض الافتتاحي لحفل ليونيل ريتشي في أبو ظبي.
وقد علق آبّو قائلاً: "نحن شبكة دعم وتشجيع متاحة أمام الموسيقيين الجدد أو القدامى. ونعمل في الوقت ذاته على تدريب الفنانين أثناء رحلتهم الموسيقية. تجسّد ’ذا ساوند جاردن‘ و’فريشلي جراوند ساوندز‘ الخطوة التالية على سلم النجاح بصفتهما منصتان لتنظيم العروض". وصرح عصمت "إزّي" عبيدي، مؤسس "فريشلي جراوند ساوندز"، من جانبه، أنّ الحفاظ على استقلالية منصته أولوية قصوى لديه، وقال: "مررنا بفترة حيث كنا نتلقى إغراءات لاتخاذ مسار تجاري، وكان من الصعب رفض الفرصة. ولكن من المهم وجود المزيد من المنصات المستقلة في الإمارات العربية المتحدة، ليس فقط للموسيقى؛ فمنصات مثل ’فريشلي جراوند ساوندز‘ توضح التأثير الإيجابي للاقتصاد الإبداعي الناشئ في البلاد".
من زاوية أخرى، يرى عبيدي أنّ الاعتماد على التشريعات ودعم أصحاب مواقع العروض لزيادة عدد المنصّات الخاصّة بالموسيقيين المحليين أمر غير مستدام؛ ويوضح قائلاً إنّ "هذه الأمور تتغير بسرعة في دولة شابة نسبياً تخطو خطوات سريعة مثل الإمارات. فلطالما اعتمدت 'فريشلي' على متابعة الجمهور لها، وليس على الموسيقيين وأصحاب مواقع العروض. فالمشهد الموسيقي لا يكتمل من دون الجمهور... ونحاول دائماً أن نجعل التجربة الموسيقية تفاعلية قدر الإمكان. فكلما زاد عدد المعجبين، حصلنا على مزيد من دعم أصحاب مواقع العروض. وفي النهاية، يمكن لذلك أن يساهم في تغيير التشريعات".
حالياً يحاول خان أن يقوم "بكل شيء ضمن القواعد المسموحة إلى أن يكون هناك جهد جماعي من البيئة الحاضنة"؛ وهذا يشمل مواقع العروض والجمهور والموسيقيين. ولإشراك الموسيقيين، أتاح لهم خان منصة لعزف موسيقاهم الأصلية بدلاً من عزف الأغاني الشهيرة التي اعتاد الموسيقيين في دبي تأديتها.
وحول ذلك، يقول الموسيقي جاي أبو لـ"ومضة": "لا أتخيل شعوراً أفضل من الطلب منّي أداء أغنية كتبتها بنفسي بدلاً من غناء 'هوتيل كاليفورنيا' أو 'واندروول'. لم تحظ الموسيقى الأصلية بزخم كبير قبل ظهور 'ذا ساوند جاردن'، أما الآن فنؤدّي أغناتنا الخاصة". وإلى جانب أبو، تضم "ذا ساوند جاردن" فنانين مثل جميل جبور، وصابرينا رايلي.
الفوز بقلوب الجماهير
رغم أن إشراك الموسيقيين كان سهلاً إلى حد ما بالنسبة إلى خان، إلاّ أنّ الحصول على ثقة أصحاب أماكن العروض استغرق بعض الوقت.
قدمت "ذا ساوند جاردن" أول أربع حفلات لها بدون أي مقابل مادي لبناء زخم جماهيري. وبعد ذلك، استعان خان بخدمات مسؤول إنتاج، وصوّر مقاطع فيديو موسيقية للفنانين أثناء تأدية أغاني في دبي ونشرها على الإنترنت.
ويقول خان: "بدأت مقاطع الفيديو تحظى ببعض الاهتمام، فالجماهير هنا لديها ولاء كبير لنجومها، وهو أمر رائع. ومن خلال مقاطع الفيديو هذه، بدأ أصحاب أماكن العروض وصنّاع القرار الانتباه لنا والتواصل معنا، وكانوا يقولون: 'أتذكر أنك زرتني قبل ثلاثة أشهر، لنحدد موعداً ونتناقش".
وفي العام الأول لانطلاقها، استضافت "ذا ساوند جاردن" 200 حفل موسيقي. تقول سامانثا حماده مديرة الفعاليات والتسويق في "إيجيس هوسبيتالاتي" Aegis Hospitality، إنّ التحدي الأكبر كان تخطّي النزعة إلى العمل مع الفرق المشهورة التي تتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة. وحماده تمثل "ستيريو أركيد" Stereo Arcade التي تنظم "ذا ساوند جاردن" فيها فعالية شهرية.
وتضيف: "عندما اتفقنا مع 'ذا ساوند جاردن' كنا نفكر في عدد المشاهدين الذين قد يأتون. وكان العرض ناجحاً حيث غصّ المكان بالحضور. والأهم من كل ذلك، أتذكر صعود إحدى الفرق التي لم نسمع بها من قبل على المسرح، لم تمض سوى دقائق حتى بدأ 200 شخص يغنون معهم أغانيهم الأصلية". وانتهى الأمر بأن وقّعت حماده عقوداً من ثلاث من الفرق التي قدمت عروضاً تلك الليلة للمشاركة في عروض الموسيقى المباشرة التي تقام أسبوعياً.
"ذا ساوند جاردن" هي شركة ذاتية التمويل تعتمد نموذج إيرادات ثلاثي؛ وتعد منصة التوظيف أكبر مولد للإيرادات، إذ تتقاضى الشركة رسوماً من أي فنان يحصل على عقد بعد إحدى فعالياتها (عند توفّر فرص لتقديم العروض أو العثور على جهات راعية)، وعند الحصول على فرص لعرض إعلانات محلية على مقاطع الفيديو الخاصة بهم. إلاّ أنّ حصول الشركة على مقابل مادي لقاء أعمالها يظل أحد أكبر التحديات بالنسبة إلى "ذا ساوند جاردن"، فمن الصعب إجبار أحدهم على الدفع، ومازال خان يفكر في سبل لحل هذه المشكلة.
ويصرح مستاءً: "حاولت كتابة عقود أو طلب الدفع مقدماً ... أفهم تماماً أن النزعة البشرية التلقائية هي التفكير بأنه يمكن تأجيل الدفع، لكن هناك أخلاقيات تحكم الدفع للبائع أو الزبون أو العميل".
ولكن من الناحية الأكثر إيجابية، يستمر نموّ الفرص الموسيقية وازدياد التقدير للمواهب المحلية في دبي. فقد أقيم في 20 كانون الثاني/يناير مهرجان وصلة الموسيقي Wasla Music Festival، وهو الأول من نوعه للموسيقى العربية البديلة في الإمارات. وتوّلت "ذا ساوند جاردن" إدارة فقرات المسرح المحلي للمهرجان، واستضافت نجوماً بارزين مثل فرقة "مشروع ليلى" وأمل المثلوثي.
تضم خطط خان المستقبلية زيارة لبنان ومصر في فصل الصيف ليتيح بحسب قوله "الفرصة ذاتها للفنانين هناك لتأليف المحتوى والمشاركة في عروض محلية وعالمية".
الصورة لـ"رير بي سوفتي" Rear Be Softy في "فود تراك جام" عبر "ذا ساوند جاردن".