مصر: شركات ناشئة تشق طريقها في مجال التعليم
طرح اجتماع يهدف إلى التسويق للتعليم الموجّه ذاتياً مقاربةً متقدّمة جداً للتعليم في مصر أثناء انعقاده في الجيزة في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي. وكان الاجتماع جزءاً من سلسلة جلسات نقاش نظّمتها "المبادرة المصرية للتعليم الموّجه ذاتياً" Self-Directed Education - Egypt للترويج لهذا النمط من التعليم كبديل عن التعليم التقليدي.
تقول مؤسسة الشبكة ناريمان مصطفى إن "المبدأ برمّته يقوم على أن نتعلّم كيف نتعلّم. فالتعليم الموجه ذاتياً يتيح للطلاب اكتشاف مكامن شغفهم بعيداً عن المسالك السائدة التي يفرضها المجتمع كما يسمح لهم هذا النوع من التعليم بتقييم تقدّمهم. والأهم أنه يحوّل المدرّسين إلى ميسّرين".
ومع ازدياد رقعة الوصول إلى الإنترنت حول العالم، انتشرت مفاهيم التعليم الموجّه ذاتياً مثل التعليم عن بعد عبر الإنترنت والدروس الجماعية المفتوحة المصدر عبر الإنترنت MOOCs. وهذه جميعها تسمح للطالب باختيار كامل مساره التعليمي إما كنظام مكمّل للنظام الرسمي أو خارج عنه كلياً.
حالة فشل
ولدت الشركات الناشئة التي تُعنى بالتعليم الموجّه ذاتياً في مصر كجزء من النظام البيئي الريادي بعد ثورة 2011، ولكن هذه الشركات ستستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تجني أي مال منه.
تميل جميع هذه الشركات إلى خوض مجالات الدروس الخصوصية أو اكتشاف المعلومات، وبذلك تقدّم خدمات مكمّلة للمنهاج الرسمي، ومنها "نفهم" Nafham، و"توتوراما" Tutorama، و"تقويم" Tqweem، و"الدحيح" Da7ee7، وشبكة التعليم المنزلي العربي وأكاديمية التحرير.
ومن الأمثلة على صعوبة جني المال من أدوات التعليم عبر الإنترنت: "نفهم" التي أرادت في الأساس أن تكون مشروعاً ربحياً، واعتمدت على الدروس المصوّرة بالفيديو التي يعدّها معلمون ومتطوعون، ولكنها تحوّلت في النهاية إلى منظمة غير حكومية لأسباب من بينها صعوبة العثور على مصادر تمويل.
ولكن ما سبق لا يعني أنها لم تكن ناجحة أو أنها لم تلق الطلب المطلوب. فقد أصبحت "نفهم" اليوم أكبر منصة تعليم في المنطقة.
في الواقع، برزت هذه المنصات كحل لكبح معدلات التسرّب المدرسي المرتفعة بشكل مخيف وسد الفجوات الهائلة في القطاع.
ففي تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، قال وزير التربية والتعليم د. الهلالي الشربيني إن معدّل التسرّب المدرسي في مصر يطال 115 ألف طالب سنوياً فيما حدد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" عدد المتسربين من المدارس في المرحلتين الابتدائية والتحضيرية بـ228 ألف طالب في العام 2014 أو ما يعادل 4 إلى 5% من الطلاب.
صنّف تقرير التنافسية العالمية الأخير، التعليم الابتدائي في مصر، الأدنى في العالم، مشيراً إلى أن الإنفاق الحكومي على القطاع بالكاد بلغ 10% في العام المالي 2014. ووجد مسح لمجلس السكان الدولي في العام 2012 أن 58% فقط من الخريجين من الجامعات المصرية يعتقدون أن ما تعلّموه مفيد في مسيرتهم المهنية.
وفي المقابل، تنفق العائلات ما يقدّر بـ45 مليار جنيه مصري (2.4 مليار دولار أمريكي) سنوياً على الدروس الخصوصية لمساعدة أطفالهم على النجاح في الامتحانات النهائية.
فرصة للرياديين
أما منصة "تيرو" Tyro للتعليم الإلكتروني فقد تأسست انطلاقاً من إدراكها للطلب المرتفع على الدروس الخصوصية والشرخ المتنامي بين المناهج التعليمية الرسمية وحاجات سوق العمل، لتسلك الطريق المعتاد لبناء سوق عمل للدروس الخصوصية على الإنترنت.
وأطلقت "تيرو" منصة تجريبية في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي لتصل الطلاب بمدرسين خصوصيين مؤهلين بدوام حر، على أن تنطلق رسمياً في شباط/فبراير.
ويقول مختار أيمن عثمان، المؤسس الشريك في "تيرو" لـ"ومضة" إن المنصة "تسمح للطلاب بأن يحصدوا خبرة دراسية خاصة ويضمنوا إمكانية التفاعل بشكل أفضل مع المدرّسين، وبالتالي تساعدهم على أن يتعلّموا ما يريدونه فعلاً".
غير أن البنية التحتية القديمة للإنترنت والتراجع الأخير لسعر الجنيه شكلا عائقاً أمام تحقيق "تيرو" للنمو.
ويضيف عثمان أن "سرعة الإنترنت المطلوبة لـ'تيرو' أبطأ من المعدل العام هنا. كما أن المستخدمين قادرون على اختبار سرعة الإنترنت لديهم ليروا ما إذا كانوا قادرين على المشاركة في الدرس على الإنترنت أم لا".
ويلفت إلى أنّ "عدم الاستقرار الاقتصادي الحالي هنا في مصر صعّب على شركتنا إجراء عمليات دفع عبر الإنترنت". فمثلاً لم تبدأ البنوك سوى في آب/أغسطس رفع سقف السحب المصرفي بالعملة الأجنبية.
بدائل عن الدولة
أسست مصطفى الشبكة المصرية للتعليم الموّجه ذاتياً رسمياً وأطلقتها في آب/أغسطس 2016 وأجرت جلسات تعريفية وتدريبية في أنحاء البلاد من القاهرة إلى السويس وصولاً إلى الصّعيد.
لدى الشبكة نموذج للعائدات مماثل للنموذج الذي اختبرته شركات ناشئة أخرى في المجال ذاته، والقائم على فرض رسم معيّن على الأهل، ولكنها ستعمل خارج المنهج التعليمي المصري. وهذا يعني أن على الطلاب أن ينتسبوا إلى المدارس العادية ويستكملوا دراستهم الرسمية من أجل دخول الجامعات المحلية.
غير أن مصطفى تأمل بأن تتمكّن من إقامة شراكات مع الجامعات التي ستسمح للطلاب بالانتساب للجامعات من دون أن يضطروا للدخول إلى النظام التعليمي الرسمي.
وهنا يكون على الشبكة أن تتجاوز عقبة الأمهات المصريات وهذا سيستغرق بعض الوقت.
فأسماء عرفة، وهي أم لطفلة في الثالثة من العمر، تخبر "ومضة" إنها قد تسجّل ابنتها في مدرسة الشبكة "سجيّة" ولكنها ستسجّلها أيضاً في مدرسة عادية في الوقت نفسه.
وذلك لأنّها تعتقد أنّ "التعليم الموجّه ذاتياً يساعد ابنتي في بلوغ قدرتها القصوى وهو أمر مطلوب ولكنّي لا أعرف إلى أين قد يقود ذلك، إذ نعيش في مجتمعٍ لا يقبل طفلاً من دون شهادة رسمية مصدّقة".