هل يمكن لسوق حرّة غير رسميّة أن تنقذ مجال الطاقة الشمسيّة في مصر؟
فيما اضمحلّ إنتاج الطاقة المتجددة بشكل صناعي في السنوات الأخيرة في مصر، أخذت بعض الشركات الصغيرة على عاتقها تأسيس سوق شعبيّة للطاقة الشمسيّة.
"التقنيّة النظيفة في العالم العربي" Cleantech Arabia هي احدى هذه الشركات. يقول مؤسسها أحمد حزين إنّ أنظمة صغيرة مثل مضخات المياه بالطاقة الشمسيّة وألواح الطاقة الشمسيّة ساهمت في إنتاج ما يصل إلى 300 ميغاواط من الطاقة للسوق في السنوات الثلاثة الماضية.
كما يذكر لـ"بيزنيس توداي" Business Today، أنّ "في مصر سوقاً كهروضوئيّة PV (أدنى من 1 ميغاواط) خفيّة ولكنّها نابضة للغاية، وتقودها الشركات الصغيرة التي تأسست حديثاً".
تعتمد السوق على استمرار التمويل بفائدة متدنيّة cheap financing في الأشهر القادمة بعد انخفاض قيمة العملة المصريّة في تشرين الثاني/أكتوبر، بخاصةٍ وأنّ بعض الشركات المحليّة الكبيرة كانت تتنافس على مشاريع ضخمة في تغذية الشبكة الرسمية بالطاقة المتجدّدة FiT. علي سبيل المثال، تنتقل اليوم "كايرو سولار"Cairo Solar و"فيوتشور إنيرجي كوربورايشن" Future Energy Corporation نحو أعمال مباشرة في القطاع الخاص (من القطاع الخاص وإليه) وأسواق صغيرة في تغذية الشبكة الرسميّة.
ويصرّح الشريك المؤسس لـ"كايرو سولار"، حاتم توفيق، بكلّ صراحة أنّه "من الآن فصاعداً، سوف تكون مشاريع القطاع الخاص هي من يتصدّر ويقود مشاريع الطاقة المتجددة في مصر".
الحكومة تراهن على المشاريع الصغيرة
تراهن الحكومة أيضاً على اللاعبين الصغار، وهي بعد أن وعدت بدفع مبالغ مرتفعة مقابل التغذية الكثيفة للشبكة بالطاقة المتجددة من 20 إلى 50 ميغاواط مقابل 14 سنت لساعة الكيلوواط، لم يصل إلى هذا الإنتاج سوى 6 شركات فقط بسبب الإحباط الناتج عن الحكومة والاقتصاد المتزعزع.
لذلك، قلّصت في الجولة الثانية التغذية إلى نصف ما كانت عليه، ورفعت البدل مقابل الطاقة الشمسية من على السطوح بنسبة 21%، مراهِنةً بذلك على الأنظمة الصغيرة كطريقة أقلّ تكلفة لتقديم الطاقة الشمسيّة إلى السوق. وذلك بالرغم من أنّ هذه الأنظمة لن تحدث فرقاً في إنتاج الطاقة في مصر بشكل عام.
يقول حزين إنّ "أسعار تغذية الشبكة الرسميّة بالطاقة المتجددة لم يوضع فقط لتقليص المدّة التي يتطّلبها جني أموال الاستثمار بالشراء بأسعار مرتفعة، بل هدفت إلى تقليص مخاطر الاستثمار. لكنّ أسعار جولة عام 2014 لم تحقق هذا الهدف للاستثمارات بالطاقة التي تفوق 50 ميغاواط، من وجهة نظر المستثمرين على الأقلّ. ويبدو أنّ حظوظ جولة عام 2016 ستكون أكبر بمراهنتها على أنظمة أصغر".
وبالفعل، فإنّ هذا المردود العالي لإنتاجٍ متواضعٍ من الطاقة المتجددة وتغدية الشبكة الرسميّة به، بدأ بجذب فاعلين أصغر.
بدأت شركة "رودوسول" للطاقة المتجددة Rodosol Renewable Energy في عام 2014 بتقديم خدمات مختلفة مرتبطة بالطاقة الشمسيّة، مثل تطوير محطّات إنتاج طاقة شمسيّة يوضع بعضها على السطوح، لكنّها ما لبثت أن اكتفت بتقديم خدمات التدريب لمركّبي هذه المحطّات. ويشرح الشريك المؤسس لهذه الشركة، أحمد المختار، أنّهم لم يخاطروا بدخول الجولة الأولى لأنّهم علموا أنّ "الأمر لن يكون سهلاً"، غير أنّهم مهتمّون بهذه الجولة الثانية.
فشل تغذية الشبكة الرسميّة بالطاقة المتجددة
أطلقت الحكومة أوّل مشروع لتغذية الشبكة الرسميّة بالطاقة المتجددة لإنتاج 4.3 جيجاواط من الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح في تشرين الأوّل/أكتوبر 2014. فيما انطلقت الجولة الثانية في تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام. وكان من الضروري تحديد بديل جيد للمشاريع الكبيرة في ذلك الوقت لتشجيع المستثمرين العالميين على الاهتمام بهذا البلد. ولكنّ عوامل مختلفة جعلت هذه المبالغ الطائلة غير مستدامة لدى حكومةٍ تفتقد إلى سيولة نقديّة.
تشمل هذه العوامل تهاوي أسعار معدّات الطاقة الشمسية بسرعة، وتطوير "سيمنز" Siemens لمحطّات طاقة تعمل على الغاز تساوي 9 مليارات دولار في وقت أسرع من المتوقّع، بالإضافة إلى جولتي الأردن الناجحتين في تغذية الشبكة الرسمية بالطاقة المتجددة، والكارثة الاقتصاديّة التي ترافقت مع نقص العملة النقديّة الأجنبية للدفع بالدولار (وهي العملة التي حددت فيها الجولة) مقابل هذه التغذية.
بلغ الأمر حدّه بالنسبة لكثير من الشركات بسبب البيروقراطية وإضافة بندٍ مثيرٍ للجدل يفرض إجراء كل تحكيم حول النزاعات ضمن الأراضي المصرية. كانت النتيجة أن انسحب مموّلو "كايو سولار" بسبب بند التحكيم هذا، فيما تركت "فيوتشور إنرجي كوربورايشن" العمليّة بخيبة أمل وشكوك حيال صحّة البدل المحدد بـ14 سنت لكل كيلوواط.
يذكر مؤسس "فيوتشور إنرجي كوربورايشن"، شريف عبدالمسيح، أنّ "الحصول على أوراق المشاريع المطلوبة من الحكومة تطلّب وقتاً هائلاً...وبعدما أتت هذه المشاريع، طلبوا منّا تحضيرها في أقلّ من أسبوع؛ فكانت العمليّة بأكملها تدار بشكل غير مهني بالكامل". ويضيف أنّه "عندما اختاروا الشركات المعينة بتطبيق المشاريع وحصلوا على الأوراق المطلوبة، كانت السوق قد تغيّرت وبات مبلغ 14 سنتاً مبلغاً كبيراً للغاية. لذلك عدّلوا الآن الأرقام بحسب السوق وباتوا يقدّمون 8 سنتات مقابل الكيلوواط، ولكنّ هذا المبلغ كان ليكون منطقياً منذ حوالي 6 أشهر تقريباً".
يتوافق كلّ من عبدالمسيح وتوفيق وألكس وارن، المدير العام لشركة الأبحاث في القاهرة "فرونتير" Frontier Egypt، على أغياب الإرادة السياسيّة لدعم الطاقة المتجددة في الوقت الحالي .ويشرح وارن أنّه "من الناحية النظريّة، لا تحتاج مصر إلى الطاقة المتجددة وقد تتساءل الحكومة ما هو سبب دفع الأموال مقابل الطاقة المتجددة في حين لدينا محطّات ’سيمنز‘؟".
الانتقال نحو السوق الخاصة
لم تحدد بعد كلّ السيئات التي نتجت عن جولة مصر الأولى لتغذية الشبكة الرسميّة بالطاقة المتجددة، لكنّها ساهمت بالتأكيد في إبعاد شركات مثل "كايرو سولار" عن المشاريع الحكوميّة الكبيرة.
فإثر هذه التجربة، عادت "كايرو سولار" إلى عملها الأساسي في تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة على السطوح، والبحث عن مشاريع أخرى مثل خدمات الطاقة الشمسيّة للزراعة لأصحاب أراضٍ في صحراء تبلغ 1.5 مليون فدّان (630 ألف هكتار) في مشروع لاستصلاح الأراضي.
يلفت توفيق من "كايرو سولار" إلى أنّ معدّل العائد الداخلي internal rate of return على المنتجات التي تستبدل مولّدات الكهرباء العاملة على الديزل يساوي 25%، وهذا رقم أعلى بنسبة الـ19% التي كانوا يتوقّعونها من مشروعهم للتزويد الشبكة الرسميّة بـ50 ميغاواط.
تأسست " فيوتشور إنرجي كوربورايشن" في عام 2009 على يد عبدالمسيح الذي بنى محفظة أعماله في أوروبا وجزر البحر الكاريبي، وهي تسعى إلى تزويد الشركات التجاريّة والصناعيّة الخاصة بالطاقة الشمسيّة.
تقوم خطّتها على بناء محطّات لإنتاج طاقة خاصّة في مواقع زهيدة الثمن، بالإضافة إلى استخدام الشبكة الرسميّة لنقلها. فإدارة هذه الأخيرة تتحرّر شيئاً فشيئاً لتقديم الكهرباء بأسعار ثابتة للعملاء في كلّ أنحاء البلاد؛ غير أنّ هذه الاستراتيجية لن تتحقق قبل استقرار الاقتصاد في البلاد.
تعدّ هذه الشركة من الوافدين الجدد إلى سوق طاقة شمسيّة راسخة إنّما غير مصرّح عنها، وبالتي سيتوجّب عليها وعلى أمثالها التنافس مع قادة في هذه السوق مثل "كرم للطاقة الشمسيّة" Karmsolar و"قدرة" Qodra Energy اللتين تصدرتا قطاع الطاقة الشمسية غير الرسمّية في مصر، وباقة من الشركات الناشئة الساعية إلى الدخول إلى مجال الطاقة الشمسية خارج الشبكة الرسميّة. ومن هذه الشركات الناشئة أيضاً، نذكر "سانرجي تك" Sunergy Tech، و"سان فيجون" Sun Vision و "سولارايز إيجيبت" SolarizEgypt و"سان سيتي إينرجي" Sun City Energy.
كانت "كرم للطاقة الشمسية" على وجه الخصوص من الشركات الرائدة في تطوير محطّات توليد طاقة شمسيّة خارج الشبكة، وتحديداً في موقع الشركة الخاصة التي ترغب بالحدّ من اعتمادها على الشبكة الرسميّة بسبب انقطاعاتها وتكاليفها التي ترتفع بسرعة كبيرة.
عن هذا الأمر، يقول توفيق إنّ شركة "كرم" "كان لديها الرؤية، والعاملين فيها من أذكى الناس؛ وهذا [الانتقال نحو الشبكات الخاصة] هو ما سعت إليه ’كرم للطاقة الشمسية‘ قبل أيّ شركة أخرى".
نهاية الصفقات الرخيصة
في حين رأى كلّ من قابلتهم "ومضة" أنّ الطاقة المتجددة بشكلٍ عام والطاقة الشمسيّة على نطاق صغير يمكنهما تحقيق النجاح، هناك توافق على أنّ التعافي من برنامج تغذية الشبكة الرسميّة غبر المنظّم وتعويم العملة سوف يتطلّب سنتين على الأقلّ. ويذكر أحمد مختار، الشريك المؤسس لـ"رودوسول" للتدريب على تركيب محطّات الطاقة الشمسية أنّ "القطاع لا يزال في حالة جمود لأنّ كافة الشركات الآن عليها أن تعيد توجّهها نحو القطاع الخاص"
قبل تعويم البنك المركزي للجنيه في تشرين الأول/أكتوبر، بلغ سعر صرفه مقابل الدولار 8.88 جنيهات، ولكنّه وصل الآن إلى 17.70 جنيهاً. قد يظنّ البعض أنها أخبار سارة لشركات الطاقة المتجددة التي تأمل وضع حدّ للدعم بشكلٍ أسرع، حيث من المتوقّع أن تزداد فواتير الدعم الحكومي للطاقة بين 60 و63 مليار جنيه مصري في هذا العام (3.4 و3.5 مليار). غير أنّ وارن يشرح أنّ ألواح الطاقة الشمسيّة، التي هي بغالبيتها مستوردة، باتت الآن أكثر تكلفة وكذلك أجرة المقاول الذي سيقوم بتركيبها. بالإضافة إلى ذلك، ولأنّ ألواح الطاقة الشمسية لا تنتمي إلى فئة الأمور الأساسيّة في قائمة ضوابط الحكومة للاستيراد، فإنّ بعض الشركات تعاني من صعوبات كثيرة في إدخالها إلى البلاد.
يلفت وارن إلى أنّ "المشكلة الأساسيّة تكمن في الجنية المصري، فكلّ شيءٍ يتغيّر في الوقت الحالي والأمور كلّها رهنّ بسعر الصرف"، علماً أنّ تكلفة تركيب الطاقة الشمسيّة ازدادت بنسبة 30% في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر.
ويذكر نائب المدير في قسم الطاقة في "البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية" European Bank for Reconstruction and Development، هاري بويد كاربنتر، أنّ المشاريع في القطاع الخاص واجهت تحدّيات ناتجة عن العملة لانّ المشترين أرادوا الدفع مقابل الكهرباء بالجنيه المصري، فيما يفضّل المطورون قبض الأموال بالدولار.
مشاكل ماليّة
يقول وارن إنّ القطاع تنافسيّ للغاية وإنّ الكثير من المشاريع الصغيرة - سواء كانت في تغذية الشبكة الرسميّة بالطاقة أو في القطاع الخاص فقط كنقل طاقة المصانع إلى الطاقة الشمسيّة - تعتمد على قدرة العملاء لإيجاد تمويل.
"مركز الالتزام البيئي" Environmental Compliance Office، وهو الذراع المعنية بالاستدامة في "اتحاد الصناعات المصريّة" The Federation of Egyptian Industries، يقدّم تمويلاً بفائدة متدنية لمشاريع الطاقة المستدامة.
وفي كانون الأوّل/ديسمبر 2015، أعلنت "منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية" UNIDO بالتعاون مع "الصندوق الاجتماعي للتنمية في مصر" Egypt’s Social Fund for Development، عن صندوق تمويلٍ بقيمة 35 مليون دولار يهدف إلى مساعدة المصانع للانتقال نحو الطاقة الشمسيّة، ولكنّ يبدو وكأنّ هذا الصندوق لم ينطلق بعد.
بدزره، يلفت كاربنتر إلى أنّ "البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية" أعاد إطلاق صندوق بقيمة 250 مليون دولار لدعم أسواق الطاقة المتجددة في القطاع الخاص في مصر والأردن والمغرب وتونس، وأنّه يُجري محادثات في هذ الإطار في مصر.
في الختام، يظهر أنّ شركات القطاع الخاص والشركات الصغيرة هي ما تقود طموحات مصر بالطاقة المتجددة في الوقت الحالي وليس مشاريع الحكومة الهائلة، وباتالي قد تكون سبب استمرار الطاقة المتجددة في مصر.
الصورة الرئيسيّة من "إكبرسينج ويزدوم"Expressing Wisdom .