لماذا لا يمكننا تحضير الطلاب لوظائف المستقبل؟
نشر هذا المقال سابقاً على "ميديوم" Medium.
في الآونة الأخيرة، أعدتُ قراءة رواية "أن تقتل طائرا بريئاً" To Kill a Mockingbirdللكاتبة هاربر لي، فتوقّفتُ عند جزءٍ من الكتاب لم ألاحظه من قبل ولكنّه الآن ترك فيّ أثراً كبيراً.
أراد سكاوت وجيم بناء رجل ثلج بعد أن رأيا الثلج لأوّل مرّة في حياتهما، ولكن لم يكن هناك ثلجٌ بما فيه الكفاية فخطرت لجيم فكرة بناء القاعدة من الطين وتغطيتها بالثلج. والدهما، أتيكوس، الذي أنبهر بفكرتهما اللامعة، قال لجيم "إنّني مِن الآن فصاعداً لن أقلق حيال ماذا ستفعل في المستقبل، سيكون لديك دائماً فكرة يا بنيّ.... فلا يمكنني أن أتكهّن ماذا ستكون – مهندساً أو محامياً أو رسّاماً."
بالنسبة إليّ، يسلّط هذا المقطع الضوء على أهميّة تغيير الطريقة التي نفكّر فيها حيال التعليم. علينا تحضير أولادنا للقرن الواحد والعشرين، وذلك ليس عبر تدريب مهندسين أكثر وأطبّاء أكثر أو مبرمجين أكثر.
حقيقة الأمر هي أنّ لا أحد يعلم ما ستكون عليه الوظائف في عام 2030. في حياتي، رأيتُ مهناً راسخة، مثل عمّال الهواتف ووكلاء السفر، تختفي بسبب التكنولوجيا المتغيّرة؛ كما رأيتُ نهضة مهن جديدة بالكامل مثل علماء البيانات وواضعي استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي ومهندسي تجربة المستخدم.
بحسب "وزارة العمل الأمريكية" US Department of Labor، فإنّ 65%من طلّاب اليوم سيعملون في وظائف غير موجودة حالياً.
عندما بدأت بكتابة هذا المقال، كنتُ أفكّر بما ستكون عليه المهن في عام 2030، وعندما بدأتُ بالجمع بين المهن الحاليّة والاكتشافات التكنولوجيّة الحديثة وجدتُ أموراً يمكن أن تتواجد مثل طبيب بيطري للروبوتات، وعندما استنتجتُ مهناً جديدةً مبنية على الاكتشافات الجديدة وجدتُ أموراً مثل مصمّم للأزياء الفضائية.
وبعد استنتاج عشرات المهن المشابهة، لاحظتُ أنّه يمكن بناء آلةٍ تجمع بين الكلمات والصفات في احتمالات لامتناهية، وتأتي بقائمةٍ من المهن يمكنها أن تحقّق بقدر ما يمكن للائحةٍ مدروسة أن تحقّقه في هذا الإطار. فماذا عن روبوت مزارع Droid Rancher، أو منظّم للتخاطر المستقبلي Holoportation curator ، أو عالم فيزيولوجي للتخيّل Visualization Physiologist، أو حائك للبيانات Data Tapestrymaker، أو لاعب فيديو مختصّ ّبالمعالجة Gamer therapist، أو رياضي مبرمِج Athlete programmer وغيرهم... اضطررتُ لإيقاف نفسي لأنّني كنتُ أستمتع أكثر من اللزوم بهذه اللائحة.
أهمّ ما يمكن توقّعه حيال مقالات التوقّع هو كم ستبدو سخيفة في المستقبل، لأنّ التوقّعات ستكون إمّا واضحة للغاية أو بعيدة للغاية. ولكن إليكم ما أرتاح حيال توقّعه: لا يمكننا تحضير طلّاب اليوم لمهن اليوم، ولا يمكننا تحضير الطلاب اليوم لما نعتقد أنّها ستكون المهن في المستقبل.
إنّما ما يمكننا القيام به هو العمل سويّاً لمساعدة الأطفال على الوصول إلى حسّ العبقرية وبناء رجل الثلج الخاصّ بهم. في هذا الإطار، ينصح "المنتدى الاقتصادي العالمي" WEF بإعادة تصميم النظام التعليمي والتركيز على المهارات مثل التفكير النقدي وحلّ المشاكل والابتكار والتعاون و’محو الأميّة الرقميّة‘ Digital literacy. لم يعد يتعلّق الأمر بتحضير الأطفال لمهنةٍ معيّنة، بل بات يتعلّق بتعليم طريقة تفكير وعقليّة وطريقة تصرّف ومهارة تعلّم مستمرّ.
في "ليتل بيتس"، لم نعد نتكلّم عن تعليم الجيل الجديد من المهندسين أو عن تعليم الأطفال كيف يصبحون مبرمِجين؛ بل ما نريد القيام به هو مساعدة الأطفال على إيجاد شغفهم، والعثور على المبتكِر في داخلهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم فيما يتعلّق بالإبداع لكي يبتكروا بأنفسهم العالم الذي يريدون أن يعيشوا فيه.
وعندها، لن نقلق حيال ماذا سيفعل الجيل الجديد، لأنّه سيكون لديه دائماً فكرة ما.