التعميم 331: أين ذهبت أموال لبنان؟
يسير مشهد الاستثمار في الشركات الناشئة في لبنان بشكلٍ جيد، ولكن من الضروريّ إلقاء نظرةٍ عليه بعد 3 سنوات للنظر فيما يمكن تحسينه أكثر. (الصورة من "مصرف لبنان").
يُقال إنّ الابتكار هو الصديق المفضّل لرائد الأعمال، ولكن في لبنان قد يكون المصرف المركزيّ هو الصديق المفضّل الآخر.
في عام 2013، أطلق المصرف حزمة من الحوافز المالية بقيمة 400 مليون دولار للبنوك باسم "التعميم 331" لتعزيز الاستثمار في الشركات الناشئة. وبالفعل، لقد نجحت هذه الحزمة بحيث أنّ مشهد ريادة الأعمال في لبنان لا يمكن مقارنته مع ما كان عليه قبل ثلاث سنوات.
يشجّع "التعميم 331" على الاستثمار في الشركات الناشئة المحلّية، من خلال تقديم قروض حكومية لسبع سنوات من دون فوائد للمصارف الخاصّة يمكن استثمارها في سندات الخزينة بأسعار فائدةٍ تصل إلى 7%.
وفي حين يضمن "مصرف لبنان" 75% من الاستثمارات، تقضي الصفقة بأن تستثمر البنوك والمؤسَّسات المالية ضمن حدود 3% من أموالها الخاصّة في رسملة شركاتٍ ناشئةٍ محلّيةٍ، من خلال صناديق تمويل أو بشكلٍ مباشر. كلّ ذلك بهدف الحدّ من هجرة الأدمغة وتحفيز روح المبادرة.
ما الذي حدث في السنوات الثلاث الماضية؟
ساهم "التعميم 331" إلى حدٍّ كبيرٍ في التخفيف من أزمة التمويل التي لطالما عانى منها روّاد الأعمال في السابق. لقد بات يوجد الآن في البيئة الريادية مستثمرون ومسرّعات نموّ وحاضنات اعمال وشركاتُ ناشئة، تساهم جميعها في استمرار تدفّق الشركات الناشئة الجديدة والهيئات الداعمة في مختلف مراحل النموّ ولكلّ المراحل.
"لقد غيّر التعميم 331 مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال في لبنان، حسبما يقول سامي أبو صعب، الرئيس التنفيذي لمسرّعة "سبيد" Speed@BDD التابعة لـ"مصرف لبنان"، والتي انطلقَت بعد تطبيق التعميم وتحصل على ثلثي تمويلها من البرنامج. ويضيف أنّه "فتح آفاقاً جديدة لم تكن متاحةً من قبل، وساعد في تطوير البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في مرحلةٍ مبكرةٍ جدّاً".
من جهتها، تقدّر المديرة التنفيذية لدى حاكمية مصرف لبنان، ماريان حويك (الصورة إلى اليسار، الصورة من "ستارتب ليبانون")، أنّ الأرقام الحالية التي خصّصتها البنوك لصناديق الاستثمار المخاطر الخاصّة تقارب 230 مليون دولار، وتلك التي استثمرتها مباشرةً تصل إلى 40 مليون دولار.
وعلى الرغم من الإعلان عن بعض الاستثمارات من قبل صناديق تمويل مثل "بيريتك فاند 2" Berytech Fund II الذي أعلن إنفاق 13 مليون دولار في عام 2015، غير أنّ البيئة الريادية ما زالت بانتظار كبار شركات الاستثمار المخاطر، "شركاء المبادرات في الشرق الأوسط" MEVP و"ليب" LEAP، للإعلان عن كيفية استثمارهم المبالغ الكبيرة من المال التي بحوزتهم.
الشيطان يكمن في التفاصيل
لدى تغطيتها "التعميم 331" عند انطلاقه في عام 2013، أشارَت "ومضة" إلى أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل. وفي حين لا يمكن إلّا الثناء على "مصرف لبنان" جرّاء هذه الخطوة، تحتاج بعض عناصر التعميم إلى التحسين.
أولاً، عنصر الشفافية مفقود.
لا يوجد بيانُ تفصيليّ مُتاحٌ أمام الجمهور يتناول الأموال التي جُمعَت ووُزِّعَت حتّى الآن، والتقديرات حول ما تمّ إنفاقه وأين وممّن لا يمكن الحصول عليها إلّا من قبل إدارات المصارف وشركات الاستثمار المخاطر، ما يصعّب عملية التحقّق من كيفية صرف الأموال العامّة.
ولكنّ حويّك تقول إنّ "مصرف لبنان" سيعالج هذه المسألة خلال العام الجاري و"نحن الآن في عملية توحيد الأرقام"، مشيرةً إلى أنّ اللاعبين رئيسيين في البيئة الريادية، "ستارتب ميجافون" Startup Megaphone و"المركز اللبناني البريطاني للتبادل التقني" UK Lebanon Tech Hub، يساعدون في هذه العملية.
"وفي الأشهر الستّ القادمة، أعتقد أنّه سيكون لدينا رؤيةٌ كاملة حول ما تمّ إنفاقه وتخصيصه [من أموال]".
بالإضافة إلى ذلك، يرى مدير "لبنان لروّاد الأعمال"Lebanon for Entrepreneurs ، عبدالله جبور (الصورة إلى اليمين، الصورة من "لبنان برواد الأعمال")، أنّ المقاييس المستخدمة لتقييم مدى نجاح "التعميم 331" يجب أن تُنشر أوّلاً بأوّل، مؤكّداً أنّه ينبغي الحكم على الشركات الناشئة بناءً على عوائدها المالية قبل أيّ تدبير.
يقترح جبور أن يقوم "مصرف لبنان بالطلب من جميع البنوك والصناديق التي تستفيد من التعميم 331 أن توفّر مقاييس ذات صِلة بشكلٍ منتظِم، بحيث يمكن استخلاص معلوماتٍ جيدة حول البيئة الريادية".
ويقول إنّه "في نهاية المطاف، سوف يتمّ الحكم على نجاح التعميم 331 بناءً على العوائد المالية على المال المُستثمَر تحت كنفه".
التعديل 408 - الإيجابيات والسلبيات
في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تمّ إجراء تعديلٍ على التعميم الأساسيّ يحدّد الحدّ الأقصى للأسهم التي يمكن لمسرّعة نموّ تعمل في إطار التعميم أن تأخذه من الشركة الناشئة بـ5%، وأيضاً يسمح لـ"مصرف لبنان" باقتطاع قسمٍ كبيرٍ من المال إذا تمكّنت الشركة الناشئة من تحقيق صفقة بيعٍ أو استحواذ ناجحة.
كما يحظر هذا التعديل الجديد على الأشخاص الذين يديرون مسرّعات نموّ، بشكلٍ مباشر أم غير مباشر، ويستفيدون من "التعميم 331"، من الاستثمار في الشركات الناشئة نفسها بعد تخرّجها من مسرّعاتهم.
ومع عبارة "بشكل مباشر أم غير مباشر" الفضفاضة، فإنّ البنوك والمستثمرين الذين استثمروا من مال "التعميم 331" في حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ قد يُمنعون من الاستثمار لاحقاً في الشركات الناشئة الخرّيجة.
عن هذا التعديل الذي ينطوي على إيجابياتٍ وسلبيات، تقول حويك "إنّنا لم نرِد أن نُجِد تضارباً في المصالح، [وكلّ ما في الأمر] أنّه إذا كنتَ تنخرط بشكلٍ أو بآخر مع مسرّعة أعمال فلا يمكنك الاستثمار في الشركة الناشئة عندما تتخرّج، لأنّ لديك معلومات عنها أكثر بكثير من سواها. وهذا غير عادلٍ بالنسبة إلى الآخرين، خصوصاً وأنّك تمتلك معلوماتٍ عن الشركة الناشئة من الداخل".
ولكن هناك مخاوف من أنّ التعديل قد يؤدي إلى خللٍ في عملية انتقال الشركات الناشئة من المراحل الأولى إلى مراحل النموّ، وذلك لأنّه سيقطع الطريق أمام وصول هذه الشركات إلى مصادر رأس المال التي يوفّرها أولئك الذين ينخرطون في أعمال مسرّعات النموّ بشكلٍ غير مباشر.
ومن الأمثلة على ذلك، فإنّ مصرفاً استثمر في مسرّعة نموٍّ معيّنة لن يتمكّن من الاستثمار في شركةٍ ناشئةٍ تخرّجَت من المسرّعة عينها.
وفي حين يعتبَر مسار الشركات الناشئة والمستثمرين في لبنان صغيراً بعض الشيء، سيكون لهذه القيود المفروضة على المستثمرين انعكاساتٌ في المستقبل، بحيث أنّ الشركات الناشئة التي سبق لها واستفادَت من "التعميم 331" لن تجد مَن يستثمر فيها.
مشاكل في مسار الشركات الناشئة
بالإضافة إلى ما سبق، يوجد مشكلةٌ في مسار الشركات
الناشئة نفسه: بكلّ بساطة، لا يوجد ما يكفي من الشركات الناشئة عالية
الجودة لتبرير ما يمكن أن يأتي به هذا النوع من الاستثمار الذي يبلع
مجموعه 400 مليون دولار.
تتطلّب البيئة الريادية وجود عناصر عدّة، وروّاد الأعمال والمال ليسا إلّا اثنَين منها. (الصورة يساراً من "مصرف لبنان)
يشير جبور إلى أنّ "عدّة مصادر"، بما فيها التقديرات الصادرة عن شركات الاستثمار المخاطر المحلّية ودليل الاستثمار في لبنان، تقُدِّر عدد الشركات الناشئة التقنية في لبنان ما بين 200 و300 شركة. وفيما لا يشهد الكثير من هذه الشركات اللبنانية نموّاً سريعاً، يجدر بالذكر أنّ شركات الاستثمار المخاطر العالمية عادةً ما تتفحّص حوالي ألف شركةٍ لتختار منها 10.
ومن ثمّ "من بين هذه الشركات العشرة، فإنّ شركتَين أو ثلاثة منها تحقّق جميع العائدات لصندوق التمويل".
يتابع جبور أنّه "إذا انطبقَت هذه المعادلة في لبنان، وكان يوجد 10 صناديق تمويل تتوافق مع "التعميم 331"، ينبغي على لبنان أن يُنتِج أكثر من 10 آلاف شركة ناشئة تكنولوجية من أجل تحقيق العائدات.
ويرى مدير "لبنان لروّاد الأعمال" أنّه ينبغي لـ"مصرف لبنان" أن يركّز فيما بعد على تعزيز المسار الذي تمرّ فيه الشركات الناشئة، مضيفاً أنّه يقترح "أن يقوم مصرف لبنان بتوجيه المال المتبقّي عن المرسوم 331 نحو برامج تدعم الطلب [أي روّاد الأعمال] بدلاً من توجيهها نحو إنشاء صناديق تمويل جديدة".
حتّى أنّ حويك نفسها تلفت إلى أهمية وجود أموال تستهدف كلّ مراحل دورة حياة الشركات الناشئة، وليس فقط سلسلة التمويل الأولى Series A أو الثانية Series B.
وتقول "إنّنا نريد أن يتمّ تغطية كامل دورة حياة الشركات الناشئة؛ وحالياً لدينا صندوقا تمويلٍ يستهدفان مرحلة التأسيس، واثنان يستهدفان المرحلة المتوسّطة، واثنان يستهدفان مرحلة النموّ".
اختيار المفضّل
ما زالت خطط "مصرف لبنان" المستقبلية مخفيّةً حتّى الآن، وحويك التي التزمَت الصمت حيال هذا الأمر أشارَت إلى بعض العوامل التي يجب الالتفات إليها هذا العام.
ومن هذه الأخيرة أنّ "مصرف لبنان" قد حدّد قطاعاً معيّناً، لا يزال سرّياً حتى الآن، يريد التركيز عليه. وفيما رفضت حويك الإدلاء بأية تفاصيل حول الموضوع، قالت إنّ الإعلان عنه سيتمّ في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام وإنّ القرار اتٌّخِذ بالاشتراك مع المعنيين في البيئة الريادية وبلاد الاغتراب.
وتقول المديرة التنفيذية لدى حاكمية مصرف لبنان إنّ "هذا قطاعاً يمكن للبنان أن يتفوّق فيه، وهو يتميّز فيه نسبياً عن الآخرين في المنطقة والعالم. وبالتالي، سوف نؤسّس لحافزٍ يحثّ الشباب على التركيز على هذا القطاع وتوجيه ابداعهم نحوه".
من جهةٍ ثانية، وعن الخطط المستقبلية التي يعدّها "مصرف لبنان" للبيئة الريادية، تؤكّد حويك "أنّنا لن نتوقّف عند حاجر الـ400 مليون دولار"، مشيرةً إلى نيّة المصرف المركزي بضخّ مزيدٍ من الأموال في هذا الاتّجاه. وتتابع مضيفةً: "لقد بدأنا بالفعل بالالتفات إلى هندسةٍ [ماليةٍ] جديدة يمكنها أن تساعد البيئة الحاضنة - وتساهم في تقدّمها خطوةً كبيرةً إلى الأمام".
بالإضافة إلى ذلك، تلمح حويك إلى أنّ الاستثمار الأجنبي على رأس جدول أعمال "مصرف لبنان" لعام 2016، وتقول إنّ "عنوان [الخطّة الجديدة] سيجذب مزيداً من الاستثمارات الأجنبية إلى لبنان".
في الختام، ما علينا سوى انتظار الأيام المقبلة من عام 2016 لنرى ما الذي يخبئه كلام حويك.