كيف تتغير المنطقة مع الاقتصاد التشاركي؟
"منصّة حبر الإبداعية" تركّز على التعاون. (الصورة من "منصة حبر الإبداعية")
سبق ونُشر هذا الموضوع على مدوّنة "سويتش ميد" SwitchMed.
يمتلك جيل الطاقة مجموعةً من الأشخاص المجانين الذين كرّسوا أنفسهم من أجل "صنع التغيير وترك أثرٍ إيجابي". فروّاد الأعمال المبدعون هؤلاء، المبتكِرون الشباب، صنّاع التغيير (وغيرها من الأسماء التي تُطلَق عليهم)، يمتلكون رؤيةً مشترَكة مختلفة لاقتصاداتنا وأعمالنا: أكثر استدامة، وأكثر مجتمعية، وأكثر شمولاً، بالإضافة إلى أنّها أكثر تعاونية.
الاقتصاد التعاونيّ في المنطقة العربية ليس كما نراه في أوروبا
اكتشاف الاقتصاد التعاونيّ خلال السنوات الثلاث الماضية، والطرق المختلفة، والسرعة التي يسير فيها في العالم، كلّها أمورٌ مدهشة.
في فرنسا وإسبانيا والولايات المتّحدة الأميركية، نحن الآن في فترة ما "بعد التهافت على الذهب" Gold Rush، وحيث انتقلت المناقشات من الاستهلاك التعاونيّ إلى هيكلة الإدارة وتقسيم القيمة. أمّا في المنطقة العربية، فما زلنا ننتظر فترة التهافت على الذهب، ولكن هناك تحوّلٌ واعدٌ يحدث.
في منطقةٍ تشهد الكثير من التحدّيات مثل العالم العربيّ، فإنّ الاقتصاد التعاونيّ والمصادر المفتوحة ومبادرات صفر نفايات هي أمورٌ أساسيةٌ لتزويدنا بأجوبةٍ مبتكرة تجد حلولاً للحاجات المتعلّقة بالتطوّر الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، برز الاقتصاد التشاركيّ في شكلٍ مختلفٍ قليلاً عمّا هو عليه في أوروبا. فالممارسات والمبادئ المرتبطة بالتشارك والتعاون هي جزءٌ من الثقافة المحلّية، حيث أنّ تبادل السلاع المنزلية والاستهلاكية أو تشارُك الرحلات والسيارات هي من الأمور الشائعة هنا.
في المناطق الريفية أو ضمن الأسر، حيث يسيطر الشعور القبليّ، لا يزال مفهوم التشارُك حاضراً. ولكن مع التطوّر الاقتصاديّ ونموّ المدن، سادَت الفردية كطريقة حياة وبات سكّان المناطق الحضرية يميلون إلى التشارُك بشكلٍ أقلّ.
الابتكار الاجتماعي الرقمي والاقتصاد التعاوني في المنطقة
في هذه البلدان، يقوم روّاد الأعمال المبدعون بابتكار وبناء ما هو ناقص: الاستقرار السياسيّ، والاستدامة، ورفع الوعي حيال سياسة صفر نفايات، وتمكين المرأة، وأكثر من ذلك، من خلال إنشاء شركاتٍ مزدهرة تعالج التحدّيات المحلية وتعيد تشكيل الاقتصاد.
من خلال ملاحظة المشاريع التعاونية على وجه الخصوص، تلك التي تستفيد من التقاليد المحلّية والابتكار بهدف ترك أثرٍ اجتماعيٍّ واقتصاديّ، قادني الأمر إلى عقد شراكةٍ مع "مركز الاستهلاك والإنتاج المستدامين" Centre for Sustainable Consumption and Production التابع لـ"برنامج الأمم المتحدة للبيئة" UNEP، لإدارة "برنامج ريادة الأعمال الخضراء والمجتمع المدني" Green Entrepreneurship and Civil Society Programme من خلال مبادرة "سويتش ميد" SwitchMet.
من خلال مسحٍ أجريناها للمنطقة، لاحظنا أنّ معظم هذه المشاريع لها تأثيرٌ كبيرٌ على ثلاثة قطاعات في المنطقة: تصميم الحيّز الحضري، والتنقّل، والسياحة والحرف اليدوية.
القطاعان الأوّلان هما مواضيع شائعة بالفعل في كلّ المناطق الحضرية في العالم، وتطوّرهما في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعود إلى توجّهٍ عالميٍّ يؤثّر على معظم المدن والعواصم في العالم. لكنّ السياحة والحرف اليدوية هي ذات أهمّية خاصّة من حيث تنوع نماذج العمل والأصالة، كما أنّها تمثل تمايزاً حقيقياً للسوق في دول المنطقة.
لذا اخترنا 12 مشروعاً متنوّعاً تقوم بتحويل هذه القطاعات الثلاثة، من أجل تحليل نماذج الأعمال الخاصّة بها وتحديد كيفية دعمها، وتكرار تجاربها وتوسيع نطاق أعمالها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تحليل نماذج أعمال المشاريع من خلال إطار الاقتصاد التشاركيّ.
تصميم الحيّز الحضري
يشكّل تصميم الحيّز الحضريّ معضلةً أساسيةً أمام نموّ المدن في المنطقة العربية. وبالتالي، فإنّ مساحات العمل المشتركة والمساحات البديلة تُعيد ابتكار الطريقة التي ننظر فيها إلى المساحات ونطوّرها في مدننا. وهي، من خلال توفير التعاون بين السكاّن الذي عادةً ما يتمّ تجاهله، تقوم بتعزيز دينامية جديدة في الأحياء التي تفتقده بشدّة.
المشاريع: "منصة حبر الإبداعية" HBR Creative Platform في لبنان؛ "دبو52" Debbo52 و"تيلي تانيت" T’illi Tanit في تونس؛ و"أورانج بلو" Orange Bleue في المغرب.
التنقّل
التنقل وزحمة السير من المشاكل المزمنة في المنطقة والمتزايدة باستمرار. فارتفاع أسعار الوقود عالمياً، وازدياد عدد السيارات باستمرار في المدن الكبرى، بالتزامن غالباً مع وجود نقلٍ عام غير مستدام وغير آمن وغير متوفر (مثل الباصات وسيارات الأجرة الجماعية)، هي أمورٌ تحثّ الكثير من الناس على إنفاق أموالٍ طائلةٍ على اقتناء سياراتٍ خاصّة أو التعامل مع سيارات الأجرة.
وعليه، لا يبدو مفاجئاً بروز منصّات تشارك السيارات والرحلات في المدن الكبرى مثل القاهرة وتونس العاصمة والدار البيضاء، في محاولةً منها لتقديم حلولٍ مبتكرة لمستقلّي السيارات بشكلٍ يوميّ.
المشاريع: "شيبلي" Sheaply و"كارمين" Carmine في المغرب؛ "كارهبتنا" Karhebtna في تونس؛ وقرطاج" في مصر.
السياحة والحرف اليدوية
السياحة والحرف اليدوية هي في الوقت الحاليّ من أكثر القطاعات إبداعاً وحيويةً، إذ أنّ السياحة والحرف اليدوية المستدامة والتعاونية هي من مجالات الابتكار الاجتماعيّ الخاص، والتي ترتبط بقوّةٍ بجذور وتقاليد المنطقة.
المشاريع: "أنو" Anou و"كرافت درافت" Craft Draft في المغرب؛ "وايست" Waste في لبنان؛ و"المنسج" El Mensej في تونس.
من خلال الإبداع واتّباع نهجٍ مبتكر، يقوم جميع روّاد الأعمال الشباب هؤلاء ببناء طريقٍ نحو مزيدٍ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.