'ذيب': كيف تصنع فيلماً؟
حتى لو كان الفيلم يشبه شركةً ناشئة، فالتحدّيات قد تكون مختلفةً تماماً. (الصورة من "بي أف آي")
الأشخاص الذين يقفون وراء فيلم "ذيب" Theeb الذي رُشّح لجائزة "أوسكار" وجدوا أنفسهم في هوليود، يحضّرون عرض أفكارٍ مبسّط ليصبح قصّة نجاحٍ ذائعة الصيت.
هل تبدو هذه العملية مألوفة؟
حضّر الشاب الأردني باسل غندور نصّ فيلم قصير ومبسّط وأرسله إلى صديقه المخرج ناجي أبو نوار عام 2011، ثمّ أمضى السنوات الخمس التالية في عرض الفكرة على مستثمِرين والعمل على التوظيف وتطوير المنتَج والتسويق.
يبدو أنّ تأسيس شركةٍ ناشئةٍ لا يختلف عن صناعة فيلم، وحكاية صناعة فيلم "ذيب" تشكّل أبرز مثالٍ على مدى تشابه هذه العملية.
الفيلم يحكي قصّة فتى بدوي يعيش في عصر الإمبراطورية العثمانية عام 1916 وقد أخرجه أبو نوار تحت إشراف المنتِج البريطاني روبرت لويد. رُشّح لجائزة "أوسكار" عن فئة أفضل فيم أجنبي وستصدر النتائج يوم 28 شباط/فبراير.
تدور القصّة حول الفتى ’ذيب‘ الذي جاء إلى قبيلته ضابطٌ في الجيش البريطاني يطلب دليلاً يساعده في الطريق المؤدّية إلى مكّة من خلال درب الحجّ القديم في الصحراء. وبعدما وافق أخو ’ذيب‘، حسين، على القيام بهذه المهمّة، مضى الفتى في رحلةٍ أدخلته باكراً إلى عالم السياسة في الأيّام الأولى للثورة العربية آنذاك.
يجري حالياً عرض الفيلم في دور السينما للاستفادة من ترشيحه لجائزة "أوسكار"، غير أنّه لم يحقّق حتّى الآن نجاحاً تجارياً إذ حصد فقط 349 ألفاً و340 دولاراً أميركياً في جميع أنحاء العالم بنهاية عام 2015.
ومع ذلك، يُذكر أنّ هذا الفيلم هو من بين الأفلام العشرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تمّ ترشيحها لجائزة "أوسكار" كأفضل فيلمٍ أجنبي منذ عام 1947، علماً أنّ فيلمَين أردنيين فقط كانا من بين الأفلام الـ112 التي تمّ قبولها عن هذه الفئة من المنطقة.
وبالنسبة إلى "ّذيب"، فإنّ الخطوة الأولى بعد اقتراح أبو نوار لتحويل النصّ إلى فيلمٍ روائيّ، بحسب غندور، كانت العثور على شخصٍ يقدّم التمويل اللازم.
ناجي أبو نوار (إلى اليسار) وباسل غندور خلال "مهرجان أجيال السينمائي للشباب". (الصورة من "زيمبيو" Zimbio)
البحث عن استثمار
في حديثه مع "ومضة"، يذكر غندور أنّه "في البداية ظننّا أنّ الميزانية ستكون أقلّ بكثيرٍ ممّا توقّعنا؛ ولكن بعد التخطيط ومعرفة ما نحتاجه ليكون الفيلم ما هو عليه، أدركنا أنّنا سنحتاج إلى المزيد من المال."
وفي النهاية قام بإنتاج "ذيب" شركة "بيت الشوارب" التي أسّسها غندور، بعد الاعتماد على تمويلٍ من عدّة شركات استثمار ومستثمِرين تأسيسيين أردنيين.
بعد عدّة محاولاتٍ فاشلة، عمد القيّمون على الفيلم إلى دعوة عددٍ من المستثمِرين الأردنيين إلى مكاتبهم في عمّان - لم يفصح غندور عن أيٍّ منهم - وعرضوا أمامهم صوراً وأغراض قديمة تعود إلى مطلع القرن التاسع عشر وتُبرِز رؤية الفيلم. وبالتالي، لم يشارك في هذا المشروع الذي كان يتألّف من نصٍّ والكثير من الحماس سوى بعض المستثمِرين.
بعد ذلك، ذهب فريق الإنتاج إلى قرية الشرقية في وادي رم، ومن ثمّ بدأ ينتقل بين هذا الوادي المعزول والعاصمة الأردنية للبحث عن تمويلٍ إضافيٍّ خلال العام التالي من الإعداد والتصوير.
يشير غندور إلى أنّ المال الذي جاءهم بالقطّارة كان بالكاد يكفي، مثل التمويل الذي حصلوا عليه بقيمة 10 آلاف دولار من صندوق أبوظبي لدعم الأفلام، "سند" SANAD، ما ساعدهم على استكمال البحوث واستكشاف المواقع والتوظيف وتدريب الممثّلين.
لم يشأ غندور الإفصاح عن المبالغ الإجمالية، ويشير إلى أنّهم اعتمدوا كثيراً على خفض أجور فريق العمل. كما يقول إنّ "الكثير من الناس [كانوا] يقومون بهذا الأمر لأنّهم اعتادوا العمل مع شركاتٍ اجنبية تأتي لتصوير أفلامها في الأردن، والحصول على أتعابهم من الأفلام الأجنبية. ولذلك عندما يكون هناك فيلم أردني، وهي صناعة ليسَت كبيرةً في هذا البلد، [يعتقدون] أنّه بإمكاننا دعم [هذه الصناعة]."
في نهاية تصوير الفيلم عام 2013، لم يتبقَّ معهم سوى القليل من المال لإنهاء التصوير والحصول على نسخةٍ أوّليةٍ منه- ما كان كافياً لإقناع مزيدٍ من الشركات في المخاطِرة، مثل "مؤسَّسة الدوحة للأفلام" Doha Film Institute وصندوق "سويس فيجن" السويسري Visions Sud Est Fund و"صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية" King Abdullah II Fund for Development، لتمويل عملية ما بعد الإنتاج.
’توظيف‘ المواهب
غالباً ما يشتكي روّاد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أنّ التوظيف يشكّل التحدّي الأكبر الذي يواجههم، بحيث أنّ الشركات الناشئة تفشل في استهداف الشباب الكفؤين، الذين يرون بدورهم أنّ أفضل الخيارات أمامهم هي العمل في القطاع العام أو الشركات الكبرى.
أمّا فيلم "ذيب" فكان التحدّي الأبرز له هو الاعتماد على ممثّلين مبتدئين بأغلبهم من السكّان البدو المحلّيين في وادي رم.
أسبوع من التدريب كان كافياً لتحويل المبتدئين إلى ممثّلين جديرين بجائزة "أوسكار". (الصورة من "ذيب")
يذكر غندور أنّه في عام 2012، أمضوا 10 أشهر في الصحراء لتطوير النصّ بمساعدة السكّان المحلّيين من البدو (الذين يستخدِم الفيلم لهجتهم) وتدريب الممثّلين.
وبالنسبة إلى اختيار الممثّلين، فهو لم يكن بنشر إعلاناتٍ عبر موقع "بيت.كوم" Bayt.com للتوظيف، بل تمّ الأمر من خلال نشر ملصقاتٍ في كلّ بلدةٍ من وادي رم تقريباً. وبعد ذلك تمّت مقابلة حوالي 250 شخصاً اختير 20 منهم، ومن ثمّ وقع الاختيار النهائي على 10 أشخاص لتأدية الأدوار.
بعدئذٍ، قام الممثّل والمخرج الفلسطيني هشام سليمان بتقديم ورشة عمل من ثلاثة أيام، علّم فيها الممثّلين وكلّاً من أبو نوار وغندور على الأدوات التي ينبغي عليهم استخدامها خلال الأشهر الثمانية المقبلة. وذلك لتحسين مهارات الفتى ذي العشر سنوات، جاسر عيد الحويطات، الذي أدّى دور ’ذيب‘؛ وحسين سلامة الصويلحين الذي أدى دور ’حسين‘؛ ومرجي عودة الذي أدّى دور الدليل الخاصّ بالضابط البريطاني؛ وحسن مطلق المراعيه الذي أدى دور الخارج على القانون البدوي والمعروف باسم ’الغريب‘.
في موقع التصوير
لكلّ شركةٍ ناشئةٍ تحدّياتها الخاصّة بما فيها إعداد النموذج الأوّلي أو التمويل أو التوظيف، أمّا "ذيب" فكان التحدّي الذي واجهه هو الموقع خصوصاً أنّ التصوير بدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2012.
"اعتقدنا أنّ التصوير في الصحراء سيكون سهلاً ورخيصاً وسريعاً،" حسبما يقول غندور، مضيفاً أنّ الناس يتيهون في الصحراء عشرات المرّات، "وكان من المألوف أن يتوه أحدٌ ما ثمّ يعود بعد ساعةٍ من الزمن... وفي كثيرٍ من الأحيان كان البدو يبدون كمَن يقول ’حسناً سوف أذهب وأبحث عنهم‘."
لم يكن موقع التصوير سهلاً. (الصورة من "ذيب")
هناك، وعلى بعد أربع ساعاتٍ من عمّان، كان الحصول على أمرٍ ما بمثابة مضيعةٍ للوقت، ناهيك عن أنّ مواقع التصوير كانت تبعد لساعات حتّى من دون أن يتوه البعض. وبالإضافة إلى ذلك، شكّل السكن مصروفاً غير متوقّع، إذ يقول غندور إنّه "في البداية أردنا إقامة مخيّمٍ في الصحراء مع طاقمٍ صغير، ولكنّنا أدركنا بعد ذلك أنّه كان أكبر وأنّه كان علينا القيام بالأمور بشكلٍ صحيح."
فإلى جانب العواصف الرملية التي كانت جزءاً من المشكلة، أرغمَتهم الفيضانات المفاجئة على إزالة كلّ شيءٍ من الوادي في غضون 10 دقائق. ويشرح غندور هنا أنّ "الرمال الناعمة التي تغطّي كلّ شيءٍ كانت من الأسباب التي دفعَتنا لتصوير الفيلم بالاعتماد على شريط تصوير بقياس 16 ملم وكاميرات من مدارس التصوير القديمة." كما يضيف أنّه توجّب عليهم شراء أدواتٍ خاصّةٍ بهم، والاستعانة بدور إنتاج أردنية تقدّم خدماتها لأفلام ذات ميزانيات هوليودية، ما كلّفهم الكثير من المال. وهذا ما شكّل فيما بعد الأسس التي قامَت عليها دار الإنتاج التي أسّسها غندور، "بيت الشوارب".
وبالتالي، فإنّ عملية ما بعد الإنتاج التي تتضمّن التحرير، وإضافة الأصوات وتعديلها، وإضافة المشاهد المعاد تصويرها، وتحويل المشاهد لتناسب الشاشات الكبيرة، استمرّت خلال عام 2013 حتّى شهر آذار/مارس.
التسويق والإطلاق
في حين تُنصَح الشركات الناشئة ببدء أعمالها مع وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التسويق سهلة المنال، يقول غندور إنّه أيضاً اعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لإحداث "ضجة" حول الفيلم تخوّله دخول المهرجانات السينمائية.
التواجد في المهرجانات يعني الحصول على التقييم والقدرة على تقديم الفيلم للأشخاص المهتمّين وربّما للقطاع بأكمله. ولكن مع وجود حوالي 3 آلاف مهرجانٍ حول العام، بالإضافة إلى رسوم البريد التي لا تقلّ عن 50 دولاراً، قد يكون الأمر مكلِفاً جداً.
ويقول غندور في هذا السياق، إنّهم بدأوا بتقديم طلبات المشاركة في مهرجاناتٍ مختلفة حول العالم مع بداية عام 2013، في الوقت الذي لم يكونوا يعلمون فيه "مكانة الفيلم" الذي لديهم، إلى أن تمّ قبولهم في "مهرجان البندقية السينمائي" Venice Film Festival لعام 2014.
وبعد ذلك، راحَت العروض الأولى للفيلم تظهر في الكثير من المهرجانات في جميع أنحاء العالم، وذلك قبل إصداره سينمائياً في شهر آذار/مارس 2015 بواسطة وكالة المبيعات الدولية "فورتيسيمو للأفلام" Fortissimo Film وشركة التوزيع المحلّية "ماد سوليوشننز" Mad Solutions.
يُعدّ "ذيب" من الأفلام المحلّية الـ16 التي تمّ إنتاجها عام 2016 في الأردن من أصل 65 فيلماً، على أمل أن تستمرّ صناعة الأفلام الأردنية بالنهوض.