هل ما زال الدفع عند التسليم ضرورياً للتجارة الإلكترونية؟
الطريق الى الطمأنينة في التجارة الإلكترونية طويل (الصورة من "سوبيز.كوم" Subiz.com)
فيما تتابع سوق التجارة الإلكترونية نموّها بزيادةٍ تقدّر بأكثر من 40% بالمئة سنويّاً، كذلك تزداد ضرورة مواجهة اعتماد أسلوب الدفع عند التسليم COD كوسيلةٍ وحيدةٍ للدفع.
وفي حين يصرّ أغلب روّاد الأعمال على أهمية المحافظة على أسلوب الدفع النقدي في مؤسّساتهم، يقوم البعض الآخر بتحدّي الوضع القائم باعتماد أساليب الدفع الإلكتروني فقط.
في طليعة هذه الشركات، تأتي المنصّة الإلكترونية للتجارة عبر الإنترنت "جادو بادو" JadoPado، التي قرّر مؤسّسها عمر قاسم وفريقه - عند تحديث نموذج عملهم عام 2014 - أن يقلّصوا من عدد سيارات توصيل الطلبات بغية تقليص الكلفة، حسبما يقول المؤسّس لـ"ومضة".
يوضح قاسم قائلاً إنّه "كوننا نعمل مع ‘فيديكس‘ Fedex منذ ما يقارب العام حتى اليوم (في الشحن عالمياً)، تساءلنا لم لا نستخدم ‘فيديكس‘ لعمليّات التوصيل في الإمارات العربية المتحدّة." ونتيجةً لذلك، "بدا الوقتُ مناسباً أيضاً لنقول: ‘فلنلغِ خدمة الدفع عند التسليم ونرى ما سيحدث‘."
ولأنّ قاسم يعلم أنّ خدمة الدفع عند التسليم تشكّل 40 بالمئة من إجمالي معاملات الدفع في "جادو بادو"، كان يعرف حجم المخاطرة التي يُقدم عليها. ولكنه بالرغم من ذلك تشجّع بعدما أدرك أنّ كثيراً من العملاء في الإمارات يمتلكون "ثلاثة وحتى خمسة بطاقات ائتمان، لكنّهم يمتنعون عن استخدامها لسببٍ ما."
ويفسّر ذلك قائلاً إنّه "في كثيرٍ من الأوقات، شعرتُ أنّهم يلجؤون إلى وسيلة الدفع هذه لأنّها متاحةٌ لهم بكلّ بساطة."
عمر قاسم من "جادو بادو" JadoPado (الصورة من "إمباكت هاب" Impacthub.ae)
بعد مرور عامٍ على هذه الخطوة، نمَت المبيعات بشكلٍ كبير و"تمكنّا من استبعاد خدمة الدفع عند التسليم،" كما يعبّر قاسم بحماسة.
قد يكون من العوامل التي خدمَت قاسم في هذا التحوّل، أن "جادو بادو" تبيع بشكلٍ أساسيٍّ الأجهزة الإلكترونية الأكثر طلباً عبر الإنترنت في المنطقة، كما ذكرت تقارير عدّة. وفي محاولةٍ لتجنّب الأخطاء التي ارتكبها بائعو الإلكترونيات بالتجزئة والذين فشلت مشاريعهم، عمل قاسم بجهدٍ على استهداف عملائه الذين يدفعون عند التسليم في السعودية.
وعن هذا الأمر يقول: "لدينا عددٌ كبيرٌ من العملاء في السعودية ممّن كانوا يطلبون البضائع ونشحنها لهم، وعندما أوقفنا خدمة الدفع عند التسليم، لم يمانعوا استخدام طريقة الدفع على الإنترنت."
هل يمكن لكلّ شركات التجارة الإلكترونية أن تحذو حذو "جادو بادو"؟
يعتقد قاسم أنّ "التحدّي يكمن في قلّة عدد التجّار الجديين في بناء تجربة بيع جيّدة في المنطقة،" ويؤمن بأنّ أيّ شركةٍ يمكنها أن تلغي خدمة الدفع عند التسليم، وأنّ التجّار الذين يقدّمون سلعةً "دون المستوى المطلوب" هم مَن يحافظون على خدمة الدفع عند التسليم.
يوافقه في هذا الموضوع فرنسيس بارل، مدير المبيعات وتطوير الأعمال في منطقة الشرق الأوسط لدى شركة "باي بال" Paypal، ويقول: "إذا كان التاجر يعتقد أنّه يحتاج إلى الاعتماد على الدفع عند التسليم ليبيع خدماته، فخدماته إذاً ليست فريدةً مقارنةً بخدمات منافسيه ولا يمكنها أن تجذب اهتمام العميل من دون هذه الخدمة."
ويضيف بارل إنّ "خدمة الدفع عند التسليم ليست مصيبة، بل هي طريقةٌ معتمدة ‘لأنّ الجميع اعتمدها‘، ولكنّها لا يمكن أن تحيي بيئةً مستدامة."
في المقابل، تُعتبر هذه الفكرة بعيدةً عن الحسبان لدى منصّات التجارة الإلكترونية التي تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على خدمة الدفع عند التسليم، مثال "نمشي" Namshi.
يشير اقرا شكر، نائب مدير عمليات خدمة الزبائن في "نمشي" Namshi، إلى أنّ "خدمة الدفع عند التسليم تعتبر إحدى نقاط القوة لدينا، ونحن مرتاحون مع هذا الوضع." فموقع "نمشي" الذي يُعتبر من أكبر مواقع التجارة الإلكترونية في المنطقة ويضمّ أكثر من 550 علامة تجارية وبائعاً بالتجزئة، يعتمد في أكثر من 50 بالمئة من عمليّاته على خدمة الدفع عند التسليم.
يقول شكر في حديثٍ مع "ومضة"، إنّه "لكي تنجح في السوق - على الأقلّ حاليّاً - عليك أن تؤمّن خدمة الدفع عند التسليم." وذلك ليس غريباً، بما أنّ سبب نجاحهم يعود إلى اعتمادهم على هذه الوسيلة في الدفع، واستبدالها بوسائل الدفع عبر الإنترنت تبدو اليوم مخاطرة كبيرة. ويشرح ذلك شكر بالقول إنّ "خدمات الدفع عبر الإنترنت رائجةٌ في الإمارات أكثر من السعودية، وكون المملكة تشكّل السوق الأساسي الذي نعتمد عليه فعدد عملائنا الذين يلجؤون لخدمة الدفع عبر الإنترنت ليس كبيراً."
من الأمثلة الأخرى للاعتماد على الدفع عن التسليم، "سوق.كوم" Souq.com المنصّة الضخمة للتجارة الإلكترونية، التي لا تبلغ لديها نسبة عمليات البيع باعتماد الدفع عبر الإنترنت سوى 28% بالمئة من مجمل العمليات.
نجاحات أخرى
على الرغم من أن خدمات الدفع عبر الإنترنت تبدو معقّدةً في الوقت الحالي، إلّا أنّه يوجد روّاد أعمال، أمثال قاسم، نجحوا ببناء شبكة كبيرة من العملاء تعتمد فقط على خدمات الدفع عبر الإنترنت، وسبق لـ"ومضة" أن تحدّثت معهم
الأخوان يافي من "واي فنتشرز" Y Ventures لبنان (الصورة من مجلة "إكزاكوتيف" Executive)
بعد نجاحاتهما السابقة في الخارج، أراد رائدا الأعمال الأخوان غيث وعبدالله يافي إنشاء موقعٍ يعتمد على الدفع عبر الإنترنت من دون خدمة الدفع عند التسليم. وأكّد عبدالله على ذلك في حديثٍ سابقٍ له مع "ومضة"، في شهر حزيران/يونيو، حيث قال "إنّنا نستهدف جزءاً صغيراً من المجتمع: حاملو بطاقات الائتمان ذوي القدرة على الإنفاق؛ تلك كانت فكرتنا الأساسية."
بحسب الأخوين، ارتكز نجاحهما على استهداف "قائمةً من التجار وقائمة من المنفِقين،" أو بالجمع بين نخبة التجّار ونخبة الزبائن المستعدين أن ينفقوا عبر الإنترنت.
تشمل قصص النجاح الأخرى منصّة "يو جوت اي جفت" YouGotAGift.com في الإمارات وهي منصّة تتخصّص في بطاقات الهدايا الإلكترونية، وأيضاً الشركة الناشئة الكويتية "ديزلي" Dizly، وهما شركتان اختارَت كلّ منهما إلغاء خدمة الدفع عند التسليم. فشركة "ديزلي" حصدَت منذ إطلاقها في أيّار/مايو أكثر من 12 ألف مستخدم "مع 30 الى 40% بالمئة من المستخدمين الذين يعاودون التجربة، حسبما يقول نزار ونوس، الشريك المؤسِّس في حديثه مع "ومضة"، ويتابع مضيفاً: "واجهنا صعوبة في إقناع الناس باستخدام هذا التطبيق، وبالتالي اعتمدنا على أصدقائنا وأقاربنا ليسوّقوا هذه الرسالة وينشروها."
في الختام، وكما ذكر كلّ واحدٍ من هؤلاء الروّاد، فإنّه عند دراسة ايجابيات وسلبيات إلغاء خدمة الدفع عند التسليم ينبغي وضع عدّة عوامل في الحسبان.