المؤهل العلمي في سوق العمل: تأشيرة دخول أم إضافة على الهامش؟
اختتم "معرض أخطبوط للتوظيف" Akhtaboot Job Fair نسخته السادسة، يوم الخميس في عمّان، حيث حضر نحو 20 ألف زائر واشتركت أكثر من 80 شركةً مُوّظِفةً من مختلف القطاعات.
يُعدّ المعرض السنوي غير الربحيّ جزءاً من "مبادرة أخطبوط يهتّم" Akhtaboot Cares، والتي تأتي تحت مظلّة المسؤولية الاجتماعية لشركة "أخطبوط" التي تُعنَى بتقديم منصّةٍ إلكترونيّةٍ تجمع الشركات المُوّظِفة مع الشباب الباحثين عن عمل.
"أورانج تيليكوم" تساعد الباحثين عن عمل خلال معرض "أخطبوط". (الصورة لتالا العيسى)
بعد هذا الإقبال الكثيف للشباب الباحث عن عمل، سألنا عن دور المؤهّل العلميّ والسيرة الذاتيّة في التّوظيف، كما وعن مقوّمات الشهادة الجامعية بخصوص فرص توظيف. اعتبر البعض أنّ الشهادة ضرورية، فيما رأى البعض الآخر أنّ الموهبة والإبداع يسبقان المؤهّل العلمي.
الشهادة معيار المهارة؟
يعتبر مدير الموارد البشريّة في شركة "سبكتروم" Spectrum للطاقة المُتجدّدة، يعقوب راشد، أنّ الجامعة هي المصدر الوحيد للأساسيّات التي تؤهلّ الخرّيجين للعمل في الشركة. ويقول إنّ "الشهادة الجامعيّة لا تُعطي كلّ شيء، ولكن هي الخطوة الأولى...لن أوّظّف شخصاً ليس لديه شهادة... فالشهادة هي المعيار".
وبعيداً عن "سبكتروم"، تُوّظف شركة "ميديا بلاس" Media Plus الإبداعيّة أشخاصاً لم يتخرجّوا من الجامعة أو حتّى المدرسة. ويقول الشريك المؤسِّس زيدون كرادشة: "نحن نبحث عن أشخاصٍ موهوبين، ولذلك لا تهمّني الجامعة. ما يهمّني هو أن تكون لديهم الموهبة المناسبة لعملنا... نحن نرى ‘البورتفوليو‘ [ملفّ العمل] قبل أن نرى الشهادة؛ فإذا كان الإنتاج مناسباً سنوظّفهم، والشهادة آخر همّي..." أمّا في قطاعاتٍ أخرى كالطب والهندسة فلا يتوّقع كرادشة المُعاملة نفسها، إذ أنّ هذه التخصّصات حسّاسةٌ وتتطلّب دراساتٍ مُعمّقة.
يؤكّد كرادشة أنّ المؤهل العلميّ ليس عاملاً مؤثرّاً على مستوى العمل، ويذكر أنّ الشخص غير المتخرّج قد يتفوّق في بعض الأحيان على المُتخرّج. ولكنّ رئيسة الموارد البشريّة في الشركة، ميرنا جدعون، تُعارضه وترى اختلافاً بين الخرّيج وغير الخرّيج من ناحية التركيز والمسؤوليّة. فحتّى المواهب لا بدّ أن تنصقل في الجامعات، على حدّ قولها.
الشهادة معيار الجهد والالتزام؟
و من "ماركا في آي بي" Marka VIP، قالت لنا روى قهوجي إنّ الشركة كانت توّظّف أشخاصاً كفوئين غير حاصلين على شهادة جامعيّة، لكنّها غيرّت النموذج لأنّه ليس عادلاً "للأشخاص الّذين تعبوا على أنفسهم وحصلوا على شهادةٍ جامعية ومعدّلٍ عال"، أن يتقاضوا الراتب نفسه الذي يتقاضاه غير المُتخرّج. وتضيف أنّه "لذلك، أصبحنا نُفضّل أن يكون المّوظف مُتخرّجاً وبمعدّلٍ عال".
في السياق ذاته، يقول باسم أحمد من الموارد البشرية في شركة "هيلو فود" HelloFood إنّ "الجامعة ضروريّة 100%، لأنّها تجربةٌ مهمّةٌ تُعلِّم الطالب كيف يلتزم بالمواعيد، وكيف يتعامل مع الناس ومع الأكبر سنّاً... بالنسبة لي، الجامعة تُعبّر عن الالتزام".
على غرار ذلك، قرّرت مديرة مدرسة "الأكاديميّة الدوليّة" Alliance Academy، كارول جدعون، توظيف خرّيجةٍ من الأردن بشهادة الدبلوم بدلاً من شخصٍ يحمل شهادة الماجستير من أمريكا، وبالراتب نفسه، لأنّها تعتقد أنّ "الراتب ليس للشهادة، ولكن للإنسان". وبالتالي، فإنّ أهمّ معيار تعتمد عليه جدعون عند التوظيف هو إقبال الشخص على المعرفة وقدرته على التعلّم، وليس ما يعرفه أو خبرته أو الدرجة الأكاديميّة.
كما ترى أنّ ترك مقعد الدراسة ليس مؤشرّاً على إهمال الشخص، ومن يعتقد ذلك فهو غير مُنصف. وذلك لأنّ المشكلة ليست في الطالب، بل في المنظومة الأكاديميّة التي لا تستوعب طرق التُعلّم المُختلفة. فما يجب أن يتغيّر ليس هؤلاء الأشخاص، لكنّ النظام الأكاديمي القائم على أسسٍ تقليديّةٍ لا تتناسب مع الكثير من الطلّاب.
وتعتقد جدعون أنّه إذا كان التّعليم عادلاً لكان من الممكن أن نعتمد الشهادة الجامعيّة كعملةٍ موّحدةٍ نستطيع من خلالها تقييم قدرات الأشخاص، ولكنّه ليس كذلك. وتقول إنّ "الشهادة تعكس مقاييس معيّنةً عن الشخصية، لكن لا أستطيع أن أحكم على نجاح الشخص أو فشله من مؤهّله العلمي".
أحمد ومحمد الأشقر ومحمد أبو صعب، أثناء توقّفهم قليلاً عن البحث في معرض "أخطبوط".
ماذا تعني الجامعة للخرّيجين؟
أحمد الأشقر، العاطل عن العمل منذ سنتين، يتمنّى لو درس في كليّةٍ أرخص من جامعته ووضع أمواله في البنك ليستثمر في عملٍ حرّ.
ومن جهته، محمد الأشقر الذي يعتبر أنّ المُعدّل الجامعيّ يعكس قدرة الشخص في مجالٍ معيّن، يرى أنّ حتّى المُعدّل لم يعد مقياساً مُناسباً، بسبب ‘الواسطة‘ التي تودي إلى توظيف شخصٍ ذي معدّلٍ أدنى.
أمّا نارت الشرقطلي فيقول ساخرا: "أذهَبُ إلى الجامعة لأخسر المال والبنزين والوقت والنوم والأصحاب والعلامات، وأكسب السيّئات". ولكن، تعارضه حور الأمين التّي تفضّل الذهاب إلى الجامعة لأنّ "العلم والمعرفة أساسٌ مهمٌّ للتطوّر الذاتيّ والمجتمعيّ".
ويقول محيي البشيتي إنّ "الهدف الأساسيّ من دخولي إلى الجامعة كان التعلّم، ولكن بعد فترةٍ اكتشفتُ أنّ الموضوع عبارةٌ عن تلقينٍ وشهادةٍ من دون أن تفهم أيّ شيءٍ عن تخصّصك".
ماذا تعني الجامعة لتاركي مقاعد الدراسة؟
لا يفهم مؤسِّس "سايلي" Saily app، جهاد قواص، البالغ من العمر 18 عاماً، لماذا يتوجّب عليه الذهاب إلى المدرسة. فهي بنظره تضيّع وقته ولا تطوّر من شغفه أو تتيح له الفرصة لتعلّم ما يُهمّه.
وفي خطابٍ ألقاه في شباط/فبراير الماضي، تساءل قوّاص حالِماً: "ماذا لو ركّزت المدرسة على التّعلّم وليس النجاح ضمن منظومةٍ معيّنة؟ تخيّلوا مدرسةً لا يُعاقََب الطلّاب فيها إن فشلوا، مدرسةً تُصمّم معايير تنطبق على أكثر من نمطٍ تدريسيّ". هذا الرياديّ الصغير الذي يؤمن أنّه "يجب أن نقضي وقتاً أقلّ في تعلّم كيف تُصنع الأشياء ونقضي وقتاً أطول في صنعها"، كان قد ربح مئة ألف دولار من "مؤسّسة ثيل" Thiel Foundation التي ستدعم مشروعه بشرط ترك مقاعد الدراسة.
ليس كلّ من يترك الدراسة سُنِحَت له الفرصة لأن يكون رياديّاً وأن يترك الدراسة مُخيّرّاً مثلما حصل مع قوّاص. فعدا عن مشكلة النظام التقليديّ الذّي يدفع الكثيرين لترك الدراسة، يُعتبَر العامل الماديّ سبباً آخر. وعلى سبيل المثال، رغيد باطوس الذي لم يدرس في الجامعة بسبب ظروفه الماديّة الصعبة، يوضح أنّه لو استطاع إكمال دراسته سيكملها فقط لأنّ الشهادة ستساعده على التعايش في مجتمعٍ يفرض عليه هذا المعيار وليس لأيّ سببٍ آخر.
ولا يعتقد هذا الشاب أنّه يمكن للجامعة أن تضيف شيئاً إلى شخصية الإنسان، لأنّ "الّذي يريد أن يتعلّم يمكنه أن يتعلّم ما يريد وقتما يريد بطرقٍ مُختلفة….فأنا لجأتُ إلى الكتب والإنترنت وتبادُل الخبرات مع الناس… واستطعتُ أن أتعلّم عن عدّة اشياء في الوقت نفسه، واكتسبتُ خبرةً من المستحيل أن يمنحها نظامٌ تدريسيّ". ويضيف أنّ الخبرة معيارٌ أفضل بكثيرٍ من الشهادة التي يعتبرها "مجرّد ورقة".
ويعتبر باطوس أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في "أنّ المدراء يعتمدون على الشهادة كمقياسٍ للكفاءة"، وبهذه الحالة يُحرَم الكثيرون الذّين يستطيعون أن يفيدوا المُجتمع من فُرصهم رغم أنّهم قد يكونوا مؤثرّين أكثر من الخرّيجين.
ستيف جوبز وبيل غيتز لم يكملوا دراستهم: هل هذا سبب كافٍ لترك الدراسة؟
لقد غيّر عالم الريادة والتطوّر التكنولوجي ديناميكية التوظيف وهيكليته، فلم يعُد مستقبَل الشباب معتمداً كليّاً على أرباب الأعمال، لقد أصبح بإمكانهم أن يوّظفوا أنفسهم بأنفسهم من خلال بدء شركاتهم الخاصّة. ولكن هذا الأمر ليس بمنتهى البساطة بالطبع، إذ أنّه يعتمد على عوامل مُساعدةٍ كثيرةٍ مثل الطبقة الاجتماعيّة والخلفيّة والزمان والمكان.
يبرّر الكثيرون من تاركي مقاعد الدراسة قرارهم هذا بنجاح أمثال قوّاص وعبد الله عبسي، وحتّى بيل غيتز وستيف جوبز ومارك زوكربرغ. ويقولون إنّه طالما استطاع ستيف جوبز أن يحقّق هدفه خارج مقاعد الدراسة، فهذا يعني أنّ الدّراسة غير مُهمّة.
ولكن بروفيسور الاقتصاد في جامعة واترلو، لاري سميث، يحذّر من هذا المنطق، فيقول في مقالٍ نُشر على "فوربز" Forbes: "ماذا عن جون هنري والـ420 ألفاً الآخرين الذين فشلوا؟ هذه حالةُ تَحيُّزٍ للناجين. نتّخذ قراراتنا وفقاً للأشخاص الذين نجوا، ونغضّ النظر عن نصائح الذين فشلوا".
بدائل مُبتكَرة
لأنّ التعليم التقليديّ لم يعد يستجيب إلى متطلّبات العصر، ولأنّ البيئة الحاضنة للتعليم ما زالت مهمّة، فقد استطاعَت بعد الجهات إعادة هيكلة مقوّمات المنظومة الأكاديميّة من ناحية الأسلوب والتقييم، مع الحفاظ على التوجيه والإرشاد.
من ضمن هذه المبادرات "أنكوليج" Uncollege ، و"والدورف" Waldorf Education، و"هاكسكولينج" Hackschooling، و"مؤسسة ثيل" Thiel Foundation، و"كو أوب بروجرامز" Co-op Programs، وصولاً إلى "ليرن كابيتال" Learn Capital التي تستثمر في مشاريع تهدف إلى تغيير مفهوم التعليم، ومنها "مينيرفا" Minerva ، و"كورسيرا" Coursera.
بالإضافة إلى ذلك، من المنصّات العربية للتعليم المفتوح (MOOC) ترد "إدراك" Edraak، و"رواق" Rwaq، و"أكاديمية التحرير" Tahrir Academy. ومن الشخصيات التي قدّمت أفكاراً وحلولاً ثوريّةً لمشكلة التعليم نشير إلى سير كين روبنسون ومنير فاشة.
قال كثيرون إنّهم درسوا في الجامعة ليؤمّنوا مستقبلهم. ولكن في ظلّ التطوّر التكنولوجيّ وبالتالي تطوّر الأسواق، هل سيقدّم المُستقبل معايير بديلةً للشهادة الجامعية؟