أيّها الرائد، حافظ على نظافة كفّك
تفتقد نصف الشركات تقريباً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى سياساتٍ لمكافحة الفساد أو الرشوة، وتواجه الشركات الناشئة خطرًا فريدًا من نوعه إذا تمّ تجاهل الأمور الأساسية منذ البداية.
أظهر استطلاعٌ أجرَته شركة "أرنست أند يونج" Ernst & Young قبل بضعة أسابيع، أنّ 52% فقط من 400 شركة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد وضعَت "حجر الأساس" للامتثال لقوانين مكافحة الفساد والرشوة.
وأشارت "أرنست أند يونج" في بيانٍ صحفيّ، أنّ الضغوط المكثّفة لرفع العائدات إلى مستوى أعلى من أيّ وقتٍ سابق، والمخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، تعرّض الأعمال يومًا بعد يومٍ إلى أخطارٍ متزايدة. كما أنّ خطر الممارسات التجارية غير القانونية يرتفع، حيث يتقد 50% من 3800 مشارك في الاستطلاع أنّ التلاعب في البيانات المالية هو أمرٌ جيّد، ويظنّ 67% من المستَطلَعين أنّ تقديم الهدايا أو المال هو فعلٌ مقبولٌ إذا كان ذلك لصالح استمرارية الشركة.
لا تلوّث يدك بالفساد (الصورة من RejuveNationMedia)
لا تتحلّى الشركات الناشئة بالحذر الكافي، ففي مقابلاتٍ مع عددٍ من المؤسِّسين، الذين طلبوا جميعًا عدم الكشف عن هويّاتهم نظرًا لحساسية الموضوع، وُجد أنّ أحداً لم يضع سياساتٍ محدّدةً لمكافحة الفساد.
فيقول أحد الروّاد في مصر إنّ هذه السياسات غير ضرورية بما أنّ مجال شركته لا يتعرّض للفساد، في حين يشير رائد أعمال آخر في المغرب إلى أنّ المعاملات غير القانونية تبقى حكراً على حقبة ٍأقدم من رجال الأعمال. ويقول هذا الرائد المغربيّ لـ"ومضة" إنّ "المغرب يتغيّر بوتيرةٍ متسارعة، وعندما نتحدّث عن الفساد، فنحن نتحدّث عن الطرق التي اتّبعها الجيل الأكبر سنّاً، أمّا جيل الشباب ... فيحاول القيام بالأمور بطريقةٍ نظيفة."
ويعتبر أنّ التحيّن في تقديم "الهدايا" لتسهيل الصفقات التجارية – مثل طلب مدير بنك الحصول على هاتف "آيفون" iPhone منه – يتمّ تجاهله ببساطة لخلق ثقافة الشفافية على المستوى القيادي والإداري الأعلى. ويضيف أنّ "ذلك يعتمد على الشخص الريادي. فروّاد الأعمال الراغبين بالتقدّم بسرعة، يقدّمون الهدايا... هم يستخدِمون ذكاءهم الاجتماعي [لأن هذه الوسيلة هي استراتيجيةٌ مقبولةٌ للأعمال]، إلّا أنّهم غير مجبرين على ذلك."
وتساءل الرائد المغربي عن كيفية تحديد الفساد أو الرشوة لدى الشركات الناشئة، في حين أنّ الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم، لانتهاز فرصة ما، تجد سبُلاً لتقديم شيءٍ سواء كان مالاً أو سلعاً.
سلوكٌ خطير
ولكنّ هذا السلوك خطير، كما تقول ريبيكا كيلي، الشريكة في مكتب محاماة "مورغان، لويس وبوكيوس" Morgan, Lewis & Bockius LLP، في الإمارات العربية المتّحدة. والشركات التي تُهمل وضع أنظمةٍ وأحكامٍ قويّةٍ في البداية "تحصد المشاكل المستمرة" خلال توسّعها."
وصرّحت كيلي لـ"ومضة" أنّ "ما يثير قلقي حول الشركات الناشئة والنهج العام المتّبَع لحوكمة الشركات، هو أنّ السياسات العامّة المختارة لا تعني شيئاً إذا لم تُنَفّذ ولم يتمّ التدريب عليها."
وأشارَت إلى أنّ العديد من الشركات الناشئة اعتبرَت سياسات مكافحة الفساد أو الرشوة كسياساتٍ "من الجيّد اعتمادها" بدلًا من أن تكون ضرورةً وحاجة، لأنّها لا تتماشى مع رغبة الشركات في التوسّع السهل والنموّ السريع.
وفيما ترنو بعض الشركات الناشئة إلى العلى منذ البداية لتجذب المستثمِرين الأجانب المتميّزين، فإنّ إهمال المعايير العالية للأنظمة والأحكام الإدارية [حوكمة الشركات] قد يجذب المخادعين والمحتالين. وتشير كيلي إلى أنّ "الشركات الناشئة تخطئ حينما تشارك أو تبحث عن استثمار مع الشركات الأكبر، التي لا تعتمد معايير (عالية)."
من الأكثر إلى الأقلّ فساداً
يقول الخبير الاقتصادي محمد الدهشان إنّه في حال كانت الشركة الناشئة في البلدان النامية، فهي ستواجه الفساد عاجلاً أم آجلاً. فدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتفاوت فيما بينها على سلّم الفساد، حسب مؤشّر الفساد السنوي لمنظمة الشفافية الدولية Transparency International، ما عدا دولتَي الإمارات وقطر المصنّفتَين خاليتَين من الفساد.
"مؤشر الفساد" لعام 2014 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية.
إذا أرادت الشركات الناشئة التوسّع في المنطقة، من الضروري التفكير في طريقةٍ لمعالجة الفساد في الأسواق الجديدة.
في غضون ذلك، يذكر الخبير الاقتصادي محمد الدهشان لـ"ومضة" أنّ "العديد من الشركات الناشئة تبلّغ عن تعرضها للطلب الصريح للرشاوى خلال مرحلة تسجيلها. ويكون ذلك غالباً في بيئاتٍ قديمةٍ حيث تكون عملية التسجيل معقّدة وبيروقراطية. حينها، تواجه الشركات مسألةً أخلاقيةً من حيث الانخراط في الفساد، سواء أرادَت ذلك أم لا."
ويضيف أنّه "تمّ الإبلاغ عن حدوث الأمر نفسه في مراحل لاحقة من عمل الشركة، مثلما يحدث عند تقديم المناقصات للحصول على عقود. وفي أحيانٍ أخرى، يتمّ طلب الرشاوى منهم أو يتوقّعون هم دفعَها."
أمّا المشكلة الأخرى، بحسب الشريك المؤسِّس لصندوق "ليب فينتشرز"LEAP Ventures في لبنان، هنري عسيلي، فتكمن في إمكانية الطعن في الأنظمة الداخلية المتينة للشركة عن طريق المحكمة إن اعتُبرَت معرقلةً للأعمال. وذلك حيث يمكن أن يلغي القاضي السياسات الطموحة للشركة ويجبرها على اتّباع القوانين التجارية "القديمة".
كيف تبقى خالياً من الفساد
يقرّ عسيلي أنّ العلاج يكمن في الحوكمة الجيدة للشركة وتعيين مديرٍ ماليٍّ قوي CFO. ويقول إنّه "حين يكون لديك أشخاصٌ مهنيون [في موقع المسؤولية] في الشركة، تنخفض حوادث الفساد والرشوة والعقود مع أفراد الأسرة بشكلٍ كبير."
ويعتقد دهشان أنّ المبادئ التوجيهية المعتمدة في الشركات الناشئة يجب أن تماثل تلك الموجودة في الشركات الكبيرة، على أن تبقى "أقل إسهاباً وأوضح صياغةً."
وبما أنّ الشركات الناشئة هي شركات صغيرة، يصعب إخفاء الصفقات المشبوهة والميزانيات الخفية للرشاوى أمام المراجعين والمدقّقين. وهذا يعني أيضاً أنّه يسهل على أيّ موظّفٍ صغيرٍ الوصول إلى المؤسِّس – والإبلاغ بسهولةٍ عن المعاملات غير القانونية، أو فرض ثقافةٍ معينّة من أعلى مستوى في الشركة إلى الأدنى.
في الأردن، المركز الأقوى للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقول يوسف س. خليليه، الشريك الإداري في شركة رجائي الدجاني وزملائه للمحاماة القائمة في عمان، أنه ما من شرط قانوني لتنفيذ قانون مكافحة الفساد وقواعد السلوك المنصوصة من قبل المنظّم.
وفي الأردن الذي يُعتَبَر المركز الأقوى للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يوجد شرطٌ قانونيٌّ لتنفيذ قانون مكافحة الفساد وقواعد السلوك، حسبما يقول يوسف س. خليليه، الشريك الإداري في شركة رجائي الدجاني وزملائه للمحاماة في عمان.
فهناكَ يتمّ تشجيع الشركات على وضع سياساتٍ "توفّر آليةً للموظّفين لتنبيه الإدارة والمجلس الإداري بشأن أيّ سلوكٍ سيّئ محتمَل، من دون خوفٍ من العقاب"، وفقاً لخليليه في حديثه مع "ومضة". وتشمل هذه السلوكيات قضايا تتعلّق بتلقّي الهدايا والفساد وحتّى العلاقات الاجتماعية والتمييز في مكان العمل.