مبادرة ‘مينا 2‘ تنطلق في لبنان وسط بعض المخاوف
أعلن الأسبوع الماضي كلٌّ من ممثِّلي "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" USAID، ومؤسَّسة "بيريتِك" Berytech Foundation (حاضنة أعمالٍ وشركة استثمارٍ مخاطر لبنانية)، وحكومة الولايات المتّحدة الأميركية، عن إطلاق برنامجٍ بقيمة 15 مليون دولارٍ يمتدّ لخمس سنوات بهدف دعم ريادة الأعمال في لبنان، وذلك كجزءٍ من مبادرة الاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA Investment Initiative (MENA-II). ومن خلال هذا المخطط الجديد، سيتمكّن كلٌّ من مسرّعات النموّ، والمستثمرين (المستثمرين التأسيسيين وشركات رأس المال المخاطر)، والشركات في مراحلها الأولى، من الحصول على الدعم.
في هذا الإطار، أطلقَت "بيريتِك" فرعاً لها تحت اسم "إنشور أند ماتش كابيتال" Insure & Match Capital، من أجل إدارة مبلغ الـ15 مليون دولار، بحيث يتمّ إنفاقها خلال السنوات الخمس الأولى من عمر البرنامج ذي 20 عاماً. وبحسب المدير العام في "إنشور كابيتال"، نيقولا روحانا، في مؤتمرٍ صحافيٍّ له في بيروت نهار الخميس الفائت، فإنّ هذا المبلغ سوف يُوزّع على ثلاث قنوات: استثمار يتطابق مع قيمة رأس المال، وضمان حقوق الملكية، والمساعدة التقنية.
1) استثمار يتطابق مع قيمة رأس المال: سوف تعمل "إنشور أند ماتش كابيتال" على مطابقة "ما يصل إلى 50%" من رأس المال الاستثماري الجديد في القطاع الخاصّ الخارجيّ.
2) ضمان حقوق الملكية: سوف تسعى "إنشور أند ماتش كابيتال" إلى تأمين ضماناتٍ جزئيةً للمستثمِرين في الشركات التي تكون في مراحلها الأولى. "وهذا هو الجزء الأكثر ابتكاراً في هذا القسم،" بحسب روحانا الذي يضيف قائلاً، "ندين بذلك لـ‘كفالات‘ Kafalat التي سمحَت لنا باستخدام نموذجها."
3) المساعدة التقنية: ستقدّم "إنشور أند ماتش كابيتال" المساعدة التقنية للمستثمِرين وروّاد الأعمال. وبحسب ما جاء على موقعها الإلكترونيّ، ستتضمّن مجالات المساعدة المحتمَلة "التدريب المرتبط بنماذج استثمارية ناجحة، والتدريب على ريادة الأعمال ونماذج المشاريع، والتنسيق والمساعدة مع المستثمِرين التأسيسيين، والمساعدة التقنية لمعالجة المسائل الحسّاسة للبيئة التمكينية، والحصول الروابط التجارية، والوصول إلى أسواقٍ عالمية."
ولدى سؤاله عن وقت انطلاق البرنامج، أجاب روحانا ضاحكاً، "نحن مستعدّون لتوقيع الشيكات الآن."
في غضون ذلك، تعتمد مبادرة "مينا 2" MENA-II على 225 مليون دولارٍ مخصّصةٍ للـ"وكالة الأميركية للتنمية الدولية" للمساعدة على "تحفيز النموّ الاقتصاديّ" في المنطقة وأمورٍ أخرى، بحسب ما يرد في موقع الوكالة على الإنترنت. وعلى وجه التحديد، سوف تهدف هذه المبادرة الاستثمارية إلى "إيجاد فرص العمل في المنطقة وتحفيز الاستثمارات الخاصّة، من خلال استهداف الشركات الناشئة والشركات التي تكون في مراحلها الأولى التي تعاني قبل الوصول إلى التمويل... سوف تستفيد ‘مينا 2‘ من التمويل الأميركيّ من أجل تحفيز الموارد من [مستثمِرين] آخرين." كما أنّ المبادرة سوف تخصّص أمولاً لبلدانٍ أخرى في المنطقة، بما فيها الأردن.
هل الاستغناء عن القطاع المصرفيّ خطأٌ؟
لم يتحمّس لهذه الأخبار الجديدة كلّ من كان حاضراً في المؤتمر؛ فخلال الجزء المخصّص للأسئلة، طرح محمد إبراهيم فحيلي من "جمّال تراست بنك" Jammal Trust Bank سؤالاً عن نوع مؤشِرات الأداء الرئيسية التي سيتمّ استخدامها لتتبّع التقدّم المحرز في هذه المبادرة.
وفي مقابلةٍ لاحقةٍ معه، شرح مخاوفه قائلاً إنّ هذا النوع من نظام الإقراض يتطلّب خبراتٍ فنيةً عالية من أجل اتّخاذ القرارات الصائبة المتعلّقة بإدارة المَخاطر. ويضيف أنّ بنود مطابقة الاستثمار مع رأس المال وضمان حقوق الملكية، سوف تجعل الشركات الناشئة والمستثمرين أكثر عرضةً لاتّخاذ قراراتٍ محفوفةٍ بالمَخاطر. ويتابع قائلاً، "أخاف أن يؤدّي هذا الأمر إلى زيادة السلوك المخاطر، في وقتٍ لا تملك ‘بيريتك‘ الوسائل اللازمة لضبط هذا السلوك."
"وفي وضعها الحالي، لا تتوفّر هذه الخبرة لدى ‘بيريتِك‘."
وبدلاً من تعامل المصارف "رفيعة المستوى" مع استثماراتٍ بملايين الدولارات، بما فيها رندة صفا من بنك عودة، يفضّل فحيلي رؤية القطاع المصرفيّ مشاركاً أكثر في المبادرة، بحيث أنّ اعضاءه يمتلكون خبرةً أكبر في التعامل مع الاستثمارات الصغيرة كالتي تريد "إنشور أند ماتش كابيتال" القيام بها.
فرصٌ جديدةٌ من القطاع الخاصّ
بالرغم من المخاوف التي تحيط بالعملية، تأتي أخبار ضخّ "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" لهذا المال النقديّ وسط الدعم المتزايد الذي تحظى به الشركات الناشئة اللبنانية.
وحتّى هذا الوقت من العام، أعلنَت أو أطلقَت عدّة شركاتٍ إقليميةٍ ومحلّيةٍ صناديق تمويلٍ للشركات الناشئة اللبنانية. وهي تشمل كلّاً من صندوق تمويلٍ بـ71 مليون دولار من "ليب فينتشرز" LEAP Ventures التي تتمركز في لبنان، وصندوقٍ بـ30 مليون دولار، برعاية البنك الدوليّ، من المبادرة اللبنانية "دعم الابتكار في المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم" iSME Fund، وصندوق إمباكت" IMPACT Fund بـ50 مليون دولار (يتمركز أيضاً في لبنان) من "شركاء المبادرة في الشرق الأوسط" MEVP، وصندوق تمويلٍ بـ50 مليون دولار مرتقَب من "هاتشر" Hatcher التي تتمركز في سنغافورة، وغيرها من صناديق التمويل الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنَت عدّة منظَّماتٍ داعمةٍ عن خططٍ لافتتاح مؤسَّساتٍ لها في بيروت. فمن جهتها، سوف تُطلق "فلات6لابز" Flat6Labs مسرّعة النموّ الرابعة الخاصّة بها في المنطقة، العام القادم في بيروت. كما أعلن السفير البريطانيّ، طوم فليتشر، عن خططٍ لإطلاق مركزٍ تقنيٍّ مشترك برعاية الحكومتين البريطانية واللبنانية. وبدوره، قال البنك الدولي إنّه سيُطلِق بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية منظَّمةً غير حكومية لدعم الشباب في تأسيس شركاتٍ تقنيةٍ ناشئة.
دعم القطاع العام
أطلق القطاع العام، بقدر ما يستطيع، مبادرتَين مدعومتَين من مصرف لبنان المركزي، لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسِّطة والشركات الناشئة في الحصول على استثمارٍ للمرحلة المبكرة.
الأولى هي التعميم الأساسيّ المعدّل رقم 331، الذي يعطي مصرف لبنان من خلاله، للمصارف التي تستثمر في الشركات الناشئة، ديوناً على سبع سنواتٍ من دون فوائد، ويمكن استثمارها في سندات الخزينة وفق المعدّل الذي يضعه مصرف لبنان. بالإضافة إلى ذلك، يضمن مصرف لبنان ما نسبته 75% من قيمة الاستثمار، ما يعني أنّ البنك يخاطر بخسارة 25% فقط من الاستثمار في الشركات الناشئة. وإذا نتج عن الاستثمار زيادةً في العائدات، يقتسم البنك المستثمِر الأرباح بالمناصفة مع مصرف لبنان. وفي هذا السياق، كان الاستثمار الأوّل وفق التعميم الأساسيّ المعدّل رقم 331، في شهر حزيران/يونيو من عام 2014، عندما استثمر "بنك الموارد" في الشركة الناشئة اللبنانية "بريسيلا" Presella. ولكن يبدو أنّ البنوك تنزع لوضع الأموال في صناديق تمويلٍ مثل "ليب فينتشرز" و"شركاء المبادرات في الشرق الأوسط" وسواها، التي تعرف أكثر كيف تستثمر في الشركات الناشئة.
"كفالات" Kafalat التي تعمل منذ عام 1999، هي المبادرة الثانية التي كانت قد أطلقتها الحكومة اللبنانية بالاشتراك مع جمعية المصارف ومصرف لبنان والمؤسَّسة الوطنية لضمان الودائع. وهذا البرنامج يسمح للشركات الصغيرة والمتوسّطة والشركات الناشئة بالحصول على قروضٍ من البنوك التجارية (شرط أن يوافق على خطّة أعمال الشركة). ولقد عمدَت "كفالات" إلى إيجاد حافزٍ كبيرٍ للبنوك لكي تتشجّع على الإقراض، من خلال ضمان نسبةٍ كبيرةٍ من قيمة القرض المصرفيّ (70 - 90%) الذي قد يصل إلى 400 ألف دولار. وكنتيجةٍ لزيادة ضمان القروض، ساهمَت "كفالات" في تسهيل الطريق أمام البنوك كي تستثمر مباشرةً في الشركات الناشئة بدلاً من اللجوء إلى وسطاء في التمويل.