مؤتمر ‘مينا جايمز‘: التواصل لتعزيز صناعة الألعاب الإلكترونية في المنطقة
إنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي واحدةٌ من أسرع أسواق الألعاب نموّاً في العالم - بالنسبة لمطوّري الألعاب - ويتوقّع أن تصل إلى 3.2 مليارات دولارٍ أميركيٍّ بحلول عام 2016.
ولقد شهدَت هذه المنطقة زيادةً في الاهتمام من قبَل كبار مطوّري وناشري الألعاب، بدءاً من "يوبيسوفت" Ubisoft التي أقامَت متجراً لها في أبو ظبي ساعيةً لتوطين بعض أشهر منتَجاتها، وصولاً إلى مطوّرين عالميّين يريدون صقل علاقاتٍ لهم مع بعض الفاعلين المحلّيين من خلال الفعاليات مثل "معرض دبي العالمي للألعاب" Dubai World Game Expo.
ومع ذلك، فإنّ مثل هذه السوق غير المستغلّة بعد، لا تخلو من التحدّيات. فقد أشار "مختبر ومضة للأبحاث" WRL إلى أنّ 4% فقط من الشركات الإقليمية التي تصنّف نفسها ضمن قطاع الألعاب، تمّ تمويلها من قبل أصحاب رأس المال المخاطر (على الرغم من أنّ هذا يمكن أن يتأثر بنشاط المستثمرين التأسيسيين). بالإضافة إلى ذلك، بالرغم من أنّ المنطقة تضمّ مستهلكين نهمِين، إلّا أنّ منتِجي الألعاب محدودون. ما الأمر إذاً؟ لماذا لا نتحرّك؟
في هذا الصدد، أقيم مؤتمر "مينا جايمز" MENA Games conference الأسبوع الفائت، وهو الأوّل من نوعه في هذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا المؤتمر الذي عقد في بيروت، تجمّع أشخاصٌ فاعلون من المنطقة بالإضافة إلى مطوّرين وناشرين عالميين، لتشخيص الفرص والتحدّيات ضمن قطاع الألعاب في المنطقة. ولقد أجمع الحاضرون بشكلٍ عامٍّ على أنّ أكثر ما يحتاجه هذا القطاع هو إيجاد توليفةٍ له والعمل على جمع الفاعلين فيه.
محطّة القطار التاريخية في شارع مار مخايل في العاصمة بيروت استضافت مؤتمر "مينا جايمز".
هذا المؤتمر الذي نظّمته الشركة الدولية للمعارض IFP Group بدعمٍ من ناشر الألعاب "بلاي عربي" Play 3arabi، أُقيم في محطّة القطار التاريخية في بيروت، في منطقة مار مخايل. ولقد تضمّنت افتتاحيته النسخة الأولى في المنطقة من مسابقة "أرابيك جايم جام" Arabic Game Jam (اقرأوا المزيد عنها خلال هذا الأسبوع في "ومضة")، ومن ثمّ بدأ برنامجه الذي تضمّن سلسةً من الندوات والمحادثات وورش العمل. وضمّت هذه النشاطات بعض أبرز الفاعلين العالميين في قطاع الألعاب (نذكر منهم "يوبيسوفت"، "جايم فورج 4دي" GameForge 4D، "جايم فاوندرز" GameFounders، و"الرابطة الدولية لمطوّري الألعاب" IGDA). وفيما يلي، نقدّم لكم أبرز ما جاء في هذا المؤتمر من رؤىً وأفكار.
كيف يتمّ تطوير الألعاب في المنطقة
في ظلّ السوق المجزّأة، يرى المدير التنفيذيّ لـ"فلافل جايمز" Falafel Games، فينس غصوب، أنّ الفروقات كبيرةٌ بما فيه الكفاية لكي لا تعتبر السوق سوقاً شاملة: "الناس في الخليج يملكون ذوقاً مختلفاً عن الناس في شمال أفريقيا؛ يختلف الدخل المتاح في جميع أنحاء المنطقة، وهناك بعثرةٌ كبيرةٌ في المشهد العام بالنسبة للمنتَج." ولكن إذا كان المنتَج يتمّ استهلاكه بطرقٍ مختلفةٍ في المنطقة، كيف سيتمّ تطوير نهجٍ موحّدٍ إذاً؟
يتّفق المتحدّثون في هذا المؤتمر على أنّ المحتوى يجب أن يأتي من المنطقة. فيقول المدير التنفيذيّ لـ"نيتماربل" أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا Netmarble EMEA، في تركيا، بارز أوزيستك، "إنّ الناس في المنطقة يمكنهم الاستفادة من الثقافة المحلّية في المنطقة لتطوير الألعاب الخاصّة بهم." وفي كلّ الأحوال، يوجد "نقصٌ كبيرٌ في المواهب،" بحسب عبد الله حامد من "لمبة" Lumba, Inc من السعودية. وقال حامد، إنّ "الأشخاص الذين كانوا جيّدين غادروا المنطقة منذ وقتٍ طويل، ولكن نريدهم أن يعودوا. يمكن للشركات الأجنبية أن تأتي إلى المنطقة وتوظّف هؤلاء الأشخاص." وبالتوازي مع النقص في المواهب، أشار الرئيس التنفيذيّ لشركة "طماطم للألعاب" Tamatem Games، حسام حمو، إلى أنّ توليد العائدات والتعليم والمعرفة حول تطوير الألعاب، هي التحدّيات الكبرى التي تواجه قطاع الألعاب في المنطقة.
المشاركون في "أرابيك جايم جام" يعرضون ألعابهم أمام "ميديا إبفوليوشن" وستين سيلاندر من [canwz].
من ناحيةٍ أخرى، لا يوافق الجميع على هذه الطروحات؛ فهذا جوزف الشوملي الذي دخل قطاع الألعاب منذ عام 2005 على أقلّ تقدير، وعمل كمديرٍ تنفيذيٍّ وشريكٍ في التأسيس لـ"بلاي عربي"، يقول: "لا أعتقد أنّ هناك مشكلةٌ في إيجاد المواهب، أظنّ أن المشكلة تكمن في التواصل مع المواهب،" وهذا ما كان المؤتمر يحاول أن يحلّه.
بدوره، يشكّل النقص في البيانات تحدّياً آخر. وعن هذا الأمر، يعطي عبد الله حامد من "لمبة" مثالاً، فيقول إنّه "في السعودية، يوجد لعبتَين وحسب، ولقد تمّ تنزيلهما ملايين المرّات. ولكن، من يقف وراءهما لا يجنون سوى 3 آلاف دولارٍ أميركيٍّ شهرياً فقط. لقد وصلوا إلى الناس ولكنّهم لم يجنوا المال، وهذه الفجوة في المعلومات التي منعتهم من جمع المال، يجب أن نعمل على سدّها: ينبغي أن نساعدهم على جمع بياناتهم." إنّ تثقيف بعض الفاعلين حول أهمّية البيانات، يمكن أن يساعد في كسر المحرّمات الناتجة عن المساوئ المتوقّعة لتبادل البيانات، وتسليط الضوء على منافع استخلاص الدروس.
بالرغم من أنّ عملية الدفع على الإنترنت قد تبدو مسألةً شائكةً، إلّا أنّ حامد يمتلك وجهة نطرٍ مغايرة، فيقول إنّ "معظم اللاعبين الدائمين يمتلكون بطاقات ائتمانٍ مصرفيةً لتوّهم، وكذلك يفعل سواهم. وكلّما كانت لعبتك جذّابةً وتستهدف الثقافة المحلّية، كلّما تدفّق الناس إليها، لأنّهم يتعطّشون إلى مثل هذه الألعاب."
يبدو أنّ كلّ شيءٍ يشير إلى حقيقة أنه من أجل تطوير هذا القطاع، فإنّه يحتاج إلى "المزيد من النشاط" والتعاون، والعمل على تزويد كلٍّ من المنتجِين والمستهلِكين في المنطقة بمزيدٍ من الخبرة والمعرفة.
شهدت ساحة المعرض دردشاتٍ بين المشاركين.
من المنطقة وثقافتها
نظراً لوجود فاعلين أجانب في المؤتمر، تدور على سؤال حول باقتحام المنطقة. ماذا عن الإجماع؟ إنّ لعبتك يجب أن تتحدّث إلى المنطقة وتتنفّس أنفاسها، لكن ليس بالمعنى النمطيّ.
بالنسبة إلى حامو، طالما أنّ محتوى اللعبة يتمّ تطويره داخل المنطقة، فجنسية الفريق لا تهمّ: "من المهمّ أن يتمّ تطوير الألعاب في المنطقة. لا تهمّني لغة البرمجة بعينها، فيمكنهم [المطوّرين] أن يأتوا من أيّ مكان دام أنّ المحتوى يأتي من المنطقة."
بدوره، أشار حامد إلى أنّه لا يهمّ أين تطوّر لعبتك، فالأكثر أهمّيةً أن يكون لديك صِلةٌ مباشرةٌ مع السوق لكي تحصل على ردود الفعل والتعليقات. كما يضيف أنّه "من المهمّ للناس في المنطقة أن يبتكروا محتواهم الخاصّ وأن يصدّروا قصصهم إلى الخارج."
من جهةٍ ثانية، إنّ أخذ المستهلك الذي يدفع والآخر الذي لا يدفع بعين الاعتبار هو أمرٌ في غاية الأهمّية. ويشرح هذا الأمر المدير التنفيذيّ في "جايم باور 7" Game Power 7، فادي مجاهد، بقوله إنّ "المستهلِك الذي لا يدفع يحفّز المستهلك الذي يدفع. إنّ عملياتنا التسويقية تطال الطرفَين على حدٍّ سواء في البلدان العربية، طالما يجد فيها بعض عمليات الدفع." ويضيف أنّ الفخّ الأساسيّ الذي يقع فيه المنتِجون، يبدو أنّه يكمن في تفضيل سوق الخليج وإهمال الأسواق الأخرى في المنطقة. "وهذا الأمر يُوجد فقاعةً في الدفع عند البداية، ومن ثمّ تنهار اللعبة بسرعة لأنّ الناس يلعبون ولكن لا منافسة في اللعبة."
ولكن ليس بالضرورة أن تتمّ صناعة كلّ الألعاب في المنطقة وأن تحمل ثقافتها. فوفقاً لمجاهد، يمكن للألعاب البسيطة أن تُلعب بأيّ لغةٍ، كما أنّ الألعاب الجماعية عبر الإنترنتMMORPGs والألعاب الاستراتيجية اللحظية Real-Time Strategy games هي ما يجب أن تؤخَذ بعين الاعتبار.
إطلاق شركة للألعاب
المدير التنفيذيّ السابق للـ"رابطة الدولية لمطوّري الألعاب" IGDA، وحالياً المدير التنفيذيّ لـ"إكسيكيوشن لابز" Execution Labs في مونتريال، جايسون ديلا روكا، أوجز في كلامه أهمّية التركيز على بناء شركةٍ بدلاً من التركيز علة منتَجٍ واحد، حيث قال إنّ "سقالة البناء هي ما سيساعدك على التقدّم."
بدوره، قدّم الشوملي من "بلاي عربي" نفسه مازحاً كـ"خبيرٍ في الفشل،" الذي يعتبَر ممارسةً صحّيً من أجل التعلّم. وأشار إلى أنّ "لا أحد يهتمّ بالأفكار، حتّى لو كنتَ ناجحاً، الأمر يتعلّق بالتنفيذ." من جهته، قام توبياس سجوجرن من "بارادوكس إنتراكتيف" Paradox Interactive الذي شارك في الندوة، بتسليط الضوء على أهمّية الوضوح في الشركة عندما يتعلّق الأمر باتّخاذ القرارات.
بارز أوزيستك، حسن مهدياسل، وماريو بومان خلال ندوة " نظرة عامّة على أسواق الألعاب الجديدة" Overview of New Gaming Markets (الصورة من صفحة "مينا جايمس" على "فايسبوك".
البحث عن أسواقٍ جديدة
بقدر ما يهمّ التطلّع إلى المنطقة ومدى تأثيره في تحسين قطاع الألعاب، حظي الحضور بفرصة إلقاء نظرةٍ على أسواق ناشئةٍ أخرى للألعاب. وبالنظر على وجه التحديد إلى كلٍّ من إيران وتركيا والبرازيل، أشار المتحدّثون إلى الألعاب التي تمّ تكييفها مع ثقافةٍ معيّنة، وكيف كان أداؤها جيّداً في عددٍ من الأسواق الناشئة.
ويقول مدير تطوير الأعمال في "باوكوبرا" UOL BoaCompra في مناطق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ماريو بومان: "عندما أنظر إلى أميركا اللاتينية، أجد أنّ الألعاب التي تعتمد على الزبون ضخمةٌ، ولكنّ القضية التي تؤثّر في سوق الهواتف المحمولة هي أنّ جنيَ المال غير موجود."
وبالنسبة للمستهلِك التركيّ، يؤكّد أوزيستك من "نيتماربل" أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، على أنّ اللعبة يجب أن تكون باللغة التركية. ويشرح أنّ "15% فقط من السكّان يمكنهم تحدّث الإنجليزية، ولكنّ السوق إجمالاً لا يتحدّث كلمةً واحدةً [بالإنجليزية]." وما يعمل حالياً هو المنصّات والحواسيب الشخصية أو الهواتف المحمولة، في وقتٍ تظهر السوق نسبة 14% من التحوّل نحو الهواتف المحمولة.
في سياق ذلك، عادةً ما تكون ترجمة الألعاب إلى اللغة الفارسية أمراً سهلاً (العامّية على أغلب الظنّ)، على حدّ تعبير المؤسِّس والمدير التنفيذيّ لـ"سورينا جايم استوديو" Sourena Game Studio في إيران، حسن مهدياسل. أمّا التحدّي فهو يكمن في جعل المحتوى مهمّاً بالنسبة إلى المستهلِكين المحلّيين. ويضيف أنّه بالرغم من أنّ السوق الإيرانية لا تزال مغلقةً، إلّا أنّها سوقٌ مهمّةٌ قطعاً وخصوصاً عندما يكون فيها أكثر من 80 مليون نسمة وأكثرهم من الشباب تحت الـ35. كما يقول إنّ "الفرس قوميّون، ويهتمّون بقصّة اللعبة وما تقوله داخلها."
وعن بناء ألعابٍ لهذه الأسواق الثلاثة أو التوسّع نحو أيٍّ منها، يفسّر أوزيستك الأمر قائلاً إنّه لا يوجد نجاحٌ "من دون فهم الثقافة المحلّية واحتياجاتها وكيفية ترويج اللعبة."
في سياق ذلك، تبقى عمليات الدفع واحدةً من التحدّيات الأبرز التي تطال القطاع. ففي البرازيل مثلاً، يتمّ حظر بطاقات الائتمان الدولية ومتجر "جوجل" Google Playstore لا يولّد أية أموال. ويشرح بومان قائلاً، "إنّ الطريقة الوحيدة للشراء هي عبر البطاقات مسبقة الدفع." وبالرغم من أنّ الحصول على شركاء محلّيين يجعل الأمر أسهل بكثير (خصوصاً بالنسبة إلى توطين اللعبة)، إلّا أنّ بعض المتحدّثين لم يروا الأمر ضرورياً، ما عدا مهدياسل. ففي إيران، قد يكون توطين المحتوى الخاصّ بك صعباً جدّاً، وهناك لا يمكن تسوية الأمر عبر شراكةٍ مع مؤسَّسةٍ محلّية. وبالإضافة إلى ذلك، لكي تنشر لعبةً ما وتحصل على أموالٍ منها، يجب الحصول على ترخيص.
كايت إدواردز من "الرابطة الدولية لمطوّري الألعاب" تتحدّث مع أحد المشاركين.
وفي ختام المؤتمر الذي استمرّ ليومَين متواصلَين، يتبادر إلى الذهن لو كان يوجد هناك المزيد من المطوِّرين والمنتِجين ومزوِّدي الحلول في التجربة الأولى لهذا المؤتمر. فهو لم يشِر إلّا إلى أنواع الدعم الذي يمكن لقطاع الألعاب أن يعتمد عليه. وبدورها، تقول للمديرة التنفيذيّة الحالية لـ"الرابطة الدولية لمطوّري الألعاب" IGDA، كايت إدواردز، إنّه "من المهمّ لمطوِّري الألعاب أن يكونوا على اتّصالٍ ببعضهم البعض كمجموعةٍ متعاونة." دعونا إذاً نبدأ بتعزيز الروابط داخل المجتمع، بحيث يمكن لقطاع الألعاب أن ينطلق منها.
تحديث
أشار أحد منظّمي مؤتمر "مينا جايمز" إلى أنّ المؤتمر شهد صفقتَين، حيث تمّ في واحدةٍ منهما بيع لعبةٍ إلى رجل أعمالٍ إقليميٍّ طالما أراد الخوض في قطاع الألعاب الإلكترونية. ابقوا على اطّلاعٍ لمواكبتكم بتطوّرات هذه الصفقة وسواها.