هل تنهض ثورة ريادة الأعمال بالموسيقى المغمورة في البحرين؟
فرقة "آلات" التي استعرضَت في "ملجأ" في البحرين الشهر الماضي (الصورة من صفحة "ملجأ" على "فايسبوك".)
لا تنفكّ البحرين تثير الضجّة في الآونة الأخيرة. هذه الجزيرة الصغيرة القابعة في الخليج الفارسي، بشعبها المتنوّع وباتّباعها سياسياتٍ متحرّرةً تجاه الترفيه (مقارنةً بجيرانها على الأقلّ)، لطالما شكّلَت نقطةً محوريةً لمختلَف الموسيقيين. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أطلق الرياديون البحرينيون عدداً من المساحات المخصّصة للعروض الموسيقية وجمعياتٍ فنية وشركاتٍ التسجيل، وذلك مع أدوات دعمٍ مدمجة ساهمَت في دفع الساحة الموسيقية للفرق المستقلّة وغير المشهورة Underground music إلى إصدار عروضٍ أكثر وحيازتها على شهرةٍ أوسع داخل المنطقة وخارجها.
في هذا السياق، تشير إسراء الشافعي، مؤسِّسة موقع تشغيل الموسيقى "ميدإيست تيونز" Mideast Tunes، إلى أنّه "منذ عدّة سنوات كان لدينا 10 فرق موسيقيةٍ بحرينية على موقعنا، الآن لدينا 35 منها." وعن الساحة الفنية في البحرين التي تشهد زخماً مضاعفاً، قالَت إنّ "العدد المتزايد للعروض ساهم في النموّ من خلال فرَقٍ جديدةٍ [موسيقيين جدد]، ومن خلال موسيقيين ذوي مهاراتٍ متقدّمةٍ... لقد تبدّلَت الأساليب" وتنوّعَت.
"الموسيقى متجذّرةٌ في تاريخ البحرين. إنّها تسير في دم الشعب،" كما يقول أنكه براندت، مدير المشاريع في "ملجأ" Malja، المساحة الإبداعية برعاية "ريد بُل" Red Bull، التي تعتبَر واحدةٌ من المساحات الجديدة التي تساهم في تطوير الساحة الموسيقية. بدوره، يضيف المشرف الموسيقي على "ملجأ"، سارة نبيل، أنّ "الأمر الأساسيّ حالياً يكمن في تقديم الأدوات والمعرفة اللازمتَين للفنّانين لكي يطوّروا مهاراتهم."
الثقافة الموسيقية التقليدية في البحرين
يرى الشبابُ البحرينيّ، اليوم وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، الموسيقى كخيارٍ مهنيٍّ دائم؛ ولكنّ الموسيقى لطالما شكّلَت جزءاً مهمّاً من الهوية الثقافية البحرينية على مدى قرونٍ من الزمن. وفي مقابلةٍ معه عبر "سكايب" Skype، يقول منتج الموسيقى البحريني والخبير في موسيقى الشعوب، حسن حجيري، "إنّ عدداً كبيراً من الناس في البحرين يهتمّون بالموسيقى، لأنّ كثيراً من المواطنين يسافرون ويقضون وقتاً في الخارج." ويتابع مضيفاً، أنّه "لدينا الكثير من الوافدين والأجانب" من الخليج وغيرها من المناطق، الذين جلبوا معهم تقاليدهم ولا زالوا يأتون بها إلى هذه الجزيرة.
"لدينا في الخليج موسيقى خاصّة بالغوص بحثاً عن اللؤلؤ،" تُعرَف بموسيقى "الفجيري" التي نشأت أثناء البحث عن اللؤلؤ في الخليج الفارسيّ، حيث كان هذا العمل يشكّل دعامةً أساسيةً للاقتصاد قبل اكتشاف النفط، وفقاً لما يشير الحجيري.
في الفيديو أدناه نشاهد سالم العلّان، من أشهر مؤدّي "الفجيري".
في الآونة الأخيرة، تطوّرَت الموسيقى البحرينية على هذا الأساس (حيث يشير الحجيري إلى علي بحر، "بوب مارلي البحرين"، الذي استخدم إيقاعات موسيقى "الفجيري" في أغانيه)، وإلى ما هو أبعد من ذلك مع فرقة الروك ذات النمط الغربي "أوزيريس" Osiris، التي حازت على شهرةٍ واسعةٍ في سبعينات القرن الماضي وما زالت ناشطةً حتّى هذا اليوم.
أمّا في هذه الأيّام، فإنّ الشباب البحرينيّ يهتمّ بموسيقى الـ"هيب هوب" hip hop، وموسيقى الروك البديل Alternative rock، والموسيقى الإلكترونية. "لفترةٍ ليست بقصيرة، أراد الجميع أن يكون منسّقاً موسيقياً DJ،" كما يقول الحجيري ضاحكاً.
"شكّلَت البحرين سابقاً خلال عقدٍ من الزمن مركزاً لموسيقى الفرق المستقلّة وغير المشهورة underground music،" وفقاً لما تضيف الشافعي من "ميدإيست تيونز" التي قامَت بخطواتٍ جريئةٍ منذ تأسيسها عام 2010. تعتقد هذه الريادية أنّ كلّ طفرةٍ موسيقيةٍ تشهدها البحرين ليسَت بالضرورة نتيجةً لتزايد عدد الفنّانين؛ بل إنّها نتيجةٌ لمساحات الدعم الجديدة والتسجيلات الجيّدة التي يتمّ إنتاجها. وتشرح الأمر قائلةً، إنّ "العنصر الذي برز مؤخّراً على الساحة هو تزايد المساحات والأماكن المتخصّصة... أمّا [الفرق نفسها] فقد كانت موجودةً منذ عدّة سنوات."
مشاريع جديدة
إنّ "ملجأ" التي ترعاها شركة "ريد بُل"، تسعى لتزويد الفنّانين من مختلف المجالات بالأماكن والأدوات اللازمة لإنتاج الفنّ وتطوير مهاراتهم (ورشة العمل القادمة تتضمّن صفّاً عن إنتاج الموسيقى Music Production 101 مع سارة نبيل ومنتِج موسيقى "هيب هوب" البحريني "دي جي آوتلو" DJ Outlaw؛ كما استضافَت هذه المساحة ورشةَ عملٍ حول الكوميديا في الشهر الفائت). وهذه المبادرة ليست إلّا واحدة من الجهود والأنشطة الإبداعية الجديدة التي تهدف إلى تمكين الفنّانين في البحرين.
ومن هذه المساعي، نذكر "بوهو باها" Boho Baha التي تأسَّسَت عام 2011 من قبل موسيقيَّين بحرينيَّين اثنَين، بدعمٍ من وزارة الثقافة في البحرين (التي باتت تُعرَف اليوم باسم هيئة البحرين للثقافة والآثار). و"بوهو باها" هي "منصّةٌ لابتكار تجارب تسلّط الضوء على الإبداع الهائل في البحرين،" وفقاً لما يذكرون في صفحتهم على "فايسبوك". وممّا جاء في شرحهم، "نعمل مع موسيقيين وفنّانين وشخصياتٍ إبداعيةٍ من أجل إيجاد فعالياتٍ وتجارب متطوّرةٍ باستمرار."
هناك أيضاً "ميوزلاند" Museland التي تأسَّسَت عام 2009، وهي "شركة تسجيل موسيقية اجتماعية، تختصّ باكتشاف وترويج المواهب المحلّية الواعدة وتطويرها ومن ثمّ إنتاج موسيقى جيّدة للجمهور." وفيما تقدّم هذه المبادرة أيضاً مهرجان "ميوزلاند" السنوي Museland Festival، قامَت حتّى الآن بإصدار 3 ألبوماتٍ موسيقية.
إنّها ريادة الأعمال "بالضبط"
أكثر ما يثير حماسة أصحاب المصلحة في الساحة الموسيقية في البحرين، أنّ الغالبية العظمى من هذا النشاط الجديد يجري على مستوى ريادة الأعمال ضمن القاعدة الشعبية. وعن هذه المسألة تقول الشافعي، "إنّ بعض الفرق الموسيقية تبذل مجهوداً كبيراً، وتخاطر، وتستثمر من مالها الخاصّ، في سبيل بناء مسيرتها المهنية." وتضيف أنّ "تحسين الواقع والابتكار على نحوٍ مستدام هو ما يفكّر فيه كثيرٌ منّا. لا يمكنك المضيّ قدُماً في هذا المجال دون أن تكون رائد أعمال ومستعدّاً لاتّخاذ المبادرة."
بدوره، يقول الحجيري، إنّ "الرعاية الحكومية للموسيقى المحلّية ليسَت بما يكفي." فالدعم المتاح يتركّز على تعليم الأغاني القديمة في المعهد الوطني للموسيقى، وعلى "جلب الفنانين العالميين المشهورين" ليستعرضوا في البلاد بدلاً من دعم الموسيقيين المحلّيين وتمكينهم من الابتكار.
ويضيف قائلاً، إنّ "الساحة الموسيقية المحلّية يتمّ النهوض بها في الأساس من قبل مبادراتٍ خاصّة."
من فعاليةٍ لـ"ملجأ" في كانون الثاني/يناير الماضي (الصورة من صفحتهم على "فايسبوك".)
هل هو تأثير "الربيع العربي"؟
نظراً إلى مشهد الاضطرابات السياسية في البحرين، التي بدأت منذ عام 2011، هناك سؤالٌ عمّا إذا سعى الفنّانون البحرينيون إلى دمج جوانب من هذا الحراك في موسيقاهم. لم يشأ الحجيري الغوص في هذا الموضوع، فقال إنّ "الموسيقى في كلّ العالم تعبّر عن الوقت الذي تكون فيه." أمّا الشافعي، التي نفَت أن يكون الحراك الذي انطلق عام 2011 قد أدّى إلى نسوء فرَق موسيقية جديدة، فتقول إنّ "بعض الفنّانين يستخدمون [الاضطرابات السياسية] في موسيقاهم، لكنّ معظم الفرَق على ‘ميدإيست تيونز‘تنشط قبل عام 2011."
تحوّل في التفكير
هذه الزيادة في عدد الأشخاص الذين يرغبون في متابعة الموسيقى كمهنة، شكّلَت صدمةً نوعاً ما لكثيرٍ من البحرينيين اللذين يرون أنّ الموسيقى لا تعتبَر مهنة ناجحة، عل حدّ تعبير الحجيري الذي يقول، إنّ "الناس في البحرين لا يرون في الموسيقى مهنةً قابلةً للاستمرار؛ ومتابعة الموسيقى باحتراف هو أمر لا يفعله الناس."
ولكنّ العمل على دفع الناس لكي يتخلّوا عن الأفكار المسبَقة، هو أمرٌ يشكّل هدفاً للناشطين على الساحة الموسيقية في البحرين. وتتوقّع نبيل أنّه خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة، سيهتمّ الفنّانون أكثر "بأن يكونوا على الحياد فيما خصّ الدين والسياسة والتقاليد،" وأن "يتقبّل" الجمهور الأفكار "التجريبية" أكثر. وتضيف أنّ "الجميع يحافظون على حذرهم ولا يسلكون إلا المسارات الآمنة. نأمل أن نتمكّن من دفعهم إلى تحدّي أنفسهم."