5 دروس تعلّمتها من إنشاء لعبة في 30 ساعة
ستِن سيلندر من "ميديا إيفوليوشن" (السويد) يتحدّث إلى المشاركين في "أرابيك جايم جام".
عندما كنتُ طفلاً، كان لديّ هوايتان: الرسم واللعب بألعاب الفيديو. وفي المحصّلة، قادني شغفي بالفنّ البصريّ إلى دراسة تصميم الجرافيك Graphic Design في الجامعة. أمّا بالنسبة لألعاب الفيديو، فلم أعد ذاك اللاعب المتمرّس كما كنت، بل أقف على مسافةٍ واحدةٍ من الهوايتَين.
يمكنكم أن تتخيّلوا إذاً كم كنتُ متحمّساً عندما سألني صديقا الطفولة، جورج هبر وفؤاد طبش، إذا كنتُ أرغب في القيام بالعمل الفنّي للعبةٍ يعملون على تطويرها. وأخيراً اجتمع أكثر أمرَين أحبّهما سويّاً! وهذا رائع. ولكن بقي أمرٌ مهمّ: لدينا 30 ساعةً فقط للقيام بهذا العمل.
"أرابيك جايم جام" Arabic Game Jam هو ماراتون للأفكار يمتدّ على يومَين، يركّز على ابتكار ألعابٍ رقميةٍ لأسواق المناطق الناطقة باللغة العربية. وبعد ثلاث فعالياتٍ سابقةٍ له في السويد، جاء "أرابيك جايم جام" إلى بيروت كجزءٍ من مؤتمر "مينا جايمز" MENA Games Conference الذي انعقد خلال شهر آذار/مارس الماضي. وفي الرابع والعشرين من الشهر المذكور، اجتمعَت الفرَق القادمة من جميع أنحاء المنطقة (بما فيها فريقنا "جروفي أنتويد" Groovy Antoid) في مساحة العمل المشتركة "ألت سيتي" AltCity في منطقة الحمرا في بيروت، وذلك للشروع في رحلةٍ من 30 ساعةً بهدف العمل على ابتكار نموذجٍ أوّلي للعبة فيديو.
وخلال هذه الساعات الطوال، تناقشنا لنخرج بالأفكار، وشرحنا الأمور لبعضنا بعضاً، وبالطبع اجتهدنا في العمل على نموذجنا كثيراً. ولا أستطيع أن أذكر إذا كانت عين البعض قد نال منها النوم والتعب في لحظةٍ ما. وأخيراً، جاء السادس والعشرون من شهر آذار، اليوم الأوّل من "مينا جايمز"، حيث عرضنا نموذجنا الأوّليّ أمام لجنة تحكيمٍ من الخبراء، ومن ثمّ انتظرنا النتائج بفارغ الصبر.
لم نفُزْ في هذه المسابقة، ولكن قد أكون كاذباً إذا قلتُ إنّني لم أتعلّم شيئاً منها. فبالرغم من أنّني لم أقارع الوحش في هذه المعركة، إلّا أنّني حصلتُ على بعض النقاط الإضافية منها. وبلغةٍ غير تلك التي يستخدمها اللاعبون، أقول: لقد تعلّمتُ الكثير من الأمور، وهاكم خمسة منها!
1. النقد هو صديقك الصدوق
الخبراء يراجعون أعمال المشاركين ويقدّمون لهم التوصيات.
في ظلّ غياب أيّ نقدٍ حقيقي، تبدو كلّ فكرةٍ من ذهب ويبدو الجميع عبقريّاً. ولكنّ الحال ليست كذلك. فعندما يأتي أحدهم بفكرةٍ سيّئة يجب أن تدعو أعضاء الفريق لتجنّبها، وإلّا سيتمّ تخريب الفريق بأكمله.
لحسن الحظّ، كان لديّ وزملائي القدرة على إسقاط أيّ فكرةٍ أو عنصرٍ من فكرة لا ترتقي إلى معاييرنا. فلا يلبث أن يطرح أحدهم فكرةً ما، حتّى نقدّم له انطباعاتنا الأوّلية عنها. وفي بعض الأحيان كان يتمّ الأمر في لحظةٍ، وفي أخرى كان هناك ما يستحقّ التوقّف عنده واكتشافه.
وبعدما استقرّينا على فكرتنا أخيراً، لم يكن من تعليقات الخبراء واقتراحاتهم التي لقي بعضها صدى عندنا، إلّا أن جعلتنا نعيد التفكير في بعض جوانب لعبتنا التي عملنا عليها، بهدف تحسينها على المدى الطويل.
وكمثالٍ على هذا، أذكر زياد فغالي من "ويكسل ستوديوز" ًWixel Studios، الذي قال إنّه يمكن للعبتنا أن تستعمل طريقةً أكثر إلحاحاً، واقترح أن يتمّ إضافة شيءٍ فيها يعمل على ملاحقة الشخصية الرئيسية في اللعبة. لم ننفّذ هذا الاقتراح، ولكنّه ساعدنا في إيجاد آليةٍ للّعبة يمكن لها أن تؤثّر على سرعة الشخصية الرئيسية فيها. وبهذا نكون قد تعلّمنا درساً آخر، وهو أنّ التقيّد بالتوصيات لا ينبغي أن يكون دائماً بالمعنى الحرفيّ.
2. اللعبة هي كلّ شيء
مشاركٌ في المسابقة يرسم الأفكار الأوّلية للعبته.
إليكم هذا: اللعبة التي فازَت بالمرتبة الأولى هي لعبة بازل Puzzle بدائية، يعمل اللعاب فيها على توصيل قطعٍ متشابكةٍ للحصول على شكلٍ مغلق. وعلى الرغم من احتوائها على صورٍ بسيطةٍ فقط من دون أي نغماتٍ ترافقها، تسمّرَت عيون الحاضرين في القاعة تراقب اثنَين من الحكّام وهما يحولان حلّ لغز هذه اللعبة. إنّها لعبةٌ جيّدة حقّاً.
وفي وقتٍ تخضع معايير اللعبة الجيّدة للنقاش دوماً، إلّا أنّ اللعبة الجيدة في المجمل يجب أن تكون مسلّيةً وتنافسيةً باستمرار (تبدأ سهلةً وتصعب تدريجياً)، ويجب أن تكون قابلةً للّعب بأقلّ قدرٍ من الشرح ومشاركةٍ من مبتكِرِها؛ يجب أن يكون اللعاب قادراً على استخلاص كلّ ما يجب معرفته من خلال البدء في اللعب وحسب.
أمّا الصوَر البرّاقة والمؤثّرات الصوتية التي قد تجعل اللعبة أكثر لفتاً للنظر أو للانتباه، فهي مجرّد واجهةٍ. بحيث إذا شعر اللاعب بالملل والتشويش، تكون اللعبة انتهَت Game Over!
3. لعبةٌ عربية = لعبة صمّمها شخصٌ عربي
صورة من لعبتنا "براين" Brane.
عندما يسمع الناس كلمة "لعبة عربية"، يتصوّرون أمامهم لعبةً لا توصف، باستثناء الشخصية الرئيسية التي يرتدي الطربوش وهي تقف أمام الأهرامات أو برج خليفة. ليس بالضروريّ أن تكون اللعبة هكذا.
أيّ لعبةٍ يتمّ إنشاؤها من قبَل مطوّرٍ أو فريقٍ عربيٍّ، هي لعبةٌ عربية. ولا يجب أن يكون مظهرها أو صوتها أو تشغيلها ضمن أيّ شكلٍ محدّدٍ مسبقاً لكي تنال تلك التسمية. فطالما أنّ اللعبة تعكس معتقداتك الشخصية وثقافتك ومنظورك كفردٍ عربي، سوف يغلب الجانب العربي في بنية اللعبة نفسها، بدلاً من العمل على ذلك بعدما يتمّ إطلاقها.
رامي إسماعيل، هو مطوّر ألعاب والشريك المؤسِّس في "فلامبير" Vlambeer، حضر مؤتمر "مينا جايمز" كمتحدّثٍ وكحكمٍ في "أرابيك جايم جام". وهذا الخبير المسلم الذي يمتلك أصولاً مصريةً أيضاً، قال لنا إنّ الألعاب التي تنتجها شركته لديها بعض الصفات الإسلامية، ولا يعني ذلك أنّها تتمحور حول مواضيع دينية، بل إنّها مثلاً لا تضمّ منتَجاتٍ كحولية. الأمر بسيطٌ.
4. لا أحد يحبّ الهراء
فريقنا يعرض لعبته.
بعد حفل توزيع الجوائز، أدلى لنا إسماعيل بأفكاره عن كلّ لعبةٍ. وبالنسبة للعبتنا، قال إنّ المشكلة التي واجهناها تكمن في أننّا عرضنا لعبتنا بشكلٍ ما في البداية، وبدَت بشكلٍ مختلفٍ تماماٍ في نهاية المطاف (بعد التفكير في الأمر أظنّ أنّه محقّ). أنشأنا لعبةً قائمةً على النقر، ولكنّنا حوالنا إضفاء بعض الجاذبية عليها من خلال تقديمها على أنّها تعبيرٌ عن القضايا العميقة. فكرةٌ سيئة!
الدرس المستفاد هنا، هو أن تعرض فكرتك بصراحة. اشرحْ بالضبط ما هي لعبتك ومن ثمّ اصمُتْ. لا، إنّ استنساخك للعبة "باك مان" Pac-Man لن يعمل على التوعية حول الوضع في غزّة، ولن يكون بمثابة تعبيرٍ عن شغف الإنسانية بالمعرفة الذي لا ينتهي، ولا حتّى أيّ شيءٍ آخر. لن يكون لك ذلك قبل أن تضمّن رسالتك في الجينات الأساسية للّعبة.
5. منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتقدّم
صورة للمشاركين في "أرابيك جايم جام" في ختام الفعالية في "ألت سيتي".
الأمر الأخير الذي تعلّمتُه من "أرابيك جايم جام" ومن مؤتمر "مينا جايمز"، هو أنّه يجب عدم فقدان الثقة في قطاع صناعة الألعاب الرقمية في المنطقة، لأنّ هناك أموراً كثيرةً بالانتظار.
إذا كنتَ شغوفاً بالألعاب الرقمية وتريد دخول هذا القطاع، من السهل أن تفكّر أنّك من ضمن الأقلّية التي لن يهتمّ أحدٌ لما تقوم به ولا حتّى لدعمها، وأنّ الشركات في هذا المجال موجودةٌ ولكنّها نادرة، لمَ العناء إذاً؟
ولكن في المقابل، إذا كان هذان المؤتمران قد أثبتا شيئاً ما، فهو أنّه يوجد في المنطقة أشخاصٌ شغوفون من ذوي الأفكار المشتركة، مطوّرون وفنّانون وروّاد أعمال، يستعدّون للعمل سويّاً من أجل النهوض بهذا النوع من الفنّ، قطاع ألعاب الفيديو الرقمية.
من جهته، وفي إطار الحديث عن لبنان، عبّر وزير الاتّصالات اللبناني بطرس حرب خلال كلمته الافتتاحية، عن وجود اهتمامٍ فعليٍّ بتعزيز المواهب المحلّية وتطويرها، وبجعل لبنان قوّةً هائلةً في مجال صناعة الألعاب الرقمية في المنطقة وربّما في العالم. "لقد قبلتُ التحدّي" الذي وضعه العديد من اللبنانيين الذين يعملون على تطوير هذا القطاع، على حدّ تعبير حرب. لقد انطلقَت اللعبة معاليكم.