هل تنقلنا الحاجات المتجدّدة في المنطقة إلى استخدام عملة ‘بيتكوين‘؟
(الصورة من bitcoin.org)
خلال السنوات الأخيرة، شهدَت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اهتماماً متزايداً بالعملة الرقمية "بيتكوين" bitcoin، والرغم من أنّه ما زال خجولاً بعض الشيء. إذ في حين يمكننا أن نجد بعض المتاجر على غرار "ذي بيتزا غايز" The Pizza Guys في دبي و"ترتل غرين بار" Turtle Green Bar في عمّان توافق على الدفع بالبيتكوين، إلّا أنّ الاهتمام الأكبر يأتي من روّاد الأعمال فيما يخصّ التعاملات المالية بمختلف أشكالها على الشبكة العنكبوتية، بالإضافة إلى تنظيم العديد من الفعاليات واللقاءات (bitcoin meetups) من أجل مناقشة هذه العملة.
وفي محاولةٍ لرصد الاهتمام بهذه العملة الرقمية وأسبابه وتحديد واقع الحال في المنطقة العربية، التقينا ثلاثة روّاد أعمالٍ ناشطين في هذا المجال: دافيد الأشقر، مؤسِّس بوابة الدفع "يلو باي" YellowPay في لبنان وفيغناش بيثورجا، مدير تطوير الاستراتيجية في منصّة تبادل الـ"بيتكوين" "آي غوت" iGot في دبي، وفؤاد جريس، المؤسِّس الشريك لخدمة الدفع "كاش باشا" CashBasha وأحد منظّمي "بيتكوين ميتاب، عمّان".
قبل الغوص في التفاصيل، لا بدّ من تذكيرٍ بسيطٍ عن الـ"بيتكوين". وفي هذا الصدد، يخبرنا الأشقر أنّ "‘البيتكوين‘ عملةٌ رقميةٌ جديدةٌ، ونظامُ دفعٍ مفتوحٌ ومتوفّرٌ لكلّ مَن لديه إنترنت في كلّ أنحاء العالم. وتتميّز هذه العملة بأنّها سريعةٌ ومجّانية وكأنّك تُرسِل بريداً الكترونياً، بالإضافة الى أنّها تكنولوجيا لا مركزية، أي أنّها غير مملوكةٍ أو مُدارةٍ من قبل أيّ منظّمةٍ أو مصرفٍ مركزيّ." كما يشرح لنا الأشقر الفرقَ بين التعامل بالـ"بيتكوين" وتعدينها قائلاً: "يتعامل المستخدم العاديّ مع الـ‘بيتكوين‘ على أنّها عملةٌ كأيّ عملةٍ أخرى تخوّله البيع والشراء، على غرار الدرهم الإماراتيّ الذي يسمح لك بشراء المنتجات أو الاستثمار فيه. أما تعدين البيتكوين، فهو مفهومٌ تقنيٌّ يركّز على كيفية عمل البيتكوين في الخلفية، حيث يوجد أفرادٌ يملكون حاسوباً قوياً لتشغيل خوارزمية الـ‘بيتكوين‘. وهذه العملية تُعتَبَر كحافزٍ لتأمين الشبكة."
ويضيف الأشقر أنّ أيّاً كان يستطيع القيام بذلك، حيث يشرح أنّه يمكنك أن "تتّصل بحاسوبٍ وتحمّل رمز الـ‘بيتكون‘ وتشغّل الخوارزمية وتبدأ التعدين، أي معالجة المعاملات والتحقّق منها والتأكّد من تأمين الشبكة. وبالتالي، فإنّ جهاز الكمبيوتر الخاصّ بك سيُمنح ‘بيتكوين‘ بشكلٍ عشوائي. ولكن عملياً، ليس الأمر بسهل، لأنّك تحتاج إلى المهارات التقنية وإلى آلةٍ قويّةٍ جداً لأنّ الحاسوب العاديّ لا يستطيع تنفيذ المهمّة."
ما هو واقع الحال اليوم؟
يؤكّد لنا جريس أنّه لا يستطيع أن يخصّ بالذكر استعمالاً معيّناً للـ"بيتكوين" في المنطقة حالياً، إذ يقول: "تُقبَل العملة لدى بعض التجّار والمطاعم في المنطقة، إلّا أنّ النشاط ما زال في مراحله الأولى." ولكن خلال العام الماضي، بدأنا نشهد عدداً متزايداً من منصّات تبادل الـ"بيتكوين" وبوّابات الدفع والمحفظات المتعدّدة وخدماتٍ أخرى، باتَت متوفرةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على حدّ قوله. "هذا نذير خير، ولكن ما زلنا متأخّرين."
أما دايفيد الأشقر، الذي أطلق بوّابة الدفع نهاية عام 2014 التي باتَت متوفّرةً في لبنان والأردن ودبي، فيتّفق مع جريس قائلاً، "نرى بعض النشاط في الكويت، إلّا أنّه ضئيلٌ. وبدأنا نرى اهتماماً في المملكة العربية السعودية وتونس ومصر، غير أنّ الأسواق الرئيسية في المنطقة حتّى الآن، هي الأردن ولبنان ودبي." وبالنسبة له، يُعزى سبب هذا التأخرّ إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط لم تكن يوماً الأسرع في اعتماد التكنولوجيا الجديدة، بالإضافة إلى غياب الوعي. ويضيف أنّ "القليل من الناس يعرفون عن الـ‘بيتكون‘."
وفي محاولةٍ لإيجاد حلّ لذلك، تُعقَد الكثير من الفعاليات والنقاشات والاجتماعات وتحديداً "الميتابس" meetups. ويخبرنا الأشقر الذي ينظّم "بيروت بيتكوين ميتاب" Beirut Bitcoin Meetup، أنّ هذه اللقاءات الاجتماعية تشكّل مساحةً للأشخاص المهتمّين بالـ"بيتكوين" ليلتقوا ويتناقشوا. ويضيف أنّ "كلّ فعاليةٍ تختلف عن الأخرى، فأحياناً ننظّم طاولات الحوار والنقاشات، وأحياناً يقدمّ أحدهم عرضاً عن الـ‘بيتكوين‘." ويبقى الهدف، بحسب الأشقر، "زيادة الاهتمام وتوفير فرصةٍ لجمع هؤلاء الأشخاص." ويقول إنّه، حتّى الآن، نظّم 3 اجتماعاتٍ جذبَت في الاجتماعين الأوّلين 60 الى 70 شخصاً، مشدِّداً على أنّ "ميتاب دبي" تجذب من 20 إلى 30 شخصاً في كلّ مرة؛ قد يبدو هذا العدد ضئيلاً، لكنّ الأشقر يفسّر هذا الأمر أنّه بسبب عقد الاجتماعات بشكل منتظمٍ.
ومن ناحيته، يخبرنا جريس أنّ هذه اللقاءات أطلقتها مجموعةٌ من المهتمّين بالـ"بيتكوين" في عمّان، اجتمعوا بانتظامٍ لمناقشة أفكارٍ مختلفةٍ وفرص ومشاريع حول الـ"بيتكوين" في المنطقة العربية. ويضيف أنّه "في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، عندما ارتفع سعر الـ‘بيتكوين‘ وبدأت وسائل الإعلام تهتمّ بالعملة الرقمية، قرّرَت المجموعةُ تنظيمَ جلساتٍ مفتوحة أوسع حول الموضوع، من أجل زيادة الاهتمام وتبديد كلّ الأفكار الخاطئة." وتفاجأ جريس والمنظمون وقتها أنّ 80 شخصاً حضروا الاجتماع الأوّل بسبب الفضول. كما نظّموا فعالياتٍ أخرى بالتعاون مع فعاليات التكنولوجيا المعروفة والشهيرة، على غرار "عمّان تك تيوزدايز" Amman TT و"ذي روتاري" The Rotary.
اهتمامٌ متزايد، والسبب؟
على الرغم من الاهتمام الخجول بالـ"بيتكوين"، نجد شركاتٍ عالميةً على غرار "آي غوت"، التي تأسست في أستراليا عام 2013، تهتمّ بالتوسّع في المنطقة بعد أن كانت قد عزّزت وجودها في آسيا وأوروبا. ويقول فانغيش بيثوراجا إنّ "اقتصاد الإمارات العربية المتّحدة نشيطٌ جدّاً، وتعتبر الإمارات بوّابةً بين الأسواق الناشئة والمتطوّرة. بالإضافة الى ذلك، نرى أنّ الحكومة الإماراتية تتمتّع برؤيةٍ واضحة، كما نؤمن أنّ الإمارات ستكون واجهة الابتكار في المستقبل القريب. ولهذا السبب، قرّرنا التوسّع في المنطقة." وقد بدأت "آي غوت" بتوفير التبادل بالـ"بيتكوين" وتقديم الحلول للتجارة الإلكترونية.
أمّا الأشقر، فيعتبر أن الـ"بيتكوين" توفّر حلّاً للكثير من المشاكل التي نواجهها في المنطقة وكلّ أنحاء العالم. ويضيف أنّه "حالياً، إذا كنتَ تملك المال وتريد إرساله أو شراءه، فخياراتك محدودةٌ ومكلفةٌ وغير عملية وتحتاج إلى بضعة أيّام. ولكن حالما تبدأ باستعمال الـ‘بيتكوين‘، ستكتشف أنّها قويةٌ وبسيطةٌ جدّاً. فبفضل تطبيقٍ ما على هاتفك المحمول، يمكنك إرسال سنتاً واحداً أو 10 آلاف دولارٍ بنقرةٍ واحدة، إلى أيّ مكانٍ في العالم ومن دون أيّ تكلفة."
(الصورة من bitcoin.org)
أيّ قطاعات؟
قد تبدو فوائد العملة الرقمية كثيرة، كذلك القطاعات التي يمكن استخدامها والاستفادة منها أيضاً.
1. توسّع التجارة الاكترونية. اتّفق خبراؤنا الثلاثة على أهمّية الـ"بيتكوين" في تبادلات التجارة الالكترونية. إذ يشدّد الأشقر على أنّ "85% من التعاملات تعتمد على ‘الدفع عند التسليم‘ COD، ممّا يشكّل مشكلةً كبيرةً للتجّار تبدأ من التعامل مع ردّ البضائع المفرِط والتأخّر في الدفع وتكاليف شحنٍ مرتفعة، بالإضافة إلى أنّها مشكلةٌ للزبائن الذين يجب أن يكونوا حاضرين عند التسليم وللشركات اللوجستية التي يجدر بها التعامل مع الأموال نقداً. ولذلك، فالـ‘بيتكوين‘ هي الحلّ." وبدوره، يشدّد جريس على "أنّ الـ‘بيتكوين‘ قد تغيّر اللعبة كلياً،" وأنّ الـ"بيتكوين" هي الحلّ الأنسب لمشاكل "الدفع عند التسليم." أمّا بيثوراجا، فيضيف أنّ هذه العملة الافتراضية كوسيلةٍ للدفع، قد توفّر العديد من الحسنات للتجّار كرسوم تبادل متدنّية جدّاً إضافةً لغياب الأعباء المترتّبة عنها. ويضيف أنّ"‘آي غوت‘ توفّر فرصة تحويل الـ‘بيتكوين‘ إلى نقدٍ مباشرةً، لئلّا يقلق التجار حيال تقلّبات الأسعار."
2. حلٌّ لمشكلة المصارف. نظراً إلى أنّ نحو 70 إلى 80% من الأفراد في المنطقة لا يملكون حساباً مصرفياً، تشكّل الـ"بيتكوين" فرصةً "للنفاذ إلى خدماتٍ ماليةٍ آمنة، بفضل أجهزةٍ متّصلةٍ بالإنترنت"، على حدّ قول جريس. ويرى الأشقر أنّه "حتّى لو كنتَ تملكُ أفضل نظام بطاقاتٍ ائتمانية في الشرق الأوسط، إلّا أنّ 80% من الأفراد لا يستطيعون استخدامه." وينبغي أن لا ننسى أنّ نحو 90% من الأفراد يملكون هواتف ذكية، ممّا يجعل الـ"بيتكون" "طريقة دفعٍ قويةً ورقميةً وعالميةً، قد تغيّر مجتمعنا بشكلٍ أساسيّ."
3. التحويلات المالية. قد يكون هذا المجال هو الأفضل الذي تستخدم فيه الـ"بيتكوين"، على حدّ قول الأشقر وجريس وبيثورجا، لاسيّما أنّ منطقة الشرق الأوسط تُعتَبَر أكبر سوقٍ للتحويلات المالية الخارجة والداخلة. ويقول الأشقر إنّ "لبنان بلدٌ حيث يعيش الكثير من أفراد العائلة في الخارج ويرسلون الأموال لعائلاتهم، من دون أن ننسى الجالية الآسيوية التي تعيش في الشرق الأوسط وترسل الأموال الى أوطانها." وبالتالي، "توفّر الـ‘بيتكوين‘ وسليةً لتحويل الأموال بطريقةٍ سريعةٍ ورخيصة، ممّا سيجعلها محطّ اهتمام العمّال ذوي الدخل الضئيل والمتوسّط بشكلٍ عام."
باختصار، كثيرةٌ هي القطاعات التي قد تستفيد من التعامل بالـ"بيتكوين". فأينما نستخدم الأموال النقدية أو بطاقات الائتمان، نستطيع استخدام هذه العملة الإلكترونية. حتّى أنّ "آي غوت" بدأت تقدّم خدماتها للمنظّمات غير الحكومية، حيث يمكن للأشخاص الذين يريدون التبرّع بالأموال للمنظمات تحويل المال من دون أيّ كلفة.
أيّ مستقبل؟
التفاؤل بأن تصبح الـ"بيتكوين" عملةً متداولةً بشكلٍ كبيرٍ، هو الشعور الذي يتشاركه روّاد الأعمال الثلاثة الذين تحدّثنا معهم. ويتحدّث الأشقر وبيثورجا عن "أم- بيزا" m-pesa في كينيا كمثالٍ، حيث أثبتَت أنّه يمكن في بلدٍ فقيرٍ الانتقالُ كليّاً إلى نظام الدفع الرقميّ؛ أمرٌ يعتبرانه ممكناً في الشرق الأوسط وفي كلّ العالم. وبدوره، توقّع الأشقر أن تصبح الـ"بيتكوين" مستخدمةً في الحياة اليومية خلال عامٍ أو اثنين.
ومن جهته، اعتبر بيثورجا أنّ الـ"بيتكون" هي تقنيةٌ حديثةٌ نسبياً في السوق العالمية بالإجمال، وليس في الشرق الأوسط فحسب. وبالتالي، من المنطقيّ ألّا يعرف الناس الكثير عنها، إلّا أنّها أحدثَت تأثيراً في الأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة، ولا شكّ أنّ منطقة الشرق الأوسط "ستلحق بالقطار قريباً."