لبنان يسعى لجعل الطريق إلى التمويل سالكةً أمام الشركات الناشئة
يبدو أنّ الأمور تتّغيّر لناحية العمل على إتاحة التمويل للشركات الناشئة اللبنانية، ولكن للأفضل؟
قمنا الأسبوع الماضي بتغطية التوقيع على صفقةٍ بين البنك الدوليّ ووزارة الاتّصالات اللبنانية بلغَت قيمتها 6,4 مليون دولار أميركيّ، وهي تأتي كقرضٍ لإطلاق منظّمةٍ غير حكوميةٍ تحمل اسم "مركز الإنترنت النقّال" Mobile Internet Hub (MIHub) وتهدف لدعم تدريب الشباب الذين يسعون لتأسيس شركاتٍ تقنيةٍ ناشئة. وكجزءٍ من مشروعٍ أكبر بقيمة 12,8 مليون دولار، مشروع "النظام البيئيّ للإنترنت النقّال" The Mobile Internet Ecosystem project (MIEP) الذي يهدف لتوسيع البيئة الحاضنة للأعمال التقنية في لبنان، فهذا الأمر ليس إلّا خطوةً واحدةً من الخطوات التي تُتَّخذ من أجل تأمين التمويل اللازم لهذا القطاع.
من جهةٍ ثانية، وضمن التعميم الأساسي المعدّل رقم 331 الذي أصدره مصرف لبنان كمبادرةٍ لتخفيف مخاطر الاستثمارات التي تقوم بها المصارف الخاصّة في الشركات الناشئة [يضمن المصرف ما يصل إلى 75% من قيمة الاستثمار بالأسهم التي تقوم بها المصارف الخاصّة في الشركات الناشئة أو صناديق الاستثمار المخاطر]، تمّ تأمين 400 مليون دولار لتمويل المشاريع الجديدة.
تمّ وضع هذه السياسة الاستثمارية من قبل مصرف لبنان، في آب/أغسطس 2014 (بعد الإعلان عنها قبل سنةٍ سابقاً)، وذلك في وقتٍ كان الكثير من المصارف يركّز القروض على الشركات كبيرة الحجم أو يتوجّه معظمها إلى صناديق رأس المال المخاطر، ممّا جعل المصارف الخاصّة تُرى على أنّها تمانع الاستثمار مباشرةً في الشركات الناشئة.
ولمحاربة هذا النقص في الإيمان بالشركات الصغيرة، أعلن البنك الدوليّ عن قرضٍ في شهر شباط/فبراير أيضاً، عن قرضٍ بقيمة 30 مليون دولار مخصّصٍ للشركات الناشئة في مرحلة التأسيس وفي مرحلة النموّ. هذا الصندوق الدولي لتمويل لشركات الصغيرة والمتوسّطة iSME fund الذي ستتمّ إدارته من قبل "كفالات" Kafalat لكفالة القروض، سيحصل على 25 مليون دولارٍ للاستثمارات و2,5 مليوناً لتقديم منح للتنمية بحيث يحصل الواحد من روّاد الأعمال على 15 ألف دولار.
وبالرغم من توقيع هذا القرض الذي يبلغ 30 مليون دولار عام 2013، لم يصدّق مجلس النوّاب عليه إلّا مؤخّراً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014. وبفترة سماحٍ تمتدّ لستّ سنوات، فإنّ هذا القرض الميسّر على 17 سنةً سيساعد الشركات الناشئة التي تبحث عن مستثمرٍ سواء كان شخصاً أو شركة رأس مال مخاطر، حيث بعد العثور على مستثمرٍ تذهب الشركة الناشئة إلى "كفالات" التي ستعمل على مطابقة المال المستثمَر.
في غضون ذلك، أعلنَت "وكالة التنمية الأميركية" USAid عن برنامجٍ بقيمة 15 مليون دولار مع حاضنة ومسرّعة الأعمال في بيروت، "بيريتك" Berytech، حيث من المقرّر أن يعلن عنه رسمياً في نهاية الشهر الجاري. وكجزءٍ من مبادرتهم الاستثمارية التي أُطلقَت عام 2014 وتستهدف 7 بلدانٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيتمّ تقسيم الأموال على خمس سنوات، بحيث يتمّ مطابقة المستثمرين للشركات في المرحلة المبكرة وكذلك للبيئة الحاضنة ككلّ.
ولكن رغم كلّ هذا، لا يزال الشكّ سيّد الموقف. فالمسألة لا تكمن في توقّف العمل في "مركز الإنترنت النقّال" MIHub في حال لم يعد في لبنان حكومةً وحسب، بل في أين ستذهب هذه الأموال بالضبط.
"هل سيتمّ الاستثمار في الشركات في المرحلة الأولى أم سيتمّ التوجّه إلى شركات رأس المال المخاطر وينتهي الأمر بتمويل الشركات في مرحلة النموّ؟" بحسب ما تسأل أستاذة الإدارة وريادة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة بيتينا باستيون. وفي حين تقول الدكتورة إنّ هذه الزيادة في توفّر التمويل خبرٌ ممتاز للغاية، إلّا أنّها تلفتُ النظر إلى مسألة إغلاق الثغرة المرتبطة بالشركات الناشئة في مراحلها الأولى.
في وقتٍ تقول "وكالة التنمية الأميركية" إنّها تسعى لتمويل أيّ نوعٍ من الشركات الناشئة وليس فقط تلك التي تختصّ بتكنولوجيا الاتّصالات والمعلومات، وفي الوقت ذاته الذي تتوجّه فيه "كفالات" لإصدار "منَح لمفهوم التنمية" Concept-Development Grants لمساعدة الشركات الناشئة على تنمية أفكارها، لا يعدو الأمر كونه مسألة وقتٍ حتّى تتكشّف أمامنا أين ستصبح البيئة الحاضنة المتنامية للأعمال في لبنان.