عشرة أمور تعلّمها روّاد المنطقة لتجنّب نفاد أموالهم
الصورة من smartwealthplanner.com (رابط)
كما جرت العادة نهاية كلّ عام، فإنّنا نجمع ونراجع أبرز قصص العام الماضي وتطوراته. وبالنسبة لعام 2014، فهو انتهى بفصلٍ أخيرٍ ناجحٍ للبيئة الحاضنة لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع صفقتَي حيازة "كوبون" Cobone و"شهية" Shahiya، ومع جولة استثمارٍ بقيمة مليونَي دولارٍ أميركيٍّ لـ"أرابيا ويزر" ArabiaWeather، إضافةً لاستحواذ "كريم" Careem على "عنواني" Enwani.
ومع انطلاق العام الجديد، سنلقي نظرةً على العقبات التي واجهها بعض أبرز روّاد الأعمال في المنطقة خلال العام المنصرم، وكيف تغلّبوا عليها (وأبرزهم روّاد الأعمال الخارقين في غزة الذين خصّصنا لهم قسماً في نهاية المقال).
بعد استطلاع الشركات الناشئة التي في شبكاتنا، تبيّن أنّ التدفّق النقدي كان أحد أبرز التحدّيات التي واجهها روّاد المنطقة.
ويقول جليل اللبدي من الشركة الناشئة الإلكترونية المعنية بالصحّة "الطبي" Altibbi، "إنّ الوحش الذي واجهناه هذا العام تمثّل في العمل على المحافظة على تدفّقٍ نقديٍّ إيجابيّ. غالباً ما كنّا نخشى ألّا يكون لدينا ما يكفي من النقد لكي نصمد طوال الشهر." قبل عام 2014، كانت "الطبي" تستخدم مالها الخاصّ لتسيير عمليّاتها، لكنّ ذلك المخزون لم يدُمْ طويلاً. ومع أنّ الشركة حظيت باهتمام المستثمرين، إلاّ أنّ المسائل البيروقراطية أخّرت إبرامها صفقة الاستثمار.
أمّا التحدّي الذي واجهه مؤسِّس "زومال" Zoomal ورئيسها التنفيذي عبد الله عبسي، فأطلّ برأسه القبيح فيما كانت الشركة الناشئة تبحث عن الاستثمار. وعن هذا المر يقول عبسي، "كنتُ أبحث عن جولةٍ أولى من الاستثمار للشركة، وكان الوقت المتاح أمامنا بالكاد يصل لشهرَين. وبانتهاء تلك الفترة، لم نكن قد حصلنا بعد على ما يكفي من الالتزامات من المستثمِرين لاختتام الجولة التمويلية."
ومن أجل أن يحافظ عبسي على سيرورة عمل الشركة، اضطرّ لأن يلجأ إلى مّدخراته الخاصّة. ولكن عبسي الذي كان معتاداً على التفكير بسرعة، راودته عندئذٍ فكرة التماس المساعدة من كبار المموّلين على "زومال" (الذين سبق لهم أن استثمروا أكثر من 500 دولار) مقدِّماً لهم فرصة الاستثمار في المنصّة بحدّ ذاتها. ويشرح قائلاً، "من الواضح أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا يستخدمون ‘زومال‘ ويؤمنون بها ويملكون ما يكفي من المال للاستثمار، ونجح ذلك تماماً. أرسلتُ رسائل إلكترونيةً شخصيةً وحصلتُ على عشرة ردودٍ من مموِّلين، أقدَمَ ثلاثةٌ منهم على استثمار ما قيمته 50 ألف دولار للاستثمار الواحد." ولكن كيف تستمرّ في العمل إذا لم تبحث عن استثمار؟
يقول زيدون كرادشة، مؤسِّس "ميديا بلاس الأردن" Media Plus Jordan و "سكيتش إن موشن" Sketch in Motion و "بي لابز" Bee Labs، إنّ من دون المخاطرة ثمّة مجال محدود للنمو. ويتابع شارحاً، "نحن ننفق المال من شركاتنا أو من استثمارنا الخاص. لم نبحث عن استثمارٍ ولم نحصل عليه، لذا كان هذا التحدي الأكبر الذي واجهناه. إنّ المال الذي تجنيه هذه الشركات يساعدنا على إدارة الشركة الناشئة، فهذه الشركات مشاريع مدرّة للأموال."
ويضيف أنّ "المال الإضافيّ الذي تجنيه الشركات هو سبيلنا لاعتماد سياسة الحدّ من النفقات والاستفادة من الموارد bootstrapping." وإذا ما اعتبرنا الأمر استثماراً داخلياً، فقد يعتبره البعض أمراً محفوفاً بالمخاطر بما أنّه لا يمكن ضمان العائدات من استثمار أموالهم مباشرةً في الشركة الناشئة، ولكنّها الطريقة الأفضل التي يمكن اختبارها. وللقيام بذلك، أعَدّ الفريقُ نظاماً قائماً على مراحل لقياس ما ينجح وما لا ينجح بشكلٍ فعّال.
إذا كنتَ تعتقد أنّ هذا العام كان عاماً جنونياً لك، فيبدو أنّك ستحب القراءة عن "رودي تيونر" Roadie Tuner. لقد تضمّن عامها حملةً على "كيك ستارتر" Kickstarter، ومن ثمّ نقْل عمليّاتها إلى الصين والتصنيع والشحن إلى أكثر من 55 بلداً. ويقول أحد المؤسِّسين، بسّام جلغا شارحاً، "بعد ذلك دخلنا ما اصطلحنا على تسميته "جسر الموت" bridge of death. إنّها مرحلة تمثّل انتقالنا من ‘طلبات الشراء المسبقة‘ pre-order إلى ‘الطلبات‘ order. استخدمنا معظم المال الذي حصلنا عليه من التمويل الجماعيّ لتصنيع وشحن الدفعة الأولى من إنتاجنا، وكان علينا أن نحافظ على تدفّقٍ نقديٍّ إيجابيٍّ فيما نعمل على دفعة الإنتاج الثانية ونحسّن الطلبات والتوزيع. بالنسبة إلى شركةٍ تعتمد على سياسة الحدّ من النفقات والاستفادة من الموارد، يمكن لذلك أن ينجحها أو يُفشلها."
الدروس المكتسبة:
- بصورةٍ رسمية، ابدأ جمع التمويل مبكراً: ابدأ قبل ستّة أشهر على الأقلّ من نفاد مالك.
- بشكلٍ غير رسميّ، "عليك أن تعمل دائماً للحصول على التمويل"، بحسب عبسي.
- اعمل على إبقاء فاصلٍ زمنيّ: "خططنا لشؤوننا المالية بطريقة نبقي فيها فاصلاً زمنياً يسمح لنا بالصمود إلى أن يرتفع الطلب مجدّداً،" وفقاً لبسّام جلغا من "رودي تيونر".
- انتبه جدّاً لنفقاتك. "اضطررنا للحدّ من جزءٍ كبيرٍ من نفقاتنا مع العمل على زيادة الإنتاجية في الوقت عينه. أنا لا أقول إنّ ذلك أمراً سلبياً، بل أعتقد أنّه درسٌ بالغ الأهمية بيّن لنا أنّه بإمكاننا التخلّي عن أشياء كثيرة كنّا نعتقد أنّنا بحاجةٍ ماسّةٍ إليها. ومع ذلك استثمرنا المال في توظيف الأشخاص المناسبين، لكنّنا أصبحنا أكثر براعة في ذلك،" حسب ما يقول اللبدي من "الطبي".
- ضع الصيغة النهائية للالتزامات المالية في أقرب وقتٍ ممكن، فمن المحتمل أن يستجيب المستثمرون أكثر عندما يرون أن مستثمرين آخرين مهتمّون أيضاً بشركتك.
- كُنْ خلاّقاً في طريقة جمع المال. "إنّ المال الذي تريده قد لا يكون بحوزة أشهر أصحاب رأس المال المُخاطر في المنطقة. إذ يمكن أن يأتي من عملاء مباشرين أو شركات اتّصالاتٍ محلية، إلخ.." بحسب عبسي من "زومال".
- إنّ نموذج عملك ليس محفوراً في الصخر، بل يمكن تعديله. "لقد غيّرنا نموذج عملنا للحصول على المال النقديّ مباشرةً من المستخدِمين، وحصلنا على التمويل وتوصّلنا إلى اتّفاقٍ مع مصرفٍ لنحصل على تسهيلات مالية تضمن صمودنا في الأشهر الصعبة. كما حصلنا على المزيد من المال من الإعلانات، فيما استمرّ عدد زوّار المنصّة في الارتفاع، وساعدنا ذلك على ضمان استدامة عملنا إلى أن حصلنا على الاستثمار،" كما يضيف اللبدي.
- كن مرِناً. "كان هذا العام صعباً بشكلٍ عام للمنطقة ككل (سياسياً). وذلك أثّر سلبياً في الطاقة الإيجابية والشباب والقطاع، لأنّ الناس يميلون إلى التحفّظ بشأن التعامل مع مؤسّسات تجارية قائمة في بلدان تشهد عدم استقرار،" بحسب ما يقول كرادشة من "بي لابز".
- لا تغضّ النظر عن عملية التسويق بسرعة: سيساعدك التسويق على رفع المبيعات ويوفّر لك جزءاً من العائدات على الأقلّ.
- استثمر في شراكاتٍ أساسية. " نتيجةً لطلبات الشراء المسبقة، بنينا ثقةً وشراكةً مع موزّعين رئيسيين وقدّمنا عروضاً حصريةً،" وفقاً لجلغا.
الشركات الناشئة في غزة
لن يكتمل هذا المقال إذا لم نذكر التحدّيات اليومية التي تواجهها الشركات الناشئة في غزة. فهؤلاء المؤسِّسون الذين يعملون في أكثر الظروف قساوةً على الإطلاق، غالباً ما يجدون أنفسهم يحملون مهمّة أكبر: إعادة بناء مجتمعاتهم المحلّية فيما يبنون أعمالهم التجارية (اقرأ أيضاً: شركات ناشئة تساعد في إعادة إعمار غزة). يصبح للتحدّيات اليومية معنى مختلفاً كلّياً عندما تحاول بناء شركةٍ ناشئةٍ في قطاع غزة، إذ تواجه عوامل أخرى كبيرةً مثل انقطاع الكهرباء لفتراتٍ طويلةٍ والقوانين المعقّدة والحصار والغارات الجوّية التي يمكن أن تهدم شارعاً بأكمله بكلّ سهولة.
وبما أنّنا نتابع منذ فترةٍ حملةَ "غزة سكاي جيكس" Gaza Sky Geeks لجمع المال من أجل إبقاء مسرِّعة النموّ هذه شغّالة، طلبنا من المديرة إليانا مونتوك أن تعطينا رأيها بالتحديات المذكورة أعلاه:
"إنّ التحدّي الأكبر لنا كمسرِّعة نموٍّ، كان الحصول على التمويل للتمكّن من الاستمرار في دعم الشركات الناشئة في غزة والقيام بنشاطات التوعية لاجتذاب المزيد من ذوي المواهب إلى قطاع الشركات الناشئة. ومن دون ‘غزة سكاي جيكس‘ التي أسستها ‘ميرسي كوربس‘ Mercy Corps، لا يمكن للشركات الناشئة في غزة أن تحصل على الاستثمار والوصول إلى شبكةٍ عالميةٍ والحصول على الموارد التي تحتاجها لكي تنجح."
أيّ شخصٍ على اطّلاع بالعمل الذي تقوم به "غزة سكاي جيكس" لدعم الشركات الناشئة في القطاع، يعلم الأثر الإيجابيّ الذي أحدثته نشاطاتها المتنوعة على مرّ العام المنصرم.
ماذا تعلّموا؟
بالنسبة إلى الشركات الناشئة في غزة، كانت الدروس المكتسبة ذات شقّين؛ الأوّل يتعلّق بريادة الأعمال بحدّ ذاتها، حيث تقول مونتوك: "من أجل الحصول على التمويل وضمان استدامتنا كمسرِّعة نموّ، أدركنا أنّ علينا نحن أيضاً التحلّي بروحٍ ريادية. لذلك التمسنا الإرشاد بشأن نموذج عملنا وتنمية/جمع التمويل لهذا العمل." وفي 8 يناير/كانون الثاني، ختمت "غزة سكاي جيكس" حملة تمويلها، جامعةً ما يزيد عن 200 ألف دولار بالإجمال. وتقول مونتوك شارحةً، "لقد كانت هذه تجربةً مذهلة ليس فقط بسبب التمويل الذي حصلنا عليه، بل أيضاً بسبب الشبكة العالمية التي أدخلتها الحملة إلى مجتمعنا المحلّي."
أمّا الشقّ الثاني، فيتعلّق بالتحقّق من صحّة الحاجة إلى الدعم. وتشرح مونتوك الأمر قائلةً، "بقدر ما هو يهمّنا أن ندعم الشركات الناشئة القائمة، علينا أيضاً العمل على صبّ المواهب التقنية في الشركات الناشئة في المنطقة. فبعض أبرز الجامعات في غزة تقلّص الآن حجم أقسام علوم الكمبيوتر فيها بسبب نقص عدد المنتسبين إليها، في حين أنّ شركاتٍ ناشئةً كثيرةً في كافة أنحاء الشرق الأوسط والعالم أجمع تتعطّش لتوظيف المزيد من المطوِّرين ويسرّها أنّ توظفهم من غزة."