كيف ردّ المركز المغربي للابتكار على الانقادات الموجّهة إليه؟
لم يمرّ وقتٌ طويلٌ حتّى اتّخذت النقاشات، حول مدى فعّالية المركز المغربي للابتكار CMI، منعطفاً جديداً. وذلك خاصّةً بعدما نشرنا مقالة محمد الطاهري، المؤسِّس الشريك في "جريندايزر" Greendizer، حيث وصف تجربته مع المركز بأقلّ من مشجّعة.
وفي وقتٍ قام عددٌ كبيرٌ من الأشخاص المستفيدين من البرنامج بمساندة محمد والموافقة على الكثير من أقواله، ارتفعت بعض الأصوات التي تطالب هؤلاء بتوضيحاتٍ للشكاوى التي تقدّموا بها. وسألت إذا كان الأمر يتعلّق بنقصٍ في فهم البرنامج وفي النضج العملي عند بعض روّاد الأعمال الشباب؟
لذلك لجأنا إلى سمير العيشاوي (الصورة أعلاه)، المدير العام للمركز المغربي للابتكار، وطلبنا منه الإجابة على خمسة انتقاداتٍ وُجِّهَت للمركز.
"ومضة": هل يُمكن أن يتحمّل المركز المغربي للابتكار CMI المسؤولية عن مشاكل النقص في السيولة لدى بعض المستفيدين؟
سمير العيشاوي: تهدف أدوات التمويل التي يديرها المركز أساساً إلى المساعدة في تمويل المشاريع المبتكِرة التي تقوم بها الشركات الناشئة، وليس تمويل هذه الشركات بحدّ ذاتها وسدّ حاجاتها لرأس المال العامل أو لإدارة خزينتها.
وتمّ إطلاق هذا الصندوق مع مشاريع أخرى، لتشجيع الشركات التي تملك مشاريع مبتكِرة ولكنّها تتردّد في العمل عليها بسبب المخاطر المترتّبة على هذا الأمر. وهكذا فإنّ الشركات التي لم يزِد عمرها على عامَين، يمكن أن تحظى بمساهمةٍ في التمويل تصل إلى 90%، أي أنّها قد تصل إلى مليون درهمٍ مغربيّ [بواسطة برنامج "إنطلاق" INTILAK، بحسب المحرّر]. أمّا بالنسبة للشركات التي تعمل في السوق منذ أكثر من عامَين، فنسبة المخاطرة معها تكون أقلّ أي لا تزيد عن 50%. ولكنّها يمكن أن تحصل على مساهماتٍ ماليةٍ أكبر قد تصل إلى 4 ملايين درهمٍ مغربيٍّ، إذا احتاج المشروع لذلك [بواسطة برنامج "تطوير" TATWIR، بحسب المحرّر].
وفي حال نجح المشروع، يتمّ تسديد المبلغ على خمس سنواتٍ بدون فوائد. وخلاف ذلك [يعني في حال الفشل الذي يدقّق فيه خبراء مستقلّون، بحسب المحرّر]، يُعتَبَر التمويل حينها على أنّه منحةٌ حكومية [ممّا يعني أنّه لم يعد لزاماً على الشركة تسديد المبلغ، بحسب المحرّر].
"ومضة": يبدو أنّ المساعدات المالية التي يقدّمها المركز تأخذ شكل القروض، وهذا لا يحلّ مشكلة النقص في السيولة اللازمة لتمويل الابتكارات التي يواجهها روّاد الأعمال. لمَ يحدث هذا؟
العيشاوي: تواجه الشركاتُ الكثيرَ من المشاكل والقيود، وفي هذه الحالة لا يمكن لأدوات التمويل التي يقدّمها المركز أن تحلّها جميعها للأسف.
لا يمكن إنكار حاجة الشركات إلى السيولة، ولكنّ هذا ليس من واجب أدوات التمويل. وفي كلّ الأحوال، لم يتمّ إيجاد هذه الأدوات لهذا الهدف، ولكن يمكن أن نصل إلى ذلك في وقتٍ لاحق. ويبدو هنا أنّه توجد حاجةٌ ما، يجب على الدولة أن تسمعها. وفي الوقت نفسه، توجد بعض أدوات التمويل التي تختصّ بأمورٍ معيّنة وتغطّية مشاكل أخرى، لا سيّما التطوير الاقتصادي والصناعي وصولاً إلى المكننة.
"ومضة": لمَ هي عمليةٌ طويلة؟
العيشاوي: يقوم روّاد الأعمال بالتعريف بأنفسهم على الإنترنت، ولهذا فإنّ عملية التقييم [التي يقوم بها المركز] تتضمّن التحقّق من الملكية الفكرية. وعندما يتضمّن الملف تعقيداتٍ تقنيةً، يلجأ المركز إلى واحدٍ من الخبراء التقنيين المعتمَدين من المركز الوطني للبحوث العلمية والتقنية CNRST. ومن ثمّ يتمّ إجراء عملية التقييم والتوزيع من قبل لجنة مكوّنة من ممثّلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM، والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية OMPIC، والوكالة الوطنية لتعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسّطة ANPME، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي.
بعد عملية التوزيع، ينبغي على صاحب المشروع أن يشرح على الإنترنت ما الذي يحتاجه لتمويل المشروع وإنجازه، خلال مراحل التنفيذ المختلفة. ويتمّ تحديد هيكل المشروع من قِبَل صاحبه أيضاً، حيث يودي ذلك إلى أن يشمل العقدُ تحديدَ شروط التمويل ومبدأه خلال الخطوة الأوّلية [لكلّ مرحلةٍ، بحسب المحرّر]. وبعد الانتهاء من كلّ مرحلة، يصبح من الممكن الوصول إلى تمويل المرحلة القادمة. وهكذا فإنّ أداة التمويل "إنطلاق" INTILAK، تتيح الحصول على التمويل مسبَقاً للمراحل الثلاث الأولى.
ولكن عندما لا يتمّ استيفاء الشروط اللازمة للانتقال للمراحل التالية، فإنّ لجنة التقييم والتوزيع تقوم بإنهاء التمويل.
"ومضة": لماذا لا يمكن لروّاد الأعمال أن يقابوا مجلس اللجنة بأنفسهم؟
العيشاوي: لم تكن النُسَخ الأولى من برنامج "إنطلاق" تشتمل على أيّة علاقةٍ بين مطوِّري المشاريع وبين اللجنة. ولكن انطلاقاً من النسخة الثانية، طلبنا من الناس تحميل أفلام الفيديو من خمسة دقائق على الإنترنت. أمّا في النسخة الرابعة، حاولنا تنظيم الاجتماعات بين مطوِّري المشاريع واللجنة، فأمضى أعضاء اللجنة ثلاثة أيامٍ كاملةٍ للقاء أصحاب المشاريع. إلّا أنّنا أدركنا بعد ذلك أنّ هذه التقييمات لم تكن فعالةً بالضرورة، وأنّ المعوقات التشغيلية لمثل هذه الممارسة تلغي القيمة التي كانت متوقَّعةً منها.
ولهذا، تَقَرَّر منذ النسخة الخامسة أنّ هذه الاجتماعات ستُعقد مع المركز المغربي للابتكار [الذي يقدّم بدوره الملفَّ إلى اللجنة، بحسب المحرّر]. إنّ المركز المغربي للابتكار يساعد أصحاب المشاريع، ولكنّه لا يلعب دوراً حاسماً في عملية توزيع طلبات التمويل من صندوق دعم الابتكار.
"ومضة": هل عرف برنامج التمويل الذي يقدّمه المركز أيّة تغييراتٍ أخرى، منذ الدورات الأولى التي شارك فيها روّاد الأعمال مثل محمد الطاهري؟
العيشاوي: يمكن لمطوّري المشاريع من الآن وصاعداً تحديد مشروعهم، باستخدام الشبكة التي تضمّ معايير الابتكار التي يحدّدها صندوق دعم الابتكار.
ومنذ بداية الأمر، هدفت الإجراءات الإدارية لتقديم شهادات الضرائب والمستندات الأخرى التي تمّ الحصول عليها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولتقديم الميزانيات للعامَين الماضيَين المعتمدة من قبل السلطات الضريبية وأيضاً شهادة براءة الذمة الضريبية. أمّا الآن، فيتمّ الحصول على هذه المستندات من السلطات المختصّة مباشرةً.
ولقد تمّ تبسيط الأمور أيضاً على مستوى الملفّات الإدارية، إذ يتمّ الحصول على غالبية المستندات الإدارية من السلطات المختصة إلكترونيّاً.
وبالنسبة لحالة السيد محمد الطاهري، فإنّ شركته حازت على الكثير من الدعم والتمويل، ولكن للأسف فشل المسؤولون عنها، وهذا أمرٌ يمكن أن يحدث. فريادة الأعمال تُصنَع من الفشل أيضاً، ويجب على المرء أن يتعلّم من أخطائه وأن يقوم بعملية نقدٍ ذاتيٍّ كي لا يقع في الأخطاء نفسها مجدّداً. أمّا إلقاء اللّوم على الذين حاولوا مساعدتك، فهو ليس نهجاً سليماً برأيي.
"ومضة": ما هي خيارات التمويل التي توّفرونها للشركات التي تحتاج للسيولة؟
العيشاوي: يوجد الكثير من المبادرات التي تستحقّ الدعم.
ينبغي أن تتمثّل الخطوة الأولى في عملية التقارب بين الشركات الناشئة والمستثمرين. [يجب أن تعمل الشركات الناشئة على جذب رؤوس الأموال الخاصّة أكثر، عن طريق إثبات امتلاكها للإمكانات الاقتصادية، بحسب المحرّر]. ومن المهمّ أيضاً أن تتمكّن من الحصول على ثقة الجهات الفاعلة في التمويل مثل المستثمرين التأسيسيّين، كما ينبغي أن تعمل على إزالة العوائق التي تعمل على ردع هؤلاء المستثمرين عن المساهمة في هذه الشركات.
أمّا الخطوة الثانية [...] فيجب أن تشمل تطوير منصّة تمويلٍ على أساس الطلبات المسبقة. وسيقوم هذا أيضاً بدفع الشركات لتتنافس على إيجاد القيمة، ممّا سيتيح أمام شركات المستخدِم النهائي أن تشاركَ في عملية التطوير.
في غضون ذلك، يبدو أنّ السماح بعمليات الدفع الجزئي من خلال المحفظات الإلكترونية أمراً ضرورياً. فعلى سبيل المثال، يسمح متجر التطبيقات في الصين ببيع وشراء التطبيقات والخدمات وغيرها بأسعارٍ تبدأ بـ13 سنتاً، أي ما يعادل درهماً مغربياً واحداً. وعليه، فإنّ آليات الدفع هذه تعطي الشركات الناشئة مزيداً من المرونة في تحديد نماذج الأعمال الخاصّة بها، كما تسمح لها مستقبلاً بالوصول إلى أسواقٍ لا تستطيع الوصول إليها حالياً.