كيف يساهم العمل لدى الشركات الناشئة في تنمية المنطقة؟
نُشرت هذه المقالة أساساً في صحيفة "هافينجتون
بوست".
تكتسب ريادة الأعمال بين فئة الشباب أهميةً خاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصّةً وأنّ التقديرات الرسمية تشير إلى أنّ واحداً من كلّ أربعة أشخاصٍ (بين 18-29 عاماً) من سوق العمل في المنطقة ليس لديه وظيفة، وأنّ واحداً من كلّ عشرة أشخاصٍ بالغين يجد نفسه في الوضعية ذاتها. أمّا بشكلٍ غير رسميّ فهذه الأرقام قد تكون أعلى أكثر، بالأخصّ إذا أخذنا بعين الاعتبار انتشار البطالة المقنّعة والبطالة غير المصرّح عنها رسمياً. إذاً فإنّ تضاؤل آفاق العمل بالطريقة هذه، يجعل من المنطقيّ أن نركّز على ريادة الأعمال الشبابية. فإذا لم يتمكّن الشباب من الحصول على فرص عمل، فيمكنهم أن يخلقوها لأنفسهم وبالتالي يساعدون غيرهم في الحصول عليها.
المساحة المتنامية للمبادرات، تقوم بدفع ريادة الأعمال الشبابية في المنطقة قُدُماً. وتُعتبَر "إنجاز العرب" INJAZ، المؤسسة غير الربحية، رائدةً في هذا المجال مع أكثر من عشرة مكاتب في المنطقة، ومع برامج متعدّدة تساعد الشباب في عملية إنشاء الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، توجد مؤسسات ضخمة مثل منظّمة العمل الدولية وجامعة الدول العربية اللّتَين قامتا بتقديم برامج تدريبية وأبحاث وبرامج أخرى لدعم هذه القضية. ولم تغفل الجامعات في المنطقة عن إبداء اهتمامها، فقام بعضها بإنشاء حاضنات الأعمال داخل حرم الجامعة، وقامت أخرى بإعطاء دروسٍ في ريادة الأعمال للطلّاب. وحتّى الشركات الكبرى مثل "شيل" Shell، تملك من ضمن برامجها المتعدّدة برامج لدعم روّاد الأعمال الشباب.
تختلف مناهج هذه البرامج ونتائجها، إلّا أنّ لها فسلسفةً موحّدة: منح الشباب الموارد اللّازمة ليسطيعوا إنشاء شركاتهم الخاصّة، بحيث يصبحون موكّلين بمستقبلهم الاقتصادي. ويُعتبر هذا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تجربةً تعليميّةً هامّة للشباب.
ولكن في نهاية المطاف، سوف تحتاج المنطقة إلى مزيدٍ من الأشخاص للعمل في الشركات الناشئة، أكثر من أولئك الذين يسعون إلى إنشاء شركاتٍ خاصّةٍ بهم. فإذا كان مجتمع الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة لأن يكون له تأثيرٌ كبيرٌ على جهود خلق فرص العمل في المنطقة، فعندها سوف يكون روّاد الأعمال بحاجةٍ للبدء في شركاتٍ ومن ثمّ العمل على تنميتها على حدٍّ سواء. وهناك مجموعة كبيرة من الأبحاث تشير إلى الدور المحوري المتنامي للشركات على جهود خلق فرص العمل عالميّاً. بعبارةٍ أخرى، الشركات الناشئة مهمّة لكنّ التأثير الأكبر هو للّتي تنمو وتكبر منها. وبينما تتوقّف عمليّة النموّ على مؤسّسين كبار، ولكنها تقع على عاتق فرقٍ كبيرٍة أيضاً. فلتوسيع شركاتهم، يجب على روّاد الأعمال أن يكونوا قادرين على إيجاد أشخاص ماهرين وتوّاقين للعمل في شركةٍ ناشئة. ويعني ذلك أنّ الداخلين الجدد إلى سوق العمل في المنطقة، يجب أن يتعرّفوا بحسنات العمل لصالح شركة شابّة.
صحيحٌ أنّ هذا الجهد ضروريٌّ في إطار الجهود الأكبر المبذولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سبيل خلق فرص العمل، ولكنّه يصطدم بالعديد من العقبات. وتشير أبحاثنا في "مختبر أبحاث ومضة" Wamda Research Lab (WRL) إلى أنّ العديد من الشركات الناشئة لا يعاني فقط من العثور على المواهب والمهارات، بل أيضاً من إقناع العمال بالعمل والاستمرار مع شركاتهم بالمجمل. وفي دراسة أعدّها "مختبر أبحاث ومضة" على نحو 900 رائد أعمالٍ وخبيرٍ في ريادة الأعمال في المنطقة، فإنّ في بلدانٍ مثل الأردن ومصر والإمارات العربية المتّحدة ولبنان، حيث زاد حجم مجتمع الشركات الناشئة بشكلٍ كبير، أشار نحو 60 بالمئة من روّاد الأعمال إلى صعوبة إيجاد أصحاب المواهب كعقبةٍ تواجههم عندما يريدون العمل على تنمية شركاتهم. ولقد ارتفع هذا الرقم إلى نحو 70 بالمئة، عندما تعلّق الأمر تحديداً بالشركات الناشئة سريعة النموّ.
الحفاظ على المواهب هو أيضاً تحدٍّ شائع. وإلى ذلك، فإن واحداً من كلّ ثلاثةٍ تقريباً من الخبراء المستطلَعين في دراستنا، لاحظ هذه الصعوبةَ في الشركة الناشئة التي عمل معها. في حين أوضحت واحدةٌ من كلّ ثلاثة من الشركات سريعة النموّ، أنها واجهت صعوبةً في الحفاظ على الموظّفين.
ورد في الدراسة أيصاً، أنّه عند الحديث مباشرةً مع المؤسسين، فإنّهم يوضحون الصعوبات التي تتمثّل في عدم إمكانية العثور على الموظّفين والاحتفاظ بهم. وذلك لكونه نتيجةً للصعوبات التعليمية ولانخفاض مستوى الوعي حول قيمة العمل لشركةٍ ناشئةٍ، أضف إلى ذلك غياب الحوافز للانضمام إلى شركةٍ شابّة. ويدور النقاش بين روّاد الأعمال غالباً، حول اعتبار ابعض أنّ العمل لشركةٍ ناشئةٍ في المنطقة هو عملٌ مؤقّت. وبالرغم من كونها تفتقر إلى العلامة التجارية والاستقرار المالي على غرار الشركات الكبرى والدوائر الحكومية، يختار الباحثون عن العمل وظيفةً في الشركات الناشئة عندما لا يجدون مكاناً آخر يعملون فيه.
إنّ عدم القدرة على إيجاد الموظّفين وعلى استبقائهم، قد يكون له تأثيراتٌ كبيرة على نموّ الشركة، وبالتالي على خلق فرص العمل في المنطقة. فلن يستطيع المؤسسون تطوير شركاتهم من دون موظّفين جيّدين، ولن تتحقّق عندها القيمة الكاملة لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكما يُلَقّن الشباب أن إنشاء شركةٍ جديدةٍ هو مهنةٌ مجزية، فإنّ العمل لدى شركةٍ جديدةٍ يحتاج إلى وضعٍ مماثل. هذا، في وقتٍ تقوم العديد من برامج دعم ريادة الأعمال الشبابية في المنطقة بتحديد ريادة الأعمال على أنها عملية ذهنية: الابتكار، التفكير النقدي، القيادة، ومهارات الاتصال بالإضافة إلى المهارات الشخصية. كلّ هذه الأمور تُعتبر في جوهر العملية، ومن ثمّ يرافقها الانفتاح على المخاطر والعمل الجماعي والمرونة. هذه الكفاءات تحتاجها بالطبع عملية بدء وتشغيل الأعمال، ولكنّها أيضاً حاسمةٌ لجهة أن تكون موظّفاً يضيف قيمةً للشركة التي يعمل فيها. وفين حين تقوم البرامج الجديدة في المنطقة بتثقيف الشباب حول مزايا البدء بالأعمال، فهي تحتاج أيضاً إلى الإضاءة على العمل مع شركةٍ ناشئة كخيارٍ مهنيّ قابلٍ للحياة. ويبدو أن الأمرَين متلازمَين، بحيث لا يمكن تحقيق الإمكانات الكاملة لأيّ مسارٍ من دون الآخر. وللمضيّ قُدُماً، هاكم فيما يلي توصيتَين اثنتَين للمساعدة في تأطير الجهود التي تهدف إلى دعم ريادة الأعمال بين الشباب:
1. تعزيز ثقافة العمل لدى شركةٍ ناشئة، بالتوازي مع ثقافة البدء بها: فيما تقوم المزيد من البرامج بتعليم الشباب حول البدء بالأعمال، يجب أيضاً أن يعلموا أنّ العمل لشركةٍ شابّة يمكن أن يكون مهنةً مجزية. وحيث يمكن لروّاد الأعمال أن يكونوا قدوةً مثاليةً،فإنّ العمّال في الشركات الناشئة يمكن أن يشكّلوا مصدراً للإلهام والمعرفة لدى الشباب.
2. فهم المهارات التي يحتاجها روّاد الأعمال: للعمل بشكلٍ فعّال على جعل العمل لدى الشركات الناشئة كفرصة عملٍ للشباب قابلةٍ للاستمرارية، يجب على صنّاع القرار والمعلّمين أن يتأكّدوا من أنّهم زوّدوا الشباب بالمهارات التي تساعدهم على العمل في الشركات الناشئة. أمّا بالنسبة للّذين يقولون باستحالة تعليم أحدهم كيف يصبح رائد أعمالٍ ناجح، فإنّه من الممكن تعليم الناس طريقة التفكير واتّخاذ القرارات، بالإضافة إلى مواجهة التحدّيات بطريقة أكثر احترافية. إلى ذلك، فإنّ عدداّ قليلاً من الناس استطاع تأسيس شركة، بالرغم من أنّه يمكن الاستفادة من هذه المهارات في أيّ مكتبٍ أو صناعة.
لا يزال إرشاد الشباب إلى أنّ العمل في شركةٍ ناشئة هو فرصةٌ لوظيفةٍ مجزية، مهمّةً صعبةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكنّ القيام بهذا الأمر، سيساهم حتماً في بناء قوى عاملةً أكثر ديناميكيةٍ وأكثر مساهمةٍ في المنطقة.