إطلاق لعبة لوجستيات مسلية في دبي بميزانية صغيرة، فهل تنجح؟
هذا المقال جزء من سلسلة جديدة حول التحديات التي يواجهها رواد الأعمال الجدد الذين يموّلون شركاتهم الناشئة ذاتياً.
"هذه لعبة من صميم قلوبنا". بهذه العبارات علّق بيتر ساغيغجي، المؤسس الشريك لـ"سانتيو ميديا" Sentiomedia، وهو استوديو خدمات رقمية في دبي، عن لعبة "دبي دليفري" Dubai Delivery. وتابع قائلاً "إنها لعبة أردنا تطويرها". فمع إطلاق لعبتهم الأولى، خلق فريق "سانتيو ميديا" ما يبدو للوهلة الأولى أنه لعبة شحن بسيطة تعتمد على اللوجستيات، ولديها طريقة لعب معقدة ونوعية تسبب الإدمان بشكل غريب.
ولكن الكثير من شركات الألعاب الناشئة الأخرى تعتبر أن إقامة توازن بين الخدمات التي تقدم للمستهلك التي تكون مبتكرة وممتعة للفريق والخدمات التي تقدّم للشركات والتي تعطي عائدات أكثر، هو تحدي هائل.
ويأمل فريق "سانتيو ميديا" الممول ذاتياً، في الخروج من هذه المعادلة والتركيز على تطوير مشاريع يحبوها فعلاً. ويقول ساغيغجي "نحن نمتطي فرسين: نطوّر الألعاب وهو أمر نحب أن نقوم به، ونطور مشاريع أخرى للحصول على المال من السوق لخلق تجارب تفاعلية لتمويل اللعبة وتمويل التسوق".
فبعد الانتقال إلى دبي عام 2006، بعد ثلاث سنوات من العمل في "روكستار غيمز" (الناشر الشهير لسلسلة "غراند ثفت أوتو" Grand Theft Auto) في فيينا ولندن، بدأ رائد الأعمال الهنغاري ببناء ما يصفه بـ "بصريات تفاعلية" لزبائن العقارات مع ازدهار قطاع البناء. وعام 2009، حين وقعت الأزمة العقارية، اجتمع مجدداً مع اثنين من زملائه السابقين في "روكستار غيمز" وأطلق "سانتيو ميديا" عام 2010.
في العامين الأولين، ركز الفريق على تقديم خدماته لشركات، وبناء تطبيقات للمحمول، وتطبيقات للعرض التفاعلي، وألعاب للشركات وإطلاق مجلة رقمية، قبل إطلاق "دبي دليفري" كأول لعبة للمستهلك لا الشركات. ومنذ انطلاقها على الـ "آيفون" في تموز/ يوليو، شهدت 25 ألف عملية تنزيل مع 3000 إلى 4000 مستخدم منتظم نشيط.
طريقة اللعب
بصراحة، حين فتحت اللعبة، لم أكن على ثقة بأني أستطيع أن ألعبها لأكثر من بضع دقائق. ففي البداية تبدو بسيطة حيث تكون مهمة اللاعبين ملء الشاحنات والسفن بالحمولة ونقلها إلى مواقع على خريطة لدبي. ولكن لسبب ما، لم أستطع التوقف عن اللعب.
لدى اللعبة في الواقع عمق وأصالة منعشان بطريقة أو بأخرى، والخط المستخدم هو من نوع النقط المتكتّلة ولكنه مناسب جداً للعبة التي تقوم على اللوجستيات والتوزيع. واللعبة أصعب مما تبدو في البداية، فمن خلال جمع الحزم وإيصالها إلى المكان المحدد، تحصل على مكافآت تسمح لك بإضافة آليات إلى أسطولك وشراء إذن بالمزيد من تأشيرات الدخول لعمال أو إذن بالمزيد من مواقع الشحن. كما أنها تعليمية للاعبين غير الملمّين بتفاصيل دبي. فبالإضافة إلى فتح مواقع على الخريطة، تقدم اللعبة أيضاً الكثير من الحقائق المسلية التي تكتشفها مع اكتسابك المزيد من الخبرة، بعضها يعطي تعليقات مضحكة حول البيروقراطية الحكومية أو زحمة السير أو المعايير الثقافية، وبعضها الآخر يعطي صورة عن التاريخ القديم للمنطقة.
يشير ساغيغجي إلى أن الحقائق التي استخدمتها "سانتيو ميديا" لم تحصل على تقدير الجميع، بالرغم من أنها استندت على تجربة العيش في دبي لمدة ست سنوات.
حوالي نصف عمليات التنزيل تأتي من المنطقة العربية وتتمتع "سانتيو ميديا" بشعبية كبرى في السعودية والإمارات، تليها البحرين والكويت ومصر. والنصف الثاني من عمليات التنزيل يأتي من شمال إفريقيا وأوروبا. وثمة أيضًا عدد جيد من اللاعبين يشترون ميزات إضافية داخل التطبيق للحصول على المزيد من القطع المعدنية وتسريع فترة التوصيل، وهذا نموذج عائدات فضله الفريق على التطبيق المدفوع أو ملء اللعبة بالإعلانات. ويقول ساغيغجي "نحن لا نحبها فلماذا نجعل اللاعبين يرونها؟". وعلى الرغم من النسبة القليلة لعمليات التنزيل، يبقى متفائلا بإمكانياتهم لجني المال، ويقول "هذا مؤشر جيد على أننا إذا رفعنا عمليات التنزيل، نكون في وضع جيد".
وبالطبع من الأسهل قول ذلك على فعله، ولكن ساغيغجي يشعر أنه حين يحصل الفريق على المزيد من العقود وربما على مستثمر أو اثنين، يمكنه أن يركز عندها أكثر على التسويق ويصبح التطبيق قادراً على الاستمرار ذاتياً. غير أن الفريق فعلاً يموّل نفسه ذاتياً ويناضل من أجل كل عقد إلى حين يستطيع أن يجني ما يكفي من المال لدفع اللعبة قدمًا. وقد حصلت اللعبة على بعض التنويه من بعض الجهات المرموقة من بينها جائزة mFWA في بريطانيا للمحتوى الرقمي المبتكر، واختيرت مؤخراً لتكون جزءاً من مهرجان الفن الرقمي Espacio Enter Digital Art Festival في إسبانيا. ولكن في الوقت الذي يحصل الفريق على الكثير من الردود الإيجابية ومعدل جيد من المستخدمين المنتظمين، يقدم اللاعبون بعض الآراء المتفاوتة عن اللعبة. ويقول ساغيغجي "حصلنا على مراجعة بنجمة واحدة لأنها لعبة سهلة كما حصلنا على مراجعة بنجمة واحدة أيضاً لأنها لعبة معقدة. فأنت لا تستطيع أن ترضي الجميع ومن أجل ذلك نحاول تحقيق توازن".
تحدي التمويل الذاتي
في حين تشكل "دبي دليفري" أول فرصة للمؤسسين الشركاء لخلق لعبة موجهة للمستهلكين، لا يزالون يعتمدون بشكل كبير على الخدمات للشركات ليستطيعوا الصمود. ويعترف ساغيغجي قائلاً "نستخدم جزءاً من عائداتنا لنأكل والجزء الآخر لنموّل اللعبة". فهذا إذاً عمل من الحب يصمم الفريق على مواصلته إلى أن يحقق نجاحاً كبيراً أو ببساطة إلى حين ينفذ ماله.
وعلى الرغم من أن هذه اللعبة لا تتمتع بعنصر الجذب السريع الذي تتمتع به الألعاب الأكثر شهرة، إلاّ أنها تعيدني دائماً إليها للمزيد. وبالرغم من أنه بإمكانك بناء إمبراطورية شحن من دون عمليات شراء داخل التطبيق، إلا أن ذلك قد يستغرق وقتًا أطول. وتمامًا مثل الكثير من الشركات، تعتمد الشركة على مبيعات الخدمات الخاصة بالشركات لإبقاء مشاريعها الخاصة بالمستهلكين الأفراد عائمة، وهي مستمرة ببساطة بفعل حب الفريق للعبة حتى حين يقتربون من نفاذ التمويل. ويضيف "أنا لا أقول إنه أمر سهل مع عائلة ولكن هذا ما يبقيني مندفعاً. نحن على الأقل، نضع شيئاً مقبولاً في السوق لا يكون مجرد لعبة لبناء مدن".
في الوقت الراهن، يضع الفريق اللمسات الأخيرة على نسخة الـ "آيباد" ويعمل حالياً على تطوير نسخة عربية. إذا سار كل شيء على ما يرام واستمر العمل بمشاريع لشركات، يأمل فريق "سانتيو ميديا" في الإنفاق بكثافة على تسويق "دبي دليفري" مع التطلع إلى إمارات أخرى.
ويبقى التحدي الأساسي هو التوزيع. فإطلاق لعبة والتأمل بأن تنجح لوحدها هي استراتيجية كلاسيكية يجربها رواد الأعمال الشباب، غير أن ساغيغجي يدرك الآن أن التوزيع قد يكون المفتاح للعبة ناجحة.
وهو متفائل بأنه من خلال تقديم المزيد من الخدمات للشركات، يمكنه أن يطوّر المزيد من المشاريع للمستهلكين الأفراد، وهذا أمر تقوم به الكثير من شركات الألعاب أيضًا. ولكنه سيحتاج على الأرجح إلى بعض التمويل الخارجي للتوسع عبر إطلاق حملة تسويق ناجحة ورفع عمليات التنزيل إلى مستوى حيث يمكن تحقيق عائدات أعلى. وأنا أشعر بحماسة لأرى ما الذي يخططون له بعد أن تصبح الشركة أكثر استقرارًا، تتلقى استثمارًا وتزيد من خدماتها للشركات.
كيف تحقق توازنا بين تطوير مشروع تحبه أو تطوير مشروع يدرّ لك العائدات؟ شاركنا تجربتك في خانة التعليقات أدناه.