كيف وصلت مجوهرات عزة فهمي إلى العالمية؟
إنّ النجاح المفاجئ الذي لاقته بعض الشركات الناشئة التقنية بين ليلة وضحاها، أمثال "فايسبوك" و"إنستاجرام"، جعل الكثيرين يظنون أن النجاح أمرٌ فوري. فأصبحنا اليوم نتكلم عن استراتيجية الخروج (أي تأسيس شركة، إنجاحها ثم بيعها) قبل أن نصيغ خطة العمل حتى. ولكن، في الواقع، يستغرق بناء علامة تجارية ناجحة سنوات كثيرة، وأحياناً عقودًا عدة.
يتضمن اليوم فريق عمل "مجوهرات عزة فهمي"، علامة المجوهرات الأولى التي تحمل اسم مصصمة مصرية، أكثر من مئتي شخصٍ بين يد عاملة ماهرة ومصممين ومهندسين ومسوقين.
كما وألبست الشركة عارضات أزياء أسبوع الموضة في باريس، والملكة رانيا في الأردن، والمغنية ريانا وعارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل، وقد برزت مجموعاتها في عدد من المنشورات الدولية مثل "فانيتي فير" Vanity Fair و "نيويورك تايمز" New York Times، كما وتعاونت مع علامات تجارية دولية مثل "برين" Preen و"جوليان ماكدونالد" Julien MacDonald ودُعيت لابتكار مجموعة خاصة لكل من المتحف البريطاني ومتحف "لوفر".
لكنّ فهمي التي اندرج اسمها في العام 2007 على قائمة صاحبات الأعمال الـ 25 الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط الصادرة عن "فايننشال تايمز" Financial Times، لم تصل إلى ما هي عليه اليوم بين ليلة وضحاها. فقد أسست الشركة منذ 45 عاماً تقريباً، في العام 1969، بعد أن وقع نظرها على كتاب حول المجوهرات الأوروبية في العصور الوسطى وأدركت حينئذٍ أنها وجدت دعوتها الحقيقية.
بناء علامة تجارية عالمية
إذاً كيف تمكنت علامة فهمي التجارية من حشد هذا المديح الدولي والمنصب المرموق في أوساط علامات المجوهرات العريقة أمثال "كارتييه" Cartier و"بولغاري" Bulgari؟ وإضافة إلى التحلي بالحماس والالتزام بالمثابرة على الرغم من النضال، وعطش لا يرتوي للتعلّم، فإنّ من أهم ما تؤمن به فهمي هو أصالة العلامة التجارية.
فتقول عن التوسعات الجديدة في السوق: "عليك العمل لجعل منتجات العلامة التجارية تناسب السوق. فالجزء الأصعب من العملية هو أن تخلق توازناً فتقدّم ما يلقى إعجاباً عالمياً من دون التخلي عن هوية العلامة التجارية".
ومن العوامل الأخرى الأساسية التي ساهمت في تحويل عملها من شركة تديرها عائلة إلى شركة تتنافس مع الشركات العالمية هو إعادة هيكلة الشركة.
على مر السنوات الستة الماضية، تطور عملها من شركة تديرها رائدة أعمال إلى شركة يديرها فريق عمل مترسخ واستراتيجي، يتضمن أقساماً خاصة بالتسويق والمبيعات والتصميم والتخطيط والتحكم بالجودة ويدعمه فريقان قويان للشؤون مالية والموارد البشرية.
فتفسّر فهمي قائلةً: "مع توسع نطاق بيعنا بالتجزئة، جسّدنا هذا الأمر في افتتاح عدد من المتاجر المحلية كما وعدة منافذ بيع بالتجزئة ومنافذ للتوزيع في لندن والأردن وقطر والبحرين ودبي. وفي ظل هذا التوسع السريع، أدركتُ أنه لا بد من إحداث تغيير داخلي لاستيعاب هذا النمو الذي يطرأ على عملنا".
والآن، استلمت ابنة فهمي، فاطمة غالي، دفة القيادة في منصب المديرة
العامة وهي تتطلع لتوسيع تواجد الشركة في الشرق الأوسط وأوروبا
وأمريكا الشمالية.
رائدة أعمال حقيقية تنشئ تراثاً لها
بما أنّ فهمي كانت أول امرأة تتدرب على يد أبرع
المصممين في أحد أشهر أسواق تصميم المجوهرات في خان الخليلي، اكتسبت
الخبرة اللازمة لتصميم أكثر قطع المجوهرات تعقيداً وشاعريةً، مكافحةً
بيديها ورجليها إن جاز التعبير.
ومع ذلك، لم تنسَ فهمي بداياتها والتحديات التي واجهتها في قطاع يهيمن عليه الرجال، ولطالما عرفت أنّها سترد الجميل للمجتمع وتساهم في تنشئة الأجيال القادمة لتطوير وحماية هذا القطاع الذي وفر لها مصدر حماسٍ ونجاح.
في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركة في العام 2011، شاركت فهمي في تأسيس مشروع "نوبري" Nubre الذي يعني "تصميم" في النوبية، مع الاتحاد الأوروبي، لتعزيز ثقافة تصميم المجوهرات المعاصرة المحلية من خلال ورشات العمل.
وللتقدم بـ "نوبري" خطوةً إلى الأمام، أسست فهمي "استوديو ومدرسة تصميم عزة فهمي للحلي" Azza Fahmy Design Studio (AFDS) في العام 2013، وهو مشروع مشترك مع "ألكيميا" Alchimia، مدرسة للتصميم المعاصر في فلورنسا، إيطاليا.
كما يظهر سعي فهمي لدفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتعزيز القطاعات ذات الصلة في المنطقة من خلال "مؤسسة عزة فهمي" Azza Fahmy Foundation التي تركز على توفير التعليم المهني من خلال برامج تبادل الطلاب والمشاريع الإنمائية التي تغذي القطاعات الإبداعية وتسهّل تناقل المعرفة في قطاع صناعة المجوهرات.
ويتلخص أسلوب عمل فهمي بعقلية "حدودي هي السماء" التي لطالما دفعتها إلى تحدي نفسها لتحسين عملها ومساهمتها الاجتماعية.
عندما سألتها ما الذي كانت لتفعله بشكل مختلف؟ أجابتني: "لا شيء، كل شيء يحصل لسبب ما".
ولعلّ أكثر ما يلفتني في هذا الموضوع هو أنّنا لو حاولنا قياس نجاح عزة فهمي في السنوات الخمسة الأولى، أو حتى العشرة، لما كنّا سنتوقع أن يزدهر عملها على هذا المنوال.
يشكك المعارضون أحياناً في مدى تأثير زخم ريادة الأعمال الذي تشهده المنطقة مؤخراً، مدعين أنّه ما من نجاحات تُذكر في العالم العربي، أي ما من شركات جاهزة للتوسع والنمو ولتلقي الاستثمار، وأنّ القليل من الشركات فقط قد تمكنت من تحقيق نجاح نظرائها في الغرب، وهي تعدُّ على الأصابع.
أنا أؤمن بأننا سنرى ثمرة ريادة الأعمال العربية في العقود القادمة إذا أعطيناها الفرصة لتنضج، وبدأنا نقيس النجاحات على المدى الطويل.