نُشِر هذا المقال أساسًا على مدوّنة "هارفرد بيزنس ريفيو" يوم 25 حزيران/ يونيو 2013.
عام ٢٠٠٣، وبعد عامين في تكساس، قرر مهنّد غاشم العودة الى مدينته حلب في سوريا. جذبته قدرات بلاده الواسعة وطموحات شعبه. أطلق مهنّد شركة لتصميم مواقع إلكترونية وقدّم الخدمات لزبائنه في الولايات المتحدة وشكّل فريق عمل من ١٢ موظف. وسرعان ما بدأ يحلم بشركة جديدة، منصة تسمح بانشاء متجر للتجارة الإلكترونية يسهل إطلاقها كصفحة على "فايسبوك". كانت الفكرة سبّاقة في المنطقة العربية. ولكن، بعد عام، بدأ القصف على مدينته. فاضطر مهنّد الى حزم حقائبه والتوجه الى الأردن المجاور.
استقر مهنّد في الأردن من دون أن أي شبكة علاقات أو تمويل. لجأ الى شركة ناشئة محلية مسرّعة للنموّ لتحقيق حلمه. ونال لاحقاً تمويلاً من شركتنا، ومضة، منصة لتمكين الرياديين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأطلق "شوب جو" ShopGo.me وهي إحدى منصاتالتجارةالإلكترونيةالرائدةفيالمنطقةالعربية.
وقد حقّق مهنّد النجاح بالرغم من كافة المصاعب وفي ظل ظروف صعبة يصعب فيها ايجاد المال والموارد البشرية والزبائن وحيث يعتبر الاستقرار السياسي شبه غائب. وهذا ما أسميه بـ "قدرة اليلاّ" The Power of Yalla.
وتعني كلمة "يلّا" في العامية " فلتنحرّك". وتعتبر القوة وراء إنجاز الأمور بطريقة مرنة والتأقلم سريعاً والارتجال في ظروف متقلبة. ويتطلب العمل في بيئة مماثلة الكثير من المثابرة والمرونة والرغبة القوية في تغيير الوضع الراهن.
لطالما كانت "قدرة اليلاّ" منتشرة في المنطقة العربية. وبالنسبة لبعض الغرباء، قدّمت لهم الاضطرابات التي بدأت في تونس عام ٢٠١٠ لمحة عن هذه القدرة. والكثير من من الناشطين على الإنترنت الذين عملوا على الإطاحة بالأنظمة السابقة في مصر وتونس قد أتواّ من خلفيات ريادية. وقد سعوا إلى الحدّ من النفقات بقدر الإمكان واستخدموا الأدوات المتوفرة لديهم وتأقلموا بسرعة فائقة وثابروا في قضيتهم إلى أن سقطت الأنظمة الديكتاتورية.
بعد مضي أشهر على الانتفاضات، قررتُ، بعد ١٠ سنوات أمضيتها في الولايات المتحدة، الانتقال الى الشرق الأوسط. وقد ألهمتني الطاقة التي شعرت بها وعرفت أنه بإمكاننا توجيه هذه الطاقة لخلق فرص عمل وتأسيس الشركات لتحفيز النموّ الاقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه.
وقبلت دعوة لأصبح الرئيس التنفيذي لـ"ومضة" وإنشاء، بمساندة فريق العمل، منصة تساعد على تفعيل البيئة الحاضنة الريادية والاستثمار فيها. وفي منطقة تعتبر فيها معدلات البطالة الأعلى بين الشباب، تُعدُّ الريادة منفذاً ضرورياً. ولا يعزى السبب الى خلق فرص عمل فحسب، لا بل الى أن الريادة تعتبر قناة نفسية للتفاؤل والتغيير الايجابي.
في مجال عملي، ألتقي بأمثال "مهنّد" يومياً. هم رياديون شباب يتمتعون بـ"قدرة اليلّا" في حياتهم اليومية ويطلقون شركات ناشئة ويعملون بطريقة مبتكرة على الرغم من العقبات التي تواجههم. وفي أسواق ناشئة كالشرق الأوسط، غالباً ما لا ينجح سوى الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة. وتساهم أسس السوق العربية في جعلها أكثر نفعًا: مع أكثر من ٣٥٠ مليون مستهلك وسكان من الشباب، تقدم المنطقة العربية فرصة كبيرة للرياديين تنسجم مع ثقافتها وتطلعاتها.
يمرّ العالم اليوم بظروف اقتصادية صعبة جداً ، هي ترسبات الأزمة المالية والتغييرات الجيوسياسية السريعة. وتوفّر لنا تجارب الرياديين العرب الأخيرة بعض الدروس لتأسيس الشركات الناشئة في أي بلد كان:
اعتمِد الارتجال الموجّه: لا يمكنك التخطيط لكل شيء مسبقاً. عوضاً عن ذلك، ركّز على الأدوات المناسبة وابنِ شبكة علاقات ملائمة. حضّر نفسك للتأقلم سريعًا مع أي ظرف جديد أو غير أكيد.
افهم الثقافة والسياسة: من المهم جداً أن تدرك ما يمكنك القيام به وما تعجز عليه. احترم التعقيادات الثقافية واحرص على فهم السياسة المختصة بشكل جيد.
ركّز على الاستدامة: يعتبر تمويل الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة نادراً جداً. وعلى خلاف البيئات الحاضنة الريادية في الدول المتطورة، لا تستطيع الشركات الناشئة استخدام أموال المستثمرين من دون إثبات أنّ نموذجها مربح ومستدام. من أجل البقاء، تحتاج الشركات الى السعي لتحقيق الاستدامة في بداية الطريق.
ولا شك أن رواد الأعمال في الأسواق الصعبة يقومون بذلك يوميًّا وهذا ما أطلقُ عليه "قدرة اليلّا". في مقال مقبل، سأتطرق الى بعض الخطوات لتنشيط البيئات الحاضنة الريادية في الأسواق الناشئة.