TEDxCairo 2012 تكشف تفاؤلاً رغم الاضطراب السياسي في مصر
لم تمنع الاضطرابات الأخيرة في مصر "تيدكس القاهرة" TEDxCairo من المضي قدماً في فعالية عروض الشركات للعام 2012 "كوليجنز" Collisions، في الحرم الجديد للجامعة الأميركية في القاهرة. وعلى الرغم من أن عدد المشاهدين ومستويات الحماسة انخفضت قليلاً مقارنة بفعالية العام الماضي، ربما بسبب المناخ السياسي المضطرب في القاهرة، إلاّ أن الحضور كان إيجابيًّا ومتعطشًا لأفكار جديدة. ومن الواضح أن الحدث كان نوعاً من الإلهاء للكثيرين.
كان شكل الفعالية هو نفسه للعام الماضي ولكن مع ديكور محسّن. وكان المقدم خالد منصور الذي اشتهر بفضل برنامج باسم يوسف، مرحاً وقد نجح في تغطية التأخيرات التقنية التي تحصل وراء الكواليس. ولكن كان عليه أن يختار لغة واحدة ويلتزم بها، فقد استمر في الانتقال بين العربية والإنكليزية وأحياناً في منتصف الجملة. أعرف أن هذه مشكلة يعاني منها الكثير من المصريين ولكن على المهني أن يكون قادراً على إيصال فكرته بلغة واحدة.
أكثر من عانى خلال الفعالية كانوا الأجانب، فقد تحدث إلى القلائل الذين يتحدثون العربية وقالوا إنّ الانتقال المستمر من لغة إلى أخرى جعل من الصعب عليهم مجاراة الحديث. وصعّب هذا الانتقال المستمر بين اللغتين مهمة المترجمين الفوريين الصعبة أصلاً.
وتراوح المتحدثون بين المملين والمذهلين. وكان من الجيد رؤية الكثير منهم يتحدثون عن الانتعاش الاقتصادي الذي تحتاج إليه مصر، ويقترحون سبلاً لتحقيقه. فإن كان ثمة أمر واحد يوحّد المصريين الآن، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية وطبقاتهم الاجتماعية، فهو القلق بشأن التوظيف. وهذا الوضع لن يتحسن إلاّ عبر تشجيع الريادة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وجهات نظر اقتصادية
تحدث البروفيسور حسن عزيزي من الجامعة الأميركية في مصر، عن الحاجة إلى معاهد أبحاث محلية لتصبح جزءاً من مجتمع الأعمال، كي تركز على حل مشاكل العالم الحقيقي التي تمثّل فرص تسويق جيدة في قطاعات غير تقليدية.
بدوره قال المستشار محمد الدهشان للحضور إنّ على مصر جعل الريادة ديمقراطية، لأن 85% من الشركات غير رسمية أي غير مسجّلة في الدوائر الحكومية. وأشار إلى أنه ثمة خيارات تمويل للتجار الفرديين والشركات المصغّرة والشركات الكبيرة، ولكن ثمة فجوة كبيرة في تمويل الشركة الصغيرة، لذلك فإن ردم هذه الفجوة سيسهّل ولادة المزيد من الشركات الناشئة العالية النمو، ويخفّض عدد الشركات غير المسجّلة. وبذلك ستتضاعف العائدات الضريبية والتوظيف أيضاً.
من جانبه شارك خالد بشارة، المؤسس الشريك لشركة "لينك دوت نت" LinkDotNet، أفكاره حول كيفية تأسيس شركة ناجحة، بناء على تجربته الواسعة: كونوا شغوفين بشركتكم، شكّلوا الفريق المناسب (ليس بالضرورة أفضل الأفراد لوحدهم)، كونوا دائماً مستعدين لأنكم لن تعرفوا أبداً متى تأتي الفرص، وكافئوا على الوفاء والإنجازات وحددوا الأهداف وكونوا عظيمين في تنفيذ خطتكم.
تطلعات اجتماعية
على الجانب الاجتماعي، قدم مصطفى رياض دليله التاريخي بأن مفهوم "صدام الحضارات" هو في الحقيقة كذبة كبيرة تقوم على نمط التفكير الاستعماري الأخير، و"العبء الذي يحمله الرجل الأبيض". وعرض رياض صورة تلو الأخرى من تاريخ الشرق الأوسط وأوروبا تظهر كيف أن الحضارات لطالما اختلطت وعملت مع بعضها.
ياسمين الشاوي، شابة تعاني من ضمور العضلات الشوكي، ولكن لم يمنعها ذلك من ممارسة الرسم الغرافيكي والتطوّع لموقع "بروداكتيف مسلم" أي مسلم منتِج (Productive Muslim) المخصص ليكون نقطة لقاء بين الإسلام والإنتاج. كان حديثها ملهماً وحاز تصفيقًا حارًّا مرتين.
أما أميرة مخلوف فتحدثت عن الانقسامات بين الناس، شارحة كيف أن الانقسامات التي يتم التحكم بها قد تُحدث نمواً، وكيف أن النمو غير المنضبط قد يكون سرطاناً. ورأت أن على المصريين ألاّ يتسامحوا مع الاختلاف ولكن يجب أن يتقبلوه ويبنوا عليه كما فعلوا قبل بضعة عقود.
ناقش إميل عزيز مسألة تأسيس "إي مخالفة" E-Mokhalfa لمساعدة سكان القاهرة على تسمية مخالفي قوانين السير وفضحهم، كي تتمكن القاهرة من الخروج من لائحة أكثر عشرة مدن تشهد حوادث سير. فهذه السياسة جعلت المستخدمين مسؤولين عن أنفسهم وواعين أكثر كما أن وزارة الداخلية أخذت علماً بذلك.
أما عزّة إدريس فتوقفت عند ظاهرة ارتفاع عدد المصريين الذين يحكمون من خلال المظهر من دون رؤية الواقع الضمني للأوضاع. وشرحت أن التفسيرات الحالية للشريعة الإسلامية تخفق في إيصال الأهداف الإسلامية عن المساواة والعدالة الاجتماعية. وتحثّ إدريس على تحديث تفسير الشريعة كي يكون في مصر قوانين شخصية تحمي العائلة وتقدم المزيد من التسامح.
وشهدنا في وقت لاحق من النقاش مثالاً على هذا النوع من التسامح، حيث أن ما تمت مناقشته لم يكن مهماً بقدر الطريقة الحضارية وضبط النفس اللذين جرى فيهما النقاش. فقد اختلف الجانبان بشكل جذري ولكنهما لم يلجآن إلى العدائية أو الشتائم التي أصبحت للأسف أمراً معتاداً بين الناس المختلفين بالآراء في مصر. وكان هذا مثالاً عظيماً للمصريين.
صحيح أن الاضطراب يسود مصر ولكن فريق "تيدكس" لا يزال يحمل إلينا أموراً قيّمة، تجعل الفعالية تستحق الحضور أكثر فأكثر، كما جعلوا المصريين يشعرون بالرضا عن أنفسهم وعن مستقبلهم.