دروس في الريادة الاجتماعية من منتدى "سكول" العالمي
حضرت الأسبوع الماضي منتدى "سكول" العالمي (Skoll World Forum) حول الريادة الاجتماعية في أوكسفورد، وهو احتفال حقيقي لصنّاع التغيير والإنسانية والتطوير والمواطن والمواطنة وللقدرة على التمكين والتأثير والسعي وراء الهدف وهو احتفال للشعوب وكوكبهم.. تخيّل غرفة مليئة بأكثر من ألف شخص يملأهم الشغف لهذا العالم وللإنسانية..
خرجت من المنتدى بالعديد من الدروس والقصص الملهمة، يصاحبني شعور بأنك مهما فعلت فهناك الكثير بعد لتفعله وهناك العديد من الشراكات التي يمكن عقدها وأن مسؤوليتنا الأساسية هي الاتصال بالناس حولنا والتواصل معهم.
ومن بين الدروس الرئيسية التي تعلّمتها:
ـ الحلول للمشاكل الكبيرة قد تكون في أبسط الأماكن ولكن التي لا نتوقعها البتّة
واجه مسعى أحد الرياديين الاجتماعيين لمحاربة المعدلات المرتفعة للتسرّب من المدارس الثانوية في الهند، العديد من المصاعب وحقق القليل من التقدم. وحين تواصل هذا الريادي مع الطلاب، وجد أن الحل لتسربهم من المدارس الثانوية في تلك المنطقة لا يكمن بالضرورة في تحسين المدارس أو المناهج (رغم وجود حاجة ماسّة لذلك)، بل من خلال شراء دراجات هوائية للطلاب لأنهم لا يستطيعون تحمّل بدل النقل.
ـ المقاربة الشاملة هي المسار
قامت مدرسة ناجحة في تشيلي لا تسجّل أية نسبة تسرّب ويذهب غالبية طلابها إلى الجامعة، بتعديل مناهجهم كي تعكس رؤيتهم: فبالإضافة إلى المواضيع التقليدية مثل الرياضيات والعلوم والأدب، أصبح الطلاب يدرسون المساواة الجندرية والتنوّع والتعاطف والرحمة والتأمل والاستدامة بالإضافة إلى مواضيع أخرى ترتكز إلى القيم. فإذا كنت ترغب في تحقيق تغيير حقيقي وتأثير على المدى الطويل، استثمر في القيم!
ـ قلب الوضع الراهن
كان قلب الوضع الراهن موضوعا متكررا في كل نقاش وجلسة واجتماع خلال المنتدى، بما يعنيه ذلك من قلب نظام أو سلوك أو قلب واقع، بدءاً من قيام هانس روزلنج بإعادة تسمية "العالم النامي" بـ"العالم" إلى حملات إيف إنسلر المستمرة لمحاربة العنف ضد المرأة عن طريق خلق حركة تستخدم مسرحياتها وقلب تعريف كيفية عمل المنظمات غير الحكومية.
ويبدو أن هناك أشكالاً أخرى لقلب الوضع الراهن، على ما أوضح رياديون اجتماعيون يشككون في النظم التعليمية ويقلبون أنظمة قائمة بواسطة حلولهم، وعبر طرح السؤال: ما الذي يعرّف التعليم؟ هل هو تعليم أم معرفة؟ كيف يتم إيصاله: في المدرسة أو عبر الإنترنت؟ وهل يجب أن يقوم على مقاربة تشاركية؟ ومن يجب أن يكتب مناهجنا الدراسية؟ وأخيرا، كيف يمكن أن يبقى الطلاب مهتمون بالمدارس عندما يكون المسؤولون الحكوميون هم وحدهم من يقرر ما هو الممتع والمثير للاهتمام في الفصول الدراسية؟ لذلك فإن قلب الوضع الراهن هو ما يفسح الطريق لأساليب تعليم إبداعية جديدة، وهو السبيل الوحيد للخروج من النظم التقليدية التي تؤدي بنا الى ما نحن عليه اليوم.
ـ التكنولوجيا هي أداة ولكن البشر هم الذين يصنعونها
قد تكون هذه العبارة بديهية ولكن بوجود هذا العدد الكبير من شركات التكنولوجيا التي تولد كل يوم (في الأردن لا أشتكي من ذلك)، يمكن للرياديين الاجتماعيين أن يستفيدوا بشكل أوسع من التكنولوجيا. ويمكن لهؤلاء استخدام التكنولوجيا من أجل التواصل والحلول، وكان واضحاً خلال منتدى "سكول" أن بعضاً من هؤلاء الرياديين دائماً ما يضع الهدف نصب عينيه ويعمل على توفير الفرص للمجتمع (والحقوق الأساسية للتعليم والغذاء والمسكن والحرية). وقد كان مستوى الوعي الإنساني مكثف وملموس.
ـ الشركة الاجتماعية لا تعني عدم الربحية
على العكس، ان الكثير من الشركات الاجتماعية لديها مشاريع للربح، وهي تدرّ الأرباح وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية هي جزء لا يتجزّأ من المنتجات والخدمات التي تقدمها. وهذا لا يضمن فقط استدامتها كمشاريع، ولكن يجعلنا أيضاً ندرك أن القطاع الخاص لا يزال مورداً غير مستغل عندما يتعلق الأمر بتوليد التغيير الاجتماعي.
ـ كل شركة هي شركة اجتماعية
كل شركة هي شركة اجتماعية حين تفكر في مساهمتها في المجتمع عبر تأثيرها الاقتصادي والوظائف التي تخلقها. وأبعد من ذلك، تختار بعض الشركات مقاربة نشيطة أكثر من خلال اعتماد بعض المممارسات البيئية والاجتماعية "المسؤولة" والتي تسمح لها بالمساهمة أكثر في نمو مجتمعاتها وكوكبها عبر الاستثمار في موظفيها وفي المجتمعات وفي المبادرات الصديقة للبيئة. وأكثر من ذلك أيضاً، تولد بعض الشركات كمنصات جديدة لتحقيق التغيير، دامجة الأثر الاجتماعي والبيئي في نموذج عملها ومنتجاتها وخدماتها، وهي تفسح المجال لنماذج أعمال جديدة. وإذا كانت الانسانية محظوظة بما فيه الكفاية، فسثبت أنها قادرة على توليد نظام عالمي مستدام.
وأنا من جهتي سوف أبقى متعطّشة لمقابلة المزيد من هؤلاء الرياديين الناشئين الملهمين، وأنا ممتنة جداً لأن أنتمي إلى منظمة يقودها قائد ملهم، هو فادي غندور، الذي هو ليس ريادياً اجتماعياً فحسب بل رائداً في قلب الوضع الراهن من خلال تأسيس آرامكس، وتعزيز شبكتها وبنيتها التحتية وتمكين كل واحد منا من أن يكون ريادياً اجتماعياً يساهم في مجتمعه وكوكبه.
ــ
ريم خوري هي المديرة التنفيذية للعمليات في آرامكس، إحدى الشركات الرئادة في الحلول اللوجيستية والنقل. وهي أيضاً عضو في مجلس إدارة "روّاد التنمية" وهي شركة خاصة للتمكين الاجتماعي تساعد المجتمعات المحرومة في تجاوز تهميشها عبر النشاط الشبابي والمشاركة المدنية والتعليم. يمكنك التواصل معها عبر تويتر على العنوان @reemkhouri.