مجتمع ريادة الأعمال
كثر في الآونة الأخيرة الحديث،
عالمياً وإقليمياً، عن أهمية إنشاء ثقافة ريادية والدور الذي يمكن
لثقافة مماثلة أن تؤديه في إعادة الانتعاش الاقتصادي. ولا بد أن تكون
الدعوة إلى "ثورة ريادية" إحدى أولويات العالم اليوم. لكن علينا توخي
الحرص حتى لا نعرف ريادة الأعمال بشكل ضيق جداً. تنبع ريادة الأعمال
في جوهرها من ذهنية استباقية تشجع على الإحساس بالملكية والمسئولية
تجاه المشاكل المحيطة بنا في المجتمع وتراها فرصاً ينبغي استغلالها
وترحب بأية مخاطر وإخفاقات قد ينطوي عليها إيجاد الحل.
في معظم الحالات، تركّز المناقشات حول إنشاء ثقافة ريادة الأعمال
حصرياً على المساعي الرامية إلى إنشاء نظام إيكولوجي من العمال
والموظفين يتمحور حول الأعمال. لكن رواد الأعمال هم في الحقيقة
مجازفون وأصحاب أعمال غير موجودين في بيئاتنا المعتادة. لذا أعتقد أنّ
التركيز على الأعمال فحسب في مفهوم الريادة ضيق للغاية وقد يصبح ضاراً
جداً على المدى البعيد.
وحيث أن معدل بطالة الشباب في أعلى مستوياته على الصعيد العالمي، يجب
أن يكون توفير فرص العمل أولوية رئيسية بالنسبة لاقتصادات منطقة الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن التركيز المقتصر على توفير فرص العمل فقط
يفوّت فرصة كبيرة لتحسين مستقبل المنطقة جذرياً. على الحكومات
والهيئات الأخرى التي تعمل على تأسيس ثقافة ريادية ألا تغفل عن أهمية
خلق مواطنين يتمتعون بروح المبادرة وريادة الأعمال خارج مكان
العمل.
في الشرق الأوسط الجديد ، يجب ألاّ نتخلى عن أي تغيير إيجابي محتمل
يمكن للثورة الريادية أن تحققه وعلينا أن نرى ريادة الأعمال من خلال
عدسة أكبر وأكثر شمولية. على الثورة الريادية أن تشمل جميع أفراد
المجتمع بقدراتهم المختلفة وأن تؤسس لثقافة تشعر بالملكية والمسئولية
تجاه مشاكلها وتفكر في الحلول بأسلوب نقدي ومبدع، حتى إن كانت هذه
الحلول خارج إطار الأعمال وقد لا تؤدّي إلى إنشاء شركات فعلية. ضمن
هذا الإطار مثلاً، فالأستاذ الذي يستخدم التكنولوجيا في الصف لشد
انتباه طلابه هو رائد أعمال سواء فشل أو نجح. كذلك الأمر بالنسبة
للرئيسة التنفيذية للشركة التي تخصص وقتاً بعد العمل للتوعية بشأن
قضايا محلية مهمة؛ إنها رائدة أعمال سواء نجحت في حل مشكلة نقص
المعلومات أو لا.
أمام ريادة الأعمال فرصة للعب دور محوري في دفع الشرق الأوسط نحو
التقدم وإنشاء مجتمع مدني أكثر انخراطاً ونشاطاً. ويمثّل علو شأنها
فرصة لإنشاء ثقافة تقدّر التعلم مدى الحياة وتطبّقه وتشعر بمسئوليةٍ
مباشرةً تجاه كل مشاكلها. لا يمكن أن يؤدي تعزيز مجتمع مماثل إلا إلى
بيئة أفضل للشركات الراعية والشركات الناشئة. بحيث تتواجد الشركات
القائمة حالياً ومستقبلاً في منطقة سكانها عموماً رياديين بطبيعتهم
ولم يعودوا يروا المشاكل كعقبات بل كفرص للتغيير الإيجابي
والتحسين.
في مقال رأي لشبكة سي أن أن صدر مؤخراً، صرّح مروان المعشر أنّ "ما
جرى في العالم العربي هو بداية عملية تغيير حقيقية ودائمة حيث اكتشف
المواطن العادي فجأةً القوة الحقيقية". على الحكومات في المنطقة
وغيرها من الهيئات التي تعمل على إنشاء نظام إيكولوجي ريادي الاستفادة
من هذا التغيير وتقويته لتمكين المواطنين من أن يصبحوا رواد أعمال
يجدون حلولاً مستمدة من طبيعتهم وطبيعة بيئاتهم ومراعية لثقافات
مجتمعهم للمشاكل التي تواجهنا اليوم.