كيف يستطيع رواد الأعمال وضع خطط أعمال فعالة
بعد أن يجد رائد الأعمال فرصة أعمال محتملة، عليه أن يقوم بوضع خطة أعمال للمشروع الجديد. فما الذي يجب أن تتضمنه الخطة الجديدة؟ وكيف يتأكد رائد الأعمال من قدرة خطته على جذب انتباه المستثمرين المحتملين؟
يشرح بروفيسور الإدارة في وارتون إيان ماكميلان أن خطط الأعمال يجب أن تتضمن عدة عناصر حاسمة: أن تعبر بوضوح عن حاجة في السوق؛ وأن تعالج المخاطر الملازمة للمشروع؛ وأن تقدر العائدات والأرباح المحتملة.
نوليدج في وارتون: بروفيسور ماكميلان، شكراً جزيلاً على تفضلك بالحديث معنا عن ضرورة قيام رواد الأعمال بكتابة خطط الأعمال. لننطلق من سؤال أساسي: ما هي خطة الأعمال بالضبط؟
إيان ماكميلان: خطة الأعمال هي وثيقة تتكون من 25 أو 30 صفحة كحد أقصى، تصف وتحلل وتقيم المشروع الذي ترغب في أن تقوم جهة ما بتمويله. وتزود هذه الوثيقة القارئ، وهو مستثمر عادةً، بمعلومات بالغة الأهمية عنك، أنت رائد الأعمال، وعن السوق الذي تنوي دخولها، وعن المنتج الذي ترغب في طرحه، وعن استراتيجية دخولك، والآفاق المالية، والمخاطر التي يتعرض لها كل من يستثمر في المشروع.
نوليدج في وارتون: هلا تشرح لنا بعض هذه العناصر بشيء من التفصيل، وهلا تصف لنا كيف يتمكن رائد الأعمال من وضع خطة أعمال فعالة؟
ماكميلان: دعني استهلّ كلامي بالقول إن على رائد الأعمال الابتعاد عن وضع خطة أعمال مفصلة، ما لم يكن قد قام ببعض العمل التمهيدي. وما يحدث جوهرياً أنك تكتسب حق القيام بمزيد من العمل من خلال القيام بمقدار ضئيل منه. ولا بد، في البداية وقبل البدء بوضع خطة الأعمال، من التفكير ببيان مفهوم. ويتكون بيان المفهوم من ثلاث إلى خمس صفحات تقوم بإعدادها وتقاسمها مع العملاء أو المستثمرين المحتملين، كي تعرف إن كانوا يعتقدون أن الأمر يستحق تجشم عناء القيام بعمل أكثر تفصيلاً.
ويتكون بيان المفهوم من بعض الأجزاء. ويجب أن يشمل وصفاً لحاجة السوق التي يجب تلبيتها؛ ووصفاً للمنتجات أو الخدمات التي تعتقد أنها ستلبي هذه الحاجة؛ ووصفاً للموارد الرئيسية التي تعتقد أنها ضرورية لتقديم المنتج أو الخدمة؛ وتحديداً للموارد المتوفرة حالياً؛ وشرحاً واضحاً لما تعتقد أنها مخاطر محدقة؛ وأخيراً نوعاً من تقدير تقريبي جاهز للأرباح والربحية المتوقعة.
وتتلخص الفكرة في إعداد وثيقة المفهوم هذه، والبدء بتقاسمها مع الذين ينوون دعم مشروعك في حال تابعت القيام به. سيسمح لك هذا بإعادة النظر تبعاً للتعليقات والملاحظات التي تحصل عليها. وقد ينبئك تعقيب من الأطراف المعنية المختلفة، من قبيل العملاء أو الموزعين المحتملين، بأن هذا المفهوم لا يمثل فكرة جيدة حقاً. فلا تتجشم عناء إعداد خطة أعمال كبيرة.
نوليدج في وارتون: لنفترض أن بيان المفهوم حقق النجاح المأمول، وأنك ترغب في المضي قدماً في خطة الأعمال، فماذا يلزمك أيضاً؟ وأين يمكنك إيجاد المعلومات؟ قد يكون إيجاد بعضها صعباً، وخاصة المعلومات المتعلقة بالمنافسين.
ماكميلان: حقاً، إنه لمن المهم التحدث إلى عملائك المحتملين. ويجب أن تجد من تعتقد أنهم سيشترون منتجك، وأن تناقش معهم ما يثير استياءهم في عروضك الحالية. ويجب أن تستشف منهم ما يقدم البديل لهم في الوقت الحالي. تذكر، أن العالم استمر نحو 100,000 عام دون فكرتك، وأن الناس تدبروا شؤونهم؛ ولم يفارقوا الحياة. لا بد من وجود شيء آخر يلبي لهم حاجتهم. لذلك، ما هو أقرب بديل منافس لما ترغب في تقديمه؟
ذلك ما يجب تحريه من خلال الحديث والاستماع. وجدير بك حقاً أن تنصت إلى من سيحررون لك شيكاً في نهاية المطاف نظير حماسك لمشروعك أو فكرتك.
قبل أن تواصل كتابة خطة الأعمال، فيجب عليك القيام بالمزيد من العمل. إذا بدا بيان المفهوم جيداً، فالخطوة التالية هي إجراء دراسة جدوى اقتصادية من 15 إلى 20 صفحة. ويعني هذا أننا سننقل هذه الفكرة إلى المستوى التالي. لقد تعلمنا من العملاء والموزعين المحتملين، وعرفنا من هم منافسونا الرئيسيون. وأعطينا هذه الفكرة شكلها على نحو أكثر وضوحاً، وبدأنا بالغوص عميقاً.
التحدي التالي الذي تواجهه هو، حسنٌ، إذا أسست هذه الأعمال، فكيف تثبت أن السوق ترغب حقاً في منتجك؟ باعتقادك، من سيحرر شيكاً مقابل الحصول عليه؟ ينبغي أن تبيّن بوضوح العوامل التي تجعل من منتجك أو خدمتك معقولة ومناسبة. فما الذي ينبغي القيام به بغية تحويل ذلك الشيء إلى واقع؟
يجب أن تشرح كيف تنوي ولوج السوق، وأن تحدد المنافسين الرئيسيين، وأن تضع خطة أولية، خطة غير مفصلة، تحدد فيها العائدات والأرباح المتوقعة، وتقدر فيها الاستثمار المطلوب وفقاً لوجهة نظرك. وعند ذلك فقط، أي بعد أن تكون قد بينت ذلك بوضوح، وبعد أن تكون قد تقاسمته ثانية مع مجموعة الأطراف المعنية بمشروعك، قد تصبح في وضع يؤهلك لكتابة خطة أعمال.
نوليدج في وارتون: بعد إجراء دراسة الجدوى الاقتصادية، وبافتراض حصولك على موافقة الأطراف المعنية على الاستمرار، فما هي الخطوة التالية؟
ماكميلان: تتمحور فكرة خطة الأعمال حول إقناع الأطراف المعنية. ويجب في المقام الأول أن نبرهن من خلال خطة الأعمال على أننا ندرك حاجات العملاء المحتملين، أي الحاجات التي لم تتم تلبيتها بعد. ثانياً، يجب أن ندرك نقاط قوة وضعف أكثر العروض الحالية منافسة لمنتجنا. ثالثاً، يجب أن ندرك المهارات والقدرات التي نتمتع بها نحن وفريقنا كرواد أعمال. بعد ذلك، ينبغي أن ندرك ما يجب أن يحصل عليه المستثمرون من استثمارهم، لأنهم يساهمون بأموالهم، ويجب أن تكون لديهم فكرة بسيطة عمّا سينالونه من عائدات. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الاستثمار منافساً للاستثمارات البديلة التي قد يتجه إليها المستثمرون.
وتكتسي فكرة إيضاح وشرح الجوانب المختلفة لمختلف الأطراف المعنية أهمية بالغة. وترتبط هذه العملية ببعض المتطلبات الأساسية في خطة الأعمال، أي إعداد ترتيبات مفصلة منذ البداية، لإثبات أن العميل سيقبل بها. ولعل فشل نحو ثلث المشروعات يعود لأن شخصاً ما أطلق منتجاً اعتقد أن العالم سيحبه، ليكتشف لاحقاً عدم اكتراث العملاء به أبداً. ويجب أن نسعى في خطة الأعمال نحو إقناع القارئ بوجود عملاء راغبين في شراء المنتج، لا لأنه منتج عظيم، بل لأنهم يرغبون فيه ومستعدون لدفع المال مقابل الحصول عليه.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تقنع القارئ بأنك تتمتع بشيء من وضع المالك الذي يمكنك الدفاع عنه. كما ينبغي أيضاً أن تقنع القراء بأن لديك فريق إدارة محفز وخبير، وأن لديك الخبرة والمقدرات الإدارية التي تمكنك من إنجاز المهمة. ويجب أن تقنع المستثمرين المحتملين بأنهم سيحصلون على عائدات أفضل من التي يمكنهم الحصول عليها في مكان آخر، ولذلك يجب أن تقدر القيمة الحالية الصافية لهذا المشروع. كما يجب أن تبين أن المخاطر التي يقدمون عليها ستترافق مع عائدات تتناسب مع تلك المخاطر. وإذا أخذت محتويات خطة أعمال نموذجية، فيجب أن تكون قادراً على إيضاح جميع هذه القضايا في 25-30 صفحة. سيشعر الناس بالتعب إذا قرؤوا الكثير.
والآن دعونا نلقي نظرة على مختلف مكونات وثيقة خطة الأعمال:
أولاً، يجب وضع خلاصة تجذب اهتمام المستثمر المحتمل. ويجب ألا تتجاوز المساحة المخصصة لها صفحتين. ويقصد من الخلاصة إقناع المستثمر المحتمل بمواصلة القراءة والقول، "هذا جيد! لهذا يجب أن أعرف المزيد عن خطة الأعمال هذه".
بعد ذلك، يجب القيام بتحليل للسوق. ما هي السوق؟ بأي سرعة تنمو؟ ما حجمها؟ من هم اللاعبون الرئيسيون؟ بالإضافة إلى ذلك، لا بد من وجود قسم خاص بالاستراتيجية. ويجب أن تعالج أسئلة من قبيل، "كيف ستتعامل مع هذه السوق؟ وكيف ستكسب معركتك فيها في ظل المنافسة الحالية؟".
ويجب بعد ذلك وضع خطة تسويق. كيف سنقوم بتقسيم السوق إلى أجزاء؟ ما هي أجزاء السوق التي سنستهدفها؟ كيف سنستقطب اهتمام تلك السوق، وكيف سنجذبها إلى منتجنا أو خدمتنا؟
كما تحتاج أيضاً إلى خطة عمليات تجيب عن السؤال التالي، "كيف سنقوم بإنجاز العمل؟" كما تحتاج أيضاً إلى خطة تنظيم، تبين الأشخاص الذين سيشاركون في المشروع. ويجب وضع لائحة بالأحداث الرئيسية التي ستحدث خلال مسار الخطة. ما هي الأمور الرئيسية التي ستحدث؟ إن كانت خطتك عن منتج فيزيائي، فهل ستقوم بإعداد نموذج أولي أو نموذج مطابق؟ إن كان المنتج من البرمجيات، هل سيكون جزء منه نموذجاً أولياً؟ ما هي المعالم الرئيسية التي يمكن للمستثمرين من خلالها الحكم على التقدم الذي أحرزته على صعيد الاستثمار؟ تذكر أنك لن تحصل على نقودك كلها سلفاً. سيتوقف التمويل المخصص على قدرتك على إنجاز المعالم الرئيسية. لذلك، فحريّ بك أيضاً الإشارة إلى ماهية هذه المعالم.
كما يجب أن تشمل خطة الأعمال تقييماً عملياً للمخاطر الرئيسية. مثلاً، ما هي مخاطر السوق؟ ما هي المخاطر المحدقة بالمنتج؟ ما هي المخاطر المالية؟ ما هي المخاطر التنافسية؟ بمقدار صراحتك ووضوحك بشأن ذلك، بمقدار ما تنجح في إقناع المستثمرين المحتملين بأنك قد قمت بواجبك على أكمل وجه. كما يجب أيضاً أن تتمكن من الإشارة إلى كيفية التخفيف من حدة هذه المخاطر، لأنك إن كنت عاجزاً عن القيام بذلك، فلن يخاطر المستثمرون باستثمار أموالهم في مشروعك.
بعد ذلك، يجب التركيز على خطة مالية، تقوم من خلالها بتوقع ما ستكون عليه الجوانب المالية من وجهة نظرك خلال فترة تمتد خمس سنوات، وربما مع بيانات أو توقعات فصلية خاصة بالعامين الأولين وبيانات وتوقعات سنوية للأعوام الثلاثة التالية.
وتحتاج إلى بيان شكلي عن الأرباح والخسائر. كما تحتاج إلى ميزانية عمومية شكلية إذا كان لديك أصول في الميزانية العمومية. ويجب أن يكون لديك تدفق شكلي للسيولة النقدية. إن تدفق السيولة النقدية مهم، لأنه قد يودي بالأعمال إلى الفشل.
قد تكون أرباحك عظيمة في السجلات، ولكن السيولة قد تنفذ، ولذلك فلا بد من بيان شكلي للسيولة النقدية. كما يلزمك أيضاً خطة تمويل تشرح، مع تقدم المشروع، أجزاء التمويل التي ستحتاجها، وكيف ستقوم بجمع ذلك المال.
في النهاية، تحتاج إلى تقييم مالي تخبر من خلاله المستثمرين بالقيمة التي سيحصلون عليها من استثمارهم في هذا المشروع. ويمثل ما سبق هيكل الخطة بصورة رئيسية.
نوليدج في وارتون: لنفترض أنك قمت بكتابة خطة أعمال وقدمتها إلى المستثمرين. إلى أي حد يجب أن تلتزم بها؟ هل يعني ذلك أنك عندما تنفذ الخطة، فيجب أن ترفض الفرص الجديدة التي تصادفها لأنها لا تشكل جزءاً من خطتك؟ أم هل يجب التحلي بنوع من المرونة التي تسمح باستكشاف الفرص الناشئة؟
ماكميلان: ما يميز أكثر مشاريع رواد الأعمال أن الحصيلة غير مؤكدة فيها، لأن ما نقوم به جديد تماماً. وإنه لمن العسير توقع الحصيلة الفعلية. ومن الأخطاء الفادحة أن تقوم عن قصر نظر بإتباع الهدف الأصلي لمواجهة الشكوك التي تظهر لاحقاً.
والحقيقة أن الفرصة الحقيقية ستظهر بمرور الوقت. ويقوم رأسماليو مشاريع رواد الأعمال باستثمار مقدار صغير من الأموال في المشروع، ويسمحون لرائد الأعمال بدخول ذلك الحيز من السوق ومن ثم، وتبعاً للأداء ولقوة الدفع الواضحة التي تفلح في الحصول عليها في حيز السوق ذاك، فإنهم يعيدون النظر لمعرفة ما هي الفرصة الحقيقية. إنه لمن الجنون الإصرار على تنفيذ الخطة الأصلية بحذافيرها.
ولا يعني هذا أن بإمكانك التفريط في تحقيق أهدافك. والفكرة أنني أرغب في مواصلة السعي نحو تحقيق أهدافي، ولكن السبيل إلى ذلك يجب أن يتغير خلال مسار الخطة. وذلك بصورة رئيسية ما أدى إلى العمل الذي قامت به وارتون خلال الأعوام القليلة الماضية على صعيد استكشاف التخطيط المقاد. إنه أسلوب في التخطيط يقول، "سأقوم باستثمارات صغيرة. وإذا شعرت مبكراً أنني مخطئ، يمكنني الانسحاب سريعاً دون تكبد خسائر كبيرة. ولكن عندما أدرك ما هي الفرصة الحقيقية، يمكنني الاستثمار بقوة في هذه الفرصة".
نوليدج في وارتون: هلا أعطيتنا مثالاً عن شركة استخدمت عملية التخطيط المقاد بالاستكشاف، وأفلحت في نقل أعمالها إلى المستوى التالي؟
ماكميلان: إن إير برودكتس Air Products من الشركات التي أنجزت الكثير في هذا المجال. لقد أفلحت في استخدام التخطيط المقاد بالاستكشاف في إماطة اللثام كلياً عن أعمال مختلفة تماماً عن الأعمال التي كانت تقوم بها. وتقوم إير برودكتس بصناعة أشياء من قبيل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين والنتروجين. إنها شركة من النوع المحافظ. لقد تمكنت، بفضل استخدام التخطيط المقاد بالاستكشاف، من الانتقال بقوة نحو قطاع الخدمات. وعندما اعترفوا بأنهم تمكنوا من تقديم أداء موثوق ومتوقع في وجه طلب غير مؤكد، فقد طوروا مجموعة من المهارات التي سمحت لهم بدخول أعمال الخدمات التي يتفوق فيها العائد على الاستثمار والعائد على الأصول على بناء منشأة ضخمة.