ظهور "كبار الملائكة"
تتطلع فئة جديدة من المستثمرين في الخليج إلى جسر الفجوة بين التمويل التأسيسي ورأس المال المغامر. ما معنى هذا بالنسبة لرواد الأعمال في المنطقة؟
بقلم باتريك راما
إجتمعت الأسبوع الماضي مع أحد الأصدقاء لشرب القهوة، وهو فيروز سانولا الذي يدير إنتل كابيتال في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا. وتحدثنا عن كثرة من الصفقات المدرجة على جدول أعماله سواء كانت ممولة أو بالعناية الواجبة، ورغم تفاؤله الحصيف الذي يثلج الصدر فقد أشار إلى قاسم مشترك يجمع الكثير من هذه الشركات: إنه نقص رأس المال التأسيسي المتاح لهذه الشركات قبل البحث عن حلقة مؤسسية. فتأملت في الأمر، هل من فرصة هنا؟
صحيح أن أحداً لا يمكن أن يحسدنا على محدودية البنية التحتية التكنولوجية لدينا لكن رواد الأعمال لا يصلون إليها بسهولة في الشوق الأوسط، مع ذلك. لقد ماتت الصناعة ذات رأس المال الاستثماري الفقير في مهدها حتى قبل أن تبدأ النضج، كما أن كثيراً من الشركات التي استثمرت في المشاريع الوليدة خارج استثماراتها الأصلية وجدت نفسها تناضل من أجل بقائها. بيد أن هذه السحب القاتمة أثمرت في النهاية جانباً مضيئاً.
ظهرت في منطقة الخليج فئة جديدة من المستثمرين في مراحلهم الأولى، أطلق عليها اسم "كبار الملائكة"، وقد باتت هذه المجموعة الهجين بعض النماذج العنيدة للاستثمار في الشركات الوليدة في العالم العربي هزاً عنيفاً. لقد جد كبار الملائكة ليبقوا سواء كانوا مستثمرين متطورين من أمثال صديقي فيروز أو كانوا من المقيمين العرب أصحاب القيمة الصافية المرتفعة الذين يرغبون في استثمار أموالهم في السوق الرقمية المتنامية.
يعمل نموذج كبار الملائكة على جسر الفجوة بين المال التأسيسي المجموع من "ملائكة" الاستثمار التقليديين والاستثمارات الأكبر بكثير للمستثمرين المغامرين. ويستثمر كبار الملائكة عموماً في المشاريع التي هي نسبياً في مرحلة النشوء وليس في الملايين التي سوف يضخها المستثمرون المغامرون. وهذا يفيد كلا الطرفين لأنه يحرر المستثمر من المخاطر ويشجع رواد الأعمال على زيادة الكفاءة في استخدام رأس المال.
صحيح أن وادي السيليكون امتلأ عبر تاريخه بملائكة الاستثمار، وهم أفراد من أصحاب القيمة الصافية المرتفعة الذين يستثمرون أموالهم الخاصة أيضاً، لكن كبار الملاكمة ساعدوا رواد الأعمال على عبور هوة شاسعة بطريقتهم الفريدة رغم أوجه الشبه بينهم وبين المستثمرين المغامرين المؤسسيين. الظاهر أن هذا الاتجاه ينتقل إلى دول الخليج حيث يبدو أن السوق الرقمية بدأت تقلع سريعاً.بدأ كبار الملائكة بزيادة استثماراتهم عبر جمع الأموال من مصادر خارجية.
وكثير منهم رواد أعمال ناجحون في مجال التكنولوجيا أو مديرون تنفيذيون مخضرمون في قطاع التكنولوجيا. وهم يسعون، بخلاف ملائكة الاستثمار التقليديين، إلى اعتماد أسلوب عملي في تجهيز استثماراتهم وإنضاجها.
منذ عهد ليس ببعيد، قام رون كونوي، وهو واحد من أشهر ملائكة الاستثمار في منطقة خليج سان فرانسيسكو، بعرض نتائج عملية تدقيق لاستثماراته التي فاقت الخمسمائة مليون دولار خلال اثني عشرة عاماً مضت. ركزت استراتيجية كونوي بشكل كامل تقريباً على أداء المشاريع الوليدة والإيرادات التي حققها ملائكة استثمار من شاكلته. صحيح أن توزع إيراداته كان أعلى بكثير، إلا أن معظم استثمارات الملائكة تحقق وسطياً معدل عائدات داخلي عند نسبة 22%، وهي بذلك لا تتفوق على الأسهم والملكيات العامة فحسب، بل على رأس المال المغامر أيضاً.
من كبار الملائكة المعروفين رائد الأعمال السابق مايك ميبلز الذي استثمر في مشاريع إنترنت ناشئة مثل "تشغ ديغ" و"تويتر". وهو حالياً يدير بنجاح شركة فلودجيت التي تدير بدورها صندوقاً يزيد على 35 مليون دولار. وكان مايك، في آخر مرة تبادلت معه الرسائل الإلكترونية، منشغلاً بعملية نقل مكاتبه وجذب شريك له نظراً للأعداد الكبيرة من الصفقات المتدفقة عليه.
صحيح أن الوقت ما زال مبكراً على مقارنة الخليج بوادي السيليكون، لكن الجلبة القائمة حول المشاريع المنشأة حديثاً أمر لا لبس فيه. شكل استيلاء شركة ياهو عام 2009 على موقع مكتوب نقطة تحول بالنسبة لرواد الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي. وكان عدم الحصول على رأس المال المغامر قد دفع بمؤسسي مكتوب إلى تطوير بوابتهم المتواضعة في الوقت الضائع حتى استولى عليها صندوق تحوط مقره في الولايات المتحدة.
ومنذ قصة مكتوب، أصبح يشار على الدوام إلى ما يمكن أن تحققه الشركات العربية الوليدة. فحصلت هجرة جماعية لمبدعين تركوا وظائفهم المريحة المعفية من الضرائب من أجل العمل لتكوين رؤيتهم والاستفادة منها. وكانت "بلس تكنولوجيز" و"جيران" و"بيسل" من بين هذه المشاريع الوليدة التي استهدفت فرص السوق غير المخدومة في العالم العربي.
في تقريرها السنوي الأخير حول مؤشر جاذبية رأس المال المغامر، صنفت إيرنست آند يونغ الشرق الأوسط بين ثمانية مناطق، متقدماً على أوروبة الشرقية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن الشرق الأوسط لم يحظ حتى عام 2010 سوى بنسبة 3% من مجموع 197 مناقصة عالمية. والسبب المرجح لذلك هو النقص الحاد في تمويل ملائكة الاستثمار وليس نضوب الأفكار المستدامة التي يمكن استثمارها.إن دور كبار ملائكة الأعمال العرب يزداد أهمية ويحمل إمكانيات تحقيق الأرباح.
كارتيك رام هو نائب أول لرئيس مشروع One97للاتصالات الذي مقره في دبي، وهو مشروع اتصالات تدعمه من شركة إنتل كابيتال. وكان كارتيك، كرائد أعمال في سلسلة من المشاريع، مديراً تنفيذياً مؤسساً في شركات رائدة وليدة في وادي السيلكون. وهو حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من كلية الأعمال في لندن.