اسكدنيا للبرمجيات: عقد من التأسيس
لقد أصبح المستثمر الذي راهن بشكل كبير على أسهم مايكروسوفت (Microsoft) في ثمانينات القرن العشرين مليونيراً اليوم. وحدث الأمر ذاته مع الذين استثمروا في أوراكل (Oracle) وساب (SAP) وآي بي إم (IBM) وأبل (Apple)، وغيرها من شركات تطوير البرامج القليلة، التي ما زالت تلبي احتياجات عملائها الرئيسية على نحو فعال. ولكن، قد يوجد مئات من البرامج التي أخفقت، مقابل كل برنامج واحد ناجح. وتبقى صناعة البرمجيات واحدة من أكثر الصناعات تنافسية، التي تصعب إدارتها في السوق العالمية.
يمثل النمو المستدام معيار النجاح الحقيقي في هذه الصناعة. لذلك، فليس مستغرباً أن نسمع أحد مؤسسي شركة تطوير البرمجيات المحلية إسكادينيا سوفتوير (Eskadenia Software) يقول إن شركته لم تجتز عتبة مرحلة التأسيس حتى الآن، أي بعد تسع سنوات من العمل في الأسواق الأردنية والإقليمية. ويضيف نائل صلاح، مؤسس الشركة ومديرها العام: "لقد بلغت الشركة حالياً نهاية الفصل الأول، عقد من السنين تقريباً، وأصبحنا مستعدين للمرحلة المقبلة التي ستطلقنا على المستوى العالمي".
إن ضحى عبد الخالق، المدير التنفيذي لإسكادينيا سوفتوير، هي المؤسس الثاني. بدأت قصة شركتهما في عمان، بينما تطورت خبرتهما المهنية ونضجت في السويد ما بين عامي 1983 و2000. وعمل صلاح في شركة إريكسون (Ericsson) في السويد، ليصل إلى منصب رفيع المستوى، ألا وهو نائب الرئيس. وتزوج من ضحى عبد الخالق، التي كانت تعمل أيضاً في إريكسون في تسعينات القرن العشرين. وقضى كلاهما أربع سنوات في الصين، التي تتمتع فيها إريكسون بتواجد ضخم. وأرسلتهما إريكسون عام 1999 إلى لبنان، حيث أمضيا سنة واحدة، وقررا إثرها الاستقرار نهائياً في عمان لتأسيس إسكادينيا سوفتوير عام 2000. إن خلفية صلاح الأكاديمية هي الهندسة الإلكترونية، وكان هذا هو مسار حياته المهنية بالفعل، في حين تحمل ضحى عبد الخالق شهادة في الحقوق وقد مارست المحاماة في الأردن.
قام مؤسسا الشركة بتوزيع الوظائف التنظيمية والمهام بوضوح حرصاً على تأمين سير عمل سلسٍ خالٍ من التعارض. يدير صلاح قسم الأبحاث والتطوير وتوسيع الأسواق، أما ضحى فتشرف على تطوير الكفاءة وتحرص على أن تقدم الشركة لعملائها ما وعدت به، أي التكيف مع السوق. وتضيف: "أحرص على أن ينال العملاء ما يتوقعونه من الشركة ككل، كما أنني معنية أيضاً بتعميم المعرفة الإستراتيجية وتحويل الأنظمة.... فأنا نوع من حلال المشاكل التنظيمية".
لقد بنت إسكادينيا سوفتوير، التي تتخذ من عمان مقراً لها، أعمالها بالمثابرة "خطوة بخطوة". وبعد تأسيس الشركة عام 2000، العام الذي وصلت فيه فقاعة أعمال الإنترنت إلى أوجها، حققت الشركة نمواً بطيئاً ثابتاً حتى بعد انفجار الفقاعة عام 2001 وتراجع الأسواق.
كانت قوة البقاء لديهما تنبع من صيانة سمعتهما بصبر لتطوير منتجات برمجية هامة. ويشرح صلاح ذلك قائلاً: "ينصب تركيزنا على تطوير المنتج واستقراره، وعلى علاقات العملاء، كما أننا نعتمد على عملاء معينين يطلبون عقوداً في مجالات محددة، كالاتصالات مثلاً".
بدأت إسكادينيا سوفتوير بمنتجات بسيطة ومشاريع تطوير شبكية قبل قيامها بتقديم عروض لمناقصات محلية في مجال تكنولوجيا المعلومات. وشقت الشركة طريقها إلى الأسواق الإقليمية في نهاية المطاف. واستمرت في الإصغاء للعملاء المحليين والإقليميين ومتطلباتهم، وفي استغلال القرب الجغرافي لتقديم خدمات أفضل بأسعار تضاهي أسعار المنافسين الدوليين.
كما قاومت الشركة في البداية إغراء بيع خدماتها، قبل بلورتها، في الأسواق الغربية شديدة الازدحام، وواصلت الاستثمار في ركن ضيق خاص بمنتجات برمجيات الأبحاث والتطوير الهامة للأسواق الإقليمية.
تقول عبد الخالق: "إننا نركز على توليد القيمة المضافة وأنشطة التصدير، أي أننا مصنع لتكنولوجيا المعلومات إذا جاز التعبير. لقد تبين أن نموذج أعمال البرمجيات الذي اعتمده الآخرون محدود، وقد أدى بالبعض إلى الانهيار". لقد اتبع معظم نظرائهم الأردنيين في أواخر تسعينات القرن العشرين مسار نمو مختلفاً، وقاموا بتوريد الخدمات إلى شركات برمجيات غربية عملاقة. ولكنهم عجزوا عن الاستمرار مع وجود منافسة من شركات برمجيات أضخم، وتتمتع بموارد أكبر في الهند وروسيا والصين وغيرها.
يقول صلاح: "حتى الآن لم نقم، حقيقة، بعمليات توريد كبيرة. لقد أبقينا تركيزنا على تحسين منتجات البرمجيات الـ 25 التي أطلقناها في 2000 وما بعد. لقد كان نمونا ثابتاً طبيعياً؛ ونحن ننمو سنوياً بنسب ثابتة". لقد بدأت الشركة بخمسة عشر موظفاً، وازداد عددهم ليصل إلى 160 موظفاً هذا العام.
ويضيف: "إننا شركة قائمة على التكنولوجيا. وتعمل شركات كثيرة في التكنولوجيا على شكل وكالات بيع بالتجزئة وشراكات تكنولوجية. نحن لا ننتمي إلى أي نوع من ذلك؛ إننا نبني التكنولوجيا في الأردن من القاعدة إلى القمة، ونسعى لأن نصبح مورداً عالمياً لمنتجات البرمجيات".
جرى تطوير خطوط منتجات وخدمات إسكادينيا سوفتوير على نحو يسمح بدمجها عمودياً في كافة دوائر شركات زبائنها. لقد أتاحت منهجية تطوير المنتج هذه، التي تغطي المشروع بأكمله، للشركة، بالمنافسة في جزء صعب من السوق، هو برمجيات تخطيط موارد المشروع. ويضيف: "لقد ركزنا على تطوير المنتج واستقراره، وعلى علاقتنا بالعملاء، وعلى عملاء محددين يطلبون عقوداً في مجالات محددة كالاتصالات". لقد حققت الشركة تواجداً قوياً في مجالات الاتصالات والمشاريع والتأمين والتعليم والإنترنت. كما تمكنت أيضاً من اختراق أسواق التصدير في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وأرمينيا وكردستان وألمانيا وبلجيكا والمملكة المتحدة. ولا تشكل السوق الأردنية حالياً سوى 15 بالمئة من إجمالي مبيعات المنتجات والخدمات.
قد تكون البرمجيات أعمالاً يصعب عليها اختراق الأسواق الدولية، ولكنها تتمتع بمزية كبيرة على صعيد التصدير. فهي، باعتبارها منتجاً رقمياً، عصية على الحواجز التجارية، ويمكن شحنها إلكترونياً. لعلهما مبتذلان، ولكننا أحيينا مصطلحي القرية العالمية والتمكين في صناعة البرمجيات، كما يقول صلاح، "باعتمادنا على شبكة الإنترنت لشحن منتجاتنا، وتطويرها ودعمها وإصلاحها دون الحاجة إلى مغادرة عمان".
إن العمل على المستوى العالمي مكلف لأي شركة. لذلك، وبهدف جعل الأمر أكثر فعالية من حيث التكلفة، تتعاقد الشركات مع شركاء توزيع محليين موثوقين، وتنشئ علاقة شراكة معهم. ويقدم الشركاء المحليون المعرفة بالسوق المحلية، التي يمكن أن تنقذ المصدرين الجدد من ارتكاب أخطاء باهظة الثمن في الأسواق الأجنبية. ويقول صلاح: :"نحن نعتمد على التسويق بالتوزيع، لأنه السبيل الأكثر فعالية لاختراق أسواق التصدير. كما أنه أكثر فعالية في الوصول إلى المزيد من العملاء في الأسواق المحلية".
ويعود تركيز إسكادينيا سوفتوير على انتهاج إستراتيجية منتج البرمجيات، بدلاً من منهجية مقدم الحلول لأسواق تكنولوجيا المعلومات عليها، بكثير من الفوائد المالية والتنظيمية، كما يعتبر مفتاحاً للنمو بعيد الأمد. وتشرح عبد الخالق ذلك: "تُدفع تكلفة الأبحاث والتطوير مرة واحدة عند بناء منتجات أصلية، وعندما نطلقها إلى أسواق مختلفة، تتضاعف المكافآت المالية عدة أضعاف".
ويضيف صلاح إن تكلفة أبحاث وتطوير منتج في الأردن منخفضة نسبياً قياساً بأسواق الدول المتقدمة. "وكان البرنامج الأول الذي نطلقه برنامجاً لشركة تأمين، وكان حلاً إجمالياً ناجحاً. وما زلنا حتى الآن نطرح إصدارات جديدة منه في أسواق مختلفة".
وتشعر عبد الخالق بالرضا إزاء ظهور المواهب في الأردن في هذا المجال، ولكنها منزعجة من شكوى الكثيرين من عدم توفر المواهب الأردنية. وتضيف: "لا يمكننا تحميل الموظفين مسؤولية أية نتائج قبل قيامنا بالاستثمار فيهم بصورة كبيرة لبناء قدرة محددة لديهم. وإذا افترضت ببساطة أنهم عاجزون عن القيام بهذا العمل، فلا تلمهم على عدم تحقيق توقعاتك! إن تطوير الكفاءة المتخصصة هو المفتاح هنا!".
تتمتع إسكادينيا سوفتوير، كما يقول الشريكان، بنسبة تغيير موظفين ضئيلة مقارنة بالمعدل الوسطي في هذا المجال من الأعمال. ولا يمانعان بأن يكون هذا المعدل الوسطي مرتفعاً. ويشرحان أن "استبقاء الموظفين بنسبة 100 بالمئة ضرب من المحال". وتضيف عبد الخالق: "إن معدلاً منخفضاً لتغيير الموظفين ليس ظاهرة صحية. فالدم الجديد في المؤسسة يبقيها قوية ومبدعة وتحركها الأفكار".
ولكن الشركة ما تزال راغبة في الاحتفاظ بمواهبها الأساسية. ويعني هذا تطبيق خطط لإستبقاء المواهب، كخيارات الأسهم، للاحتفاظ بالموظفين الهامين. لذلك، فقد قامت إسكادينيا سوفتوير في 2008 بتغيير وضعها القانوني لتصبح شركة خاصة مساهمة، استعداداً لإدخال نظام خيارات الأسهم للموظفين. وأضافت عبد الخالق: "سوف نستخدم خيارات الأسهم في إستراتيجية احتفاظنا بموظفينا في أقرب وقت، وكنا قد أدخلنا شكلاً من أشكال اتفاقات خيارات الأسهم منذ عام 2000، وما يزال كثير من الموظفين الذين وقعوا عليها معنا حتى اليوم".
حلم التكامل
كمعظم رواد الأعمال الأردنيين، يربط المؤسسان حيوية مستقبل مجال عملهم بحلم إنشاء السوق العربية المشتركة، وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وتضيف عبد الخالق "إننا حقاً نتمنى أن ينضم الأردن في نهاية المطاف إلى سوق دول مجلس التعاون الخليجي في بعض النواحي، فنحن ننسجم مع هذه السوق بصورة طبيعية، ويمكننا تقديم مجموعة مواهب رائعة، أخذين مستوى التعليم في الأردن بعين الاعتبار.
ويضيف صلاح أننا إذا رغبنا في تحقيق التكامل الإقليمي، فيجب أن ننظر إليه على أنه يعود بمنفعة متبادلة على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأنه سيساعد على استقرار المنطقة. "عندما يحدث هذا، فلن يعود بالنفع على الأسواق لوحدها، لأن التفاعل الناتج عن انتقال رؤوس الأموال والموارد البشرية بحرية عبر مختلف دول المنطقة، سينقل ثقافة التنمية أيضاً إلى المناطق غير المتطورة في العالم العربي. وستنتشر التنمية بالعدوى، لتأتي الاستثمارات بعد ذلك".
وتؤكد عبد الخالق أن صناعة الخدمات في العالم العربي تتمتع بإمكانيات كبيرة، ولكنها غير مستغلة. ولن يكون استغلالها ممكناً إلا من خلال دمج الأسواق. "يجب أن يفتح المستقبل الحدود، وأن يسمح بتجول العمالة والكفاءة، كما يجب أن يسمح بتدفق المعرفة والاستثمارات".
وتضيف: "يتوقع تقرير التنمية العربية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يجب أن تتمكن، بحلول عام 2020، من توليد 50 مليون فرصة عمل جديدة لاستيعاب النمو في قوة العمل، ولن يحدث هذا إلا إذا بدأنا بالاستعداد للتكامل منذ اليوم. ويجب النأي بأي شكل من أشكال التكامل عن السياسة، إذا أردنا خلق بيئة السوق الحقيقية المستقبلية".
يتمتع الأردن بالإمكانيات التي تؤهله لتزويد الصناعة العربية بخدمات تكنولوجيا المعلومات ومواردها البشرية. ووفقاً لإسكادينيا سوفتوير، كانت قيمة قطاع تكنولوجيا المعلومات الأردني بأكمله تقدر بنحو 900 مليون دولار عام 2007، علماً بأن هذه القيمة تنمو باستمرار. ويشمل هذا كافة الصادرات والمبيعات المحلية.
ويقول صلاح: "من وجهة نظري، واستناداً إلى إحصائيات عام 2007، أتوقع أن تصل صادرات قطاع تكنولوجيا المعلومات الأردني إلى نحو 250 مليون دولار هذا العام". ويتفق الاثنان أيضاً على أن صناعة تكنولوجيا المعلومات قد بدأت لتوها في العالم العربي، ومازال أمامها شوط طويل كي تقطعه وتنمو. ويضيفان: "إننا مشغولان بالاستعداد للمشاركة في تقديم منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات من الأردن إلى الأسواق الإقليمية والعالمية".