الوصول إلى التمويل وريادة الأعمال والتنمية الاقتصادية
بقلم: أيمن إسماعيل
منذ قرن تقريباً، نشر عالم اقتصاد نمساوي يدعى جوزيف شومبيتر[1] فكرة تقول إن ريادة الأعمال هي في صميم التنمية الاقتصادية. ونتيجة أبحاثه، صار من المتفق عليه اليوم أن رواد الأعمال هم المبتكرون الذين يخلقون مشاريع جديدة تنمي الاقتصاد.
لكن، بما أن رواد الأعمال يطورون مشاريعهم الجديدة لتصبح شركات كبيرة راسخة، فهم في حاجة إلى الوصول إلى تمويل يتجاوز ما يمكنهم جمعه من خلال مدّخراتهم الشخصية والعائلية. إنهم في حاجة إلى الحصول على رأسمال مؤسسي، وهو المصدر الرئيسي إذا كان بشكل قروض طويلة الأجل من المصارف التجارية. لذلك فإن الوصول إلى التمويل عنصر حاسم في نمو مشاريع ريادة الأعمال هذه؛ لكن المصارف والمؤسسات المالية الأخرى في كثير من الاقتصاديات الناشئة، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية خاصةً، لا تؤدي دوراً فعالاً في تقديم هذا التمويل لرواد الأعمال.
يرتبط جزء حاسم من الحلقة القوية في النمو الاقتصادي بكفاءة التعبئة وتوجيه المدّخرات الوطنية ورأس المال الأجنبي نحو رواد الأعمال من خلال المؤسسات المالية والمؤسسات الوسيطة. ويقوم رواد الأعمال بدورهم ببناء القدرات المنتجة وزيادة فرص العمل والإنتاجية وترجمتها إلى مزيد من المدّخرات، وبالتالي إلى استثمارات أخرى.
لكن، إذا لم يكن الاقتصاد قادراً على تعبئة المدّخرات المحلية في استثمارات جديدة ومشاريع في ريادة الأعمال، فلن تترجم هذه الاستثمارات إلى النمو المنشود وزيادة الإنتاجية وفرص العمل. لذلك، فإن فعالية توجيه الموارد أمر حيوي بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية بسبب وجود الزيادة الضخمة في أعداد السكان والتي ينبغي أن تقابلها زيادة مماثلة في تعبئة رأس المال من أجل توفير فرص العمل للقوى العاملة المتزايدة.
إن تعبئة المدّخرات وتخصيص الموارد بفعالية دوران حاسمان منوطان بالمصارف والمؤسسات المالية الأخرى التي تعتبر أساسية بالنسبة لتطوير ريادة الأعمال. لكن تحليل البنك الدولي للاقتصاديات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية يظهر أن المصارف لا تؤدي هذا الدور على نحو فعال: معظم شركات ريادة الأعمال لا يتاح لها الحصول على الائتمان المصرفي طويل الأجل إلا بشكل محدود، في حين نجد لدى معظم المصارف مدّخرات فائضة لا تتم تعبئتها في استثمارات محلية منتجة[2].
كما أن المصارف في معظم الاقتصاديات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية لا تبدي ما يكفي من المرونة والفعالية في توفير الاستثمارات المطلوبة لتتناسب مع معدلات النمو اللازمة؛ حيث تطبق الدولة رقابة صارمة على النظام المصرفي من خلال امتلاك كبرى المصارف الوطنية وتشغيلها بشكل مباشر؛ أو تقييد دخول المصارف الأجنبية؛ أو وضع قيود صارمة على المنتجات والخدمات التي تقدمها المصارف. تقول الحكومات إن هذه الضوابط ضرورية لحماية اقتصادياتها الناشئة من الأوضاع السيئة مثل الأزمة المالية الآسيوية، والتي قد تنجم عن السرعة في رفع القيود عن الأسواق المالية.
تؤدي هذه الضوابط المفروضة على القطاع المصرفي، إلى جانب عوامل أخرى مثل الإمكانيات المحدودة للمصارف الوطنية والمؤسسات المالية الأخرى، إلى تقييد حصول الشركات المحلية على التمويل من القطاع المصرفي. ونذكر هنا، كمثال على ما نقول، أن أربعاً من أصل كل خمس شركات مصرية لا تستخدم الائتمان المصرفي طويل الأجل لتمويل استثماراتها أو رأس المال العامل؛ بل تعتمد بدلاً من ذلك على موارد أخرى مثل الأرباح غير الموزعة أو المستثمرين الأفراد (من العائلة أو الأصدقاء)[3]. ونظراً إلى دور ريادة الأعمال كمحرك للنمو من خلال تكوين اقتصاد متنوع وإيجاد فرص العمل، ينبغي على حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقية أن تشجع المنافسة والابتكار في القطاع المالي وأن تؤمن إطاراً تنظيمياً محفزاً بحيث تتمكن من لعب دور إيجابي في نمو الاقتصاديات وتطورها.
* * *
المصادر
دومار، إفسي. 1947. "توسع رأس المال، معدل النمو والتوظيف". إيكونوميكا 14:137-147.
ليفين، روس. 1997. "التنمية المالية والنمو الاقتصادي: الآراء وأجندة الأعمال". مجلة الأدب الاقتصادي (Journal of Economic Literature). 35:2، 688-726.
ريكاردو، ديفيد، 1963 (1817). مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب. المجلد الأول. إلينوا: ر.د. إيروين.
شومبيتر، جوزيف. 1942. الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية.
سميث، آدم. 1979 (1776). ثروات الأمم. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو.
دراسات البنك الدولي حول المشاريع. http://www.enterprisesurveys.org.
البنك الدولي. 2005. "تقييم مناخ الاستثمار في مصر".