الموقع الإلكتروني لا يكفي لإنقاذ العالم [رأي]
ينبغي على روّاد الأعمال الاجتماعية الطموحين أن يعرفوا أنّ عنصر التكنولوجيا ليس إلّا جزءاً صغيراً من عملية إيجاد حلٍّ للمشاكل الاجتماعية، وأنّه يمكن أن يتطلّب الأمر التصدّي لبعض الممارسات الاجتماعية الراسخة.
في الكثير من ماراثونات الأفكار ومسابقات الريادة الاجتماعية التي أشارك فيها، تتكرّر فكرة إنشاء منصّةٍ إلكترونية لتمكين المتطوّعين من العثور على الفرص التطوّعيةالمناسبة. وهذا يشكّل مثالاً جيّداً عن حاجة الريادة الاجتماعية إلى إدراك حقيقة التكنولوجيا عند إيجاد حلٍّ لمشكلةٍ ما.
أنشئ الموقع فربّما يأتون إليك
فكرة إنشاء منصّاتٍ لعرض الفرص التطوّعية على المتطوّعين موجودة منذ فترةٍ طويلة، غير أنّ إنشاء الموقع الإلكترونيّ أسهل من التعامل مع المعايير الثقافية والاجتماعية التي تؤطّر العمل التطوّعي.
في المقابل، فإنّ الحاجة إلى بناء مثل هذه المنصّات كبيرة ولا تحتاج إلى الكثير من التحليل، لأنّ الفجوة واضحةٌ بين المتطوّعين المحتمَلين والمنظّمات غير الحكومية.
قابلتُ في الآونة الأخيرة فريقَين من برنامجَين مختلفَين يعملان على المفهوم ذاته، خلال ورشة عمل "مختبر الميديا" في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT Media Lab في دبي، وخلال فعالية "جسور" Jusoor في بيروت. ولكن ما لا يعرفه التقنيون الذين يحاولون إنشاء حلولٍ للعمل التطوّعي، أنّ الجانب التقنيّ هو الجانب الأقلّ صعوبة إلى حدٍّ ما.
عندما أطلقتُ "نخوة" Nakhweh قبل ستّ سنوات، شركتي الناشئة التي أنشأت شبكةً للتطوّع والتنمية، كنتُ أفهم المشكلة كما يفهمها هؤلاء الذين يعرضون أفكارهم في الفعاليات؛ كنتُ أعتقد أنّ الأمر كلّه يقوم على كتابة التعليمات البرمجية. ولكن لحسن الحظ، استطعتُ إدراك التحدّيات الأخرى كوني كنتُ من أوائل محرّكي السوق في هذا المجال في العالم العربي.
خلال تلك السنوات الستّ، انطلق الكثير من المنصّات المشابهة على مستويات محلّية وإقليمية في عدّة بلدان عربية، مثل "خيرنا" Kherna في مصر، ولكنّها سرعان ما أغلقَت.
ولعلّ ذلك لأنّهم لم يدركوا أنّ المنصّة لإلكترونية تشكّل الخطوة الأخيرة في أيّ عملٍ تطوّعي يهدف إلى التصدّي لمشكلة معقدة جدّاً.
المشاكل الحقيقية للعمل التطوّعي
خلال السنة الأولى من عمر "نخوة"، أدركتُ أنّ المشاكل الحقيقية لمطابقة المتطوّعين مع المنظّمات والفرص في المنطقة هي:
- غياب ثقافة العمل التطوّعي في منطقتنا، واختلاط الأمر غالباً مع العمل الخيري.
- كان الكثير من الشباب يعتقدون بأنّ التطوع عملٌ مجّانيّ، ولا يعرفون مدى فائدة تعزيز مهاراتهم الشخصية والفنية، خصوصاً مع الأنظمة التعليمية الضعيفة المهيمنة على العالم العربيّ.
- تعاني المنظّمات غير الحكومية من مشكلةٍ رئيسية تتعلّق بسوء فهم احتياجات المتطوّعين الذين يعانون من سوء الإدارة داخل المنظّمة، ما يؤثّر سلباً على صورة العمل التطوّعي بشكلٍ عام.
- كان هناك دائماً اتّهامات بالفساد للأعمال غير الربحية، ما جعل هذه الصورة النمطية تؤثّر سلباً على انضمام الشباب المهتمّين بالعمل التطوّعي إلى هذه الأعمال.
- لم تكن المعلومات المتعلّقة بالأثر الذي يتركه عمل المنظّمات والمبادرات واضحةً، كما أنّ عدد المنظّمات غير الحكومية القادرة على عرض تأثيرها بطريقةٍ واضحةٍ ومفهومة كان قليلاً جداً.
- تلكّؤ المتطوعين والمنظّمات في إخبار الناس بتجاربهم، ما يحدّ من إمكانية قياس أثر مثل هذه المنصّات.
أعتقد أنّ هذه المشاكل التي وردَت أعلاه هي السبب الرئيسي لإغلاق المنصّات الأخرى.
أمّا في حالتي، فقد قرّرتُ النظر إلى التحدّيات من منظورٍ مختلف، وذلك عن طريق الحفاظ على عنصر المطابقة مع محاولة الاستفادة من قوّة الشبكة والسمعة الحسنة التي رسّختها "نخوة" لمعالجة بعض النقاط المذكورة آنفاً.
بدأت "نخوة" بالتركيز على نشر الوعي حول العمل التطوّعي والمواطَنة الفعّالة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى العمل بشكلٍ وثيق مع المنظّمات الشبابية ومنظّمات المجتمع المدني لتحسين تجارب العمل التطوعيّ.
بالإضافة إلى ذلك، استفدنا من شبكتنا لتوفير مزيدٍ من الفرص لروّاد الأعمال الاجتماعية والناشطين (مثل التمويل، والتغطية الإعلامية، والمشروعية، وغيرها)، وكذلك لاستخراج الرؤى والأفكار من المجتمع من خلال استطلاع مختلف الجِهات المعنيّة.
يشكّل العمل التطوّعي إحدى الأمثلة التي تدلّ على أنّ الحلول التي ترتكز إلى الإنترنت قد لا تكون السبيل الوحيد لمواجهة التحدّيات الاجتماعية. وتجربة "نخوة" في رفع الوعي والقيام بالمزيد من العمل الفعلي على الأرض، قد تنطبق على عدّة مجالات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحّية والفقر.
كذلك، ينبغي على البرامج والمنصّات التي تعتمد على التمويل الذاتي (وتتّبع سياسة الحدّ من النفقات والاستفادة القصوى من الموارد) أن تضيف إلى عملها عنصرَ بحوثٍ واضحاً جدّاً لتكون أكثر فعالية وتأثيراً. أمّا الأفكار فيمكن تكرارها أو تحسينها، وإذا كانت لا تعالج المشكلة الحقيقة سوف تفشل في إيجاد الحلول.