تعليم البرمجة سيكون في طليعة الوظائف الرقمية وهذه الشركة الأردنية تنتهز الفرصة
على الرغم من أن المواهب في المجال الرقمي لا تزال شحيحة على الصعيد الدولي، بالأخص في الشرق الأوسط، إلا أن سرعة نمو الاقتصاد الرقمي تسهم في زيادة الطلب على المختصين التقنيين ذوي المهارات العالية، ولا سيما مطوّري البرمجيات. وقد بدأت هذه الظاهرة في التأثير على سوق العمل، ويتوقع لهذا التأثير أن يستمر كما ذكرنا في مقال سابق.
وبحسب استطلاع صادر مؤخراً عن مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس Oxford Economics، من أجل سد الفجوة في المواهب الرقمية، يتعين توجيه المناهج من المدارس الابتدائية وحتى مؤسسات التعليم العالي نحو اكتساب المزيد من المهارات الرقمية والتقنية. ولعل هذا هو العامل الأساسي الذي دفع ريبل إت Repl.it إلى إطلاق عملياتها لتلبية حاجات هذا السوق.
يمكن وصف هذه الشركة الناشئة بأنها «منصة حاسوبية بلا خادم» وبيئة تطويرية سحابية تعمل على تيسير عملية البرمجة من خلال منصتها. فهي تقلل من الساعات الطويلة التي يقضيها المبرمجون لإعداد بيئة التطوير قبل أن يقوموا حتى بكتابة سطر واحد من الكود البرمجي. وتمكّن «ريبل إت Repl.it» مطوّري البرمجيات من الانتقال من مرحلة الفكرة إلى تطبيق عامل وجاهز للاستخدام في خلال ثوان معدودة. وفي حديث إلى "ومضة"، صرّح مؤسس الشركة أمجد مسعد: "يمكنك بدء مشروع جديد بمجرد الضغط على هذا الرابط فقط. ولست مضطراً لتسجيل دخولك حتى".
تسهّل هذه المنصة تعليم البرمجة لأنها تبسط «خطوة البداية» التي يعتبرها معظم المتعلمين عقبة كؤود في طريقهم. وسمحت لشركة «ريبل إت Repl.it» بصناعة منتج يمكن استخدامه في الغرف الصفية، مما يسهّل على المعلمين تحضير دروس البرمجة والتكويد كلها بسرعة. ويقول مسعد إن هذا المنتج نال إقبالاً واسعاً في المدارس والجامعات ومخيمات التدريب على البرمجة، مما دفع المؤسسين إلى ابتكار المزيد من الأدوات. وأضاف: "صنعنا تطبيقاً يناسب الغرفة الصفية، حيث ينشئ المعلمون غرفة صفية جديدة، ويختارون اللغة التي يريدون تدريسها، ثم يتشاركون الرابط مع الطلاب أو يوجهون لهم الدعوة عبر البريد الإلكتروني. تعمل المنصة بصفتها منظومة لإدارة التعليم، حيث يمكن للمعلمين أن يعدّوا فروضاً ليعمل الطلاب على حلّها وتقديمها. ويمكن للمعلمين أن يصححوا الفروض بطريقة مؤتمتة أيضاً. وكذلك باستطاعتهم كتابة أكواد برمجية بسيطة تمكنهم من أتمتة جزء كبير من عملهم".
نشأت فكرة «ريبل إت Repl.it» حين كان أمجد مسعد لا يزال طالباً في جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا في الأردن، قبل أن تنتقل الشركة إلى سان فرانسيسكو. فقد ملّ مسعد من إعداد بيئة البرمجة والتكويد كل مرة من أجل أداء فروضه الجامعية أو لمجرد التسلية، فابتكر مشروعاً بواجهة مفتوحة يُعتبر الموقع الأول من نوعه الذي يتيح للمستخدمين كتابة الأكواد البرمجية بعدة لغات عبر كلّ متصفحات الإنترنت.
وقد انطلق المشروع بالفعل، وبدأت تستخدمه شركات تعليم عبر الإنترنت مثل «كود أكاديمي Codecademy» و«يوداسيتي Udacity» بعد أن جعلت الشركة الناشئة جزءاً من التكنولوجيا مفتوح المصدر لتستخدمه هذه الشركات في التطوير. وقال مسعد: "لم نبدأ العمل على تأسيس الشركة سوى في عام 2016. وقد تعاونت مع المؤسسة الشريكة والمصممة هيا عودة والمهندس المؤسس فارس مسعد (شقيقي) في إطلاق بيئة التطوير في ربيع عام 2016".
شركة ناشئة برعاية مسرعة الأعمال «واي-كومبينيتور Y-Combinator»
إن «ريبل إت Repl.it» شركة ناشئة احتضنتها مسرعة الأعمال «واي-كومبينيتور». وبحسب مسعد، فإن كتابات بول جراهام، المؤسس الشريك لمسرعة واي-كومبينيتور حول لغة البرمجة «ليسب Lisp» (لغة برمجية حاسوبية طوّرها في ستينيات القرن الماضي جون مكارثي في معهد ماساتشوستس للتقنية) ألهمت قاسماً من العمل الذي تقوم به منصة «ريبل إت Repl.it».
وقال مسعد: "من خلال إرشادات بول جراهام تمكنا من تحقيق بعض القفزات في منتجنا خلال احتضان مسرعة واي-كومبينيتور لنا". وقد تمكنت «ريبل إت Repl.it» من إطلاق خدمة استضافة الويب، حيث نجحت في استضافة حوالي 30,000 موقع إلكتروني. وأضاف مسعد: "أنشأنا منصة حوسبة سحابية، تشبه «خدمات أمازون ويب Amazon Web Services» أو «مايكروسوفت أزور Microsoft Azure»، بما يتيح للشركات الأخرى استضافة مواقعها الإلكترونية على منصتنا السحابية. وبفضل هذه التقنية التي تميزنا بها، لا يحتاج المستخدمون إلى كثير من المعرفة الفنية في مجال الخوادم ليتمكنوا من استضافة مواقعهم الإلكترونية؛ حيث يمكنهم القيام بذلك في غضون ثوان معدودة بدلاً من ساعات. أطلقنا كذلك جزءاً مخصصاً لمنتدى على موقعنا الإلكتروني حيث يمكن للمستخدمين أن يتشاركوا منتجاتهم ويتحدثوا عنها وعن التطبيقات التي يعملون عليها، وهذا الجزء ينمو بوتيرة مماثلة للمنصة". كما أشار مسعد إلى انه حاول جمع المال لهذا المشروع في عمّان ولكنه لم يُوفّق. فانتقل للعمل بشركة ناشئة في الولايات المتحدة واستقر به المقام هناك، وقرر تأسيس شركة في سان فرانسيسكو حيث تتواجد شبكته. إلا أن عمّان لا تزال في باله، وقد تكون وجهة شبكته في المستقبل.
كيف تحقق الشركة الكسب المالي
لا تحقق «ريبل إت Repl.it» الربح بعد، ولكن مسعد يعقد آماله على نموّها بقفزات واسعة. فقد أعلن أن 200,000 مطوّر برمجيات يواظبون على استخدام المنصة أسبوعياً، وهم أشخاص يدخلون إلى الموقع ويكتبون الأكواد البرمجية كلّ أسبوع. وهذا الرقم يتغير بشكل مستمر مع نموّ الشركة. ويضمّ المستخدمون مجموعة متنوعة من المشتغلين بالمبرمجة وطلاب المدارس الثانوية والجامعات. يقيم حوالي نصفهم في الولايات المتحدة والباقون ينتشرون حول العالم.
توفّر الشركة الناشئة خدمة الغرف الصفية المدفوعة لمخيمات التدريب والجامعات، وتعتمد التكلفة على الحزمة التي تطلبها المؤسسة. وتبدأ العروض بحزمة مجانية لاستخدام «ريبلز Repls» و«ريبل إمبيدز Repl Embeds» غير المحدود (وهما أداتان لتضمين بيئة برمجية، بالطريقة نفسها التي يتم بها تضمين مقطع فيديو على يوتيوب ولكن هنا للأكواد البرمجية) وملف حجمه الأقصى 2 ميجابايت. كما تتوفر حزم أخرى مثل حزمة «هاكر Hacker»، وهي باقة لمستخدم واحد تتيح استضافة مشروع خاص مفتوح المصدر على «ريبل إت Repl.it». وتتكلف هذه الحزمة 7 دولارات في الشهر مع تخزين ملفات بحجم 100 ميجابايت، كما تضمّ مميزات أخرى.
وقد اكتسبت «ريبل إت Repl.it» عميلاً ثميناً جديداً في الشرق الأوسط، وهو كليات التقنية العليا في الإمارات، حيث تقوم الشركة بتدريس كيفية البرمجة والتكويد باستخدام «ريبل إت Repl.it» إلى آلاف الطلاب.
تحديات وعوائق
بحسب مسعد، فإن التقنية بحدّ ذاتها تشكل التحدي الأكبر الذي تواجهه الشركة الناشئة حيث يتعين عليهم الحفاظ على الكفاءة والفعالية ذاتها وأسس برمجية محكمة يمكن الاعتماد عليها. وستستمر البرمجة في الانتشار وستزداد قوة وتطوراً. وأضاف: "يشكل هذا تحدياً لأنه في الوقت الذي تصبح أدوات البرمجة والتكويد أكثر تطوراً، يصبح من الأصعب إعدادها، لذا فالأمر يشكل تحدياً وفرصة لنا في آن واحد". كما أن استخدام التقنية السحابية بشكل شامل سيسهم في إدخال تعديلات على تطبيقات متنوعة. وتابع: "سنرى كيف سيكون نشر استخدام السحابة في غاية السهولة، لدرجة أنها ستصبح عادةً غريزية لدى المطوّرين. ونحن لا نزال في المراحل الأولى ممّا يمكن أن نطلق عليه "الحوسبة بدون خوادم" التي تمكّن مطوّري البرمجيات من تطوير تطبيقاتهم ونشرها للاستخدام دون أن يقلقوا من الموارد. وإننا نريد أن نؤدي دوراً في هذه الخطوة أيضاً".
فيما يخصّ توظيف مطوّري البرمجيات، وعلى عكس ما تواجهه معظم الشركات الناشئة، فإن المواهب موجودة بوفرة في سان فرانسيسكو ولم تعان «ريبل إت Repl.it» من أي نقص فيها - إلا أنها واجهت مشكلة أخرى: ألا وهي التنافس مع عدد كبير من الشركات الناشئة الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة والتي تجذب المواهب وتقدم لهم الكثير من الحوافز. وقال مسعد عن ذلك: "لا يبدو أن أصحاب المواهب يواجهون مشاكل في إيجاد عمل بعد الآن".
وعلى صعيد المنافسة، قال مسعد إنه من الصعب تصنيف «ريبل إت Repl.it» مما يجعل تحديد الجهة المنافسة أكثر صعوبة. وأشار إلى أن تصنيفهم كشركة تقنية تعليمية يختلف جداً عن تصنيفهم كشركة لأدوات تطوير البرمجيات. واضاف: "نحن في فئة ما في المنصف، إلا أنه لا توجد منافسة كبيرة في هذه الفئة".
البرمجة من أجل المستقبل
في 28 يناير الماضي، رحّبت مبادرة مليون مبرمج عربي بالدفعة الأولى المكوّنة من 100,000 طالب بدؤوا دروساً في البرمجة عبر الإنترنت ضمن أربعة مسارات تعليمية. تسعى هذه المبادرة، التي أطلقتها مؤسسة دبي للمستقبل تحت رعاية سموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس الوزراء حاكم دبي، إلى تقديم دروس مجانية في تطوير البرمجيات إلى مليون عربي. وقد جذبت هذه المبادرة حتى الآن أكثر من 466,000 طلب تسجيل، أتمّ منهم 217,515 نماذج طلبات التسجيل بالكامل لبدء الدورة الدراسية. وقد تلقت المبادرة طلبات التسجيل من عدة دول، منها الجزائر ومصر والعراق والأردن والمغرب وفلسطين وقطر والسعودية والسودان وسوريا والإمارات واليمن.
ويرى مسعد أنه مع أن البرمجة "باتت أكثر انتشاراً ورواجاً" في المنطقة، إلا أنه يتعين أن "نتقدم بشكل أسرع وأكثر قوة". وبحسب مسعد، للمرّة الأولى في التاريخ أصبح بإمكان الإنسان أن يصنع ثروته انطلاقاً من موارد قليلة: فكلّ ما تحتاج إليه هو جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت حتى تخترع ابتكاراً شبيهاً بمحرك جوجل. وشرح قائلاً: "إذا تأملت تاريخ الإنسان ودورات الابتكارات المختلفة، ستكتشف أن الإبداع لم يكن بهذه السهولة قطّ ... فلا تحتاج إلى الكثير من رأس المال أو الموظفين لتبتكر أمراً جديداً. إنها فرصتنا لننمو ونزدهر". وأشار إلى أنه بينما نتقدم سريعاً نحو عصر الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والاتصال الفائق، يجب أن يتمتع الجميع بالقدرة على فهم التكنولوجيا بل وصنعها، وتوجد فرص عديدة تتيح ذلك.