المحطّات الذكية للباصات تأتي إلى لبنان
يقدّر مشروع "الطرق والعمالة" Roads and Employment Project الذي وضعه البنك الدولي للبنان في العام 2017، إجمالي شبكة الطرق اللبنانيّة بنحو 21705 كليومترات منها 6380 كيلومتراً من الطرق الرئيسيّة. ويظهر المشروع أنّ هذه الشبكة في حالة سيئة بسبب سنوات من غياب الاستثمار والصيانة عنها، ما يعيق تنمية الاقتصاد المحلّي.
وفي ظل غياب مشروع حكومي لتحسين جذري لوضع الطرق وخطة لتأسيس شبكة للنقل العام تشمل كافة الأراضي اللبنانية، تبرز مبادرات فردية تستهدف جوانب معيّنة في الطرق مثل انتظار ما بقي من باصات من خلال محطة ذكية صديقة للناس تخفف عنهم عناء الانتظار.
ولدت فكرة محطّة الباصات الذكيّة عندما سافر شربل الحاج إلى الخارج وتحديداً إلى إيطاليا ثمّ فرنسا لاستكمال دراسة الهندسة المعمارية. فالشاب الذي كان يتنقّل بالباص خلال دراسته الجامعية في لبنان إلى أن سئم واشترى سيارة، وجد أنّ التنقّل في أوروبا أسهل بكثير ورغب في أن تكون له مساهمة ما مجال النقل في بلده الأم.
وهذه المساهمة جاءت على شكل شركة أسسها مع المهندسين رودريغ الهيبي ورالف الحاج تحمل اسم "إتش تو إيكو ديزاين كونتراكتينج" H2 Eco Design and Contracting تُعنى بتصميم دراسات وتنفيذ مشاريع من شأنها تنظيم وتطوير قطاع النقل المشترك في لبنان.
انطلقت الشركة في العام 2015 ككيان قانوني لتطلق أوّل مشاريعها حتّى الآن، وهو محطّة ذكيّة للباصات باسم Smart Bus Stop.
الخطوة الأولى
المحطّة الذكيّة للباصات هي عبارة عن مظلّة حديدية تغطّي المقعد المخصص للانتظار، وعلى سطحها ألواح للطاقة الشمسيّة تزودّها بالطاقة، ما يسمح بشحن الأجهزة المحمولة للركاب فيها أثناء الانتظار.
وتهدف هذه المحطّة إلى تسهيل تنقّل المواطنين بتوفيرها مكاناً مريحاً للانتظار، والمساهمة في تخفيف توقّف الباصات العشوائي على الطرقات بجمع راكبي الباص في مكان واحد، ما يريح كلّاً من سائقي الباصات والسائقين بشكل عام.
أمّا ما يميّزها عن محطّات الباصات الأخرى، إضافة إلى أنّها مزودة بألواح طاقة شمسيّة وبإمكانيّة لشحن الأجهزة المحمولة، هو أنّ شركة "إتش تو إيكو ديزاين كونتراكتينج" ستقوم "بصيانتها بانتظام"، على عكس ما يحصل عادةً مع محطّات الباصات المتوفّرة، كما يلفت الشريك المؤسس شربل الحاج.
بعد تطوير فكرتهم وتمويلها من مالهم الخاص، شارك المهندسون الثلاث في منصّة "زومال " Zoomal لجمع التمويل، وجمعوا حوالي 4000 دولار فقط "ما يساوي تكلفة تركيب محطّة باص واحدة"، حسبما يشرح شربل الحاج لـ"ومضة".
الطريق طويلة
لم يحبط ذلك الفريق الذي قرر المثابرة على مشروعه الاجتماعي والتواصل مع وزارة الأشغال العامة والنقل والبلديات في لبنان.
ويقول الحاج إنّ "وزارة الأشغال العامة والنقل تفاعلت ايجاباً مع مشروعنا وقدّمت لنا أبحاثاً لتطويره واعطتنا ترخيصاً للعمل، إلا أنّ التحدّي كمن في إقناع البلديات بتبنّي حلّنا".
فكأيّ شركة ناشئة اجتماعيّة، احتاج مشروع محطّة الباصات الذكيّة إلى نموذج عمل لجني الأرباح لتحقيق الاستدامة، لذلك قررت الشركة وضع إعلانات على طرفي محطّة الباص كمصدر للإيرادات. وبما أنّ "إتش تو إيكو ديزاين كونتراكتينج" تستهدف شريحة واحدة من العملاء وهي البلديات، قدّمت لها ثلاث خيارات.
الخيار الأول يقوم على أن تركّب الشركة محطّة الباص مجاناً، على أن تؤمّن البلديّة الإعلانات الموضوعة في المحطّة لمدّة عام. أما الخيار الثاني فيقوم على أن تدفع البلديّة ثلاثة آلاف دولار لقاء تركيب المحطة والحصول على 30% من الربح الذي تجنيه الشركة من بيع المساحات الإعلانية. أو يمكن للبلديّة دفع مبلغ 1500 دولار لقاء تركيب المحطة فقط من دون أن تحصل على نسبة من ريع الإعلانات التي يكون من مسؤولية الشركة تأمينها.
الأصداء إيجابيّة
تمكّنت الشركة حتى الآن من تركيب 4 محطّات باص في بيت مري في قضاء المتن شمال بيروت. كما تجري محادثات مع بلديات بكفيا بحرصاف وعين سعادة في القضاء نفسه، بهدف تركيب محطّات باصات ذكيّة على خطّ الباص، قبل التوسّع إلى خطوط أخرى.
يعتبر عبود رحّال، المسؤول عن الأشغال في بلديّة بيت مري أنّ هذه المبادرة "مفيدة للناس أوّلاً عبر تجنيبهم الوقوف في المطر أو تحت أشعة الشمس خلال انتظار الباص، كما تسهم في تخفيف زحمة السير" التي تنجم عن التوقف المتكرر للباص.
لكنّه يضيف أنّها "لا تكفي، فهناك حاجة لتنظيم وزارة الاشغال والنقل لوقت مرور الباصات ووضع جدول لذلك، إلاّ أنّ هذه المحطات تعدّ مرحلة أولى للمساهمة في تحسين النقل العام".
كان مشروع محطّة الباص الذكية من المشاريع التي فازت بجوائز في "مايك سنس ليبانون" Makesense Lebanon، التي تعدّ جزء من مبادرة عالميّة باسم "مايك سنس" Makesense، تتضمّن مهمتها حلّ مشاكل روّاد الأعمال الاجتماعيين أينما كانوا، ولديها برنامج احتضان عالمي للمشاريع الاجتماعية.