الدار البيضاء تتجه نحو تبني الحلول الذكية
عرفت مدينة الدار البيضاء توسّعًا حضريًّا متسارعًا في الأعوام الأخيرة أدّى إلى انعكاسات كبيرة على مختلف أوجه الحياة الحضرية فيها. فاستقطب هذا الواقع اهتمام قطاع الشركات الناشئة، لا سيّما وأنّ العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية تحتضن اليوم ما يقارب 20% من مجموع المغاربة في الدولة وتجني ما يعادل ثلث الأرباح فيها.
لذلك، أطلقت شركة "نوما كازابلانكا" Numa Casablanca، وهي فرع من الشبكة العالمية لمسرّعة الأعمال الفرنسية الناشئة "نوما"، سلسلة ورش عمل تحت اسم "داتا سيتي كازابلانكا" #DataCityCasablanca أي مدينة البيانات - الدار البيضاء بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر.
تهدف ورش العمل هذه إلى عرض أساليب تطوير وإعداد نماذج مشاريع لتوفير أعلى المعايير المعيشية لسكان المدينة. كما يدعم البرنامج المشاريع الابتكارية الهادفة إلى معالجة المشكلات الحضرية، مثل الاختناقات المرورية، والزحف العمراني، وارتفاع الطلب على أنظمة معالجة النفايات والصرف الصحي، وعلى الطاقة والمياه والغذاء.
هل تكون الدار البيضاء المدينة الذكية التالية؟
يشير مصطلح "المدينة الذكية" إلى نموذج المدن التي تستخدم تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في تحسين نوعية الخدمات الحضرية، وتخفيض التكاليف، وخفض بصمة المدينة البيئية. وعلى الرغم من أنّ هذه الفكرة ليست جديدة في الدار البيضاء، إلّا أنّها المرّة الأولى التي يجري اتخاذ خطوات عملية بشأنها.
يؤكد ليث زنايبر، الشريك المؤسّس في "نوما كازابلانكا"، لـ"ومضة"، أنّهم بدأوا "الحديث عن المدن الذكية في الدار البيضاء لأول مرة منذ ثلاثة أعوام، لكنّ برنامجنا اليوم يعدّ الخطوة الملموسة الأولى في مجال ابتكار حلول المدينة الذكية."
تضع "داتا سيتي كازابلانكا" مبدأي الابتكار المفتوح والبيانات المفتوحة في صلب استراتيجيتها، معتمدةً بشكلٍ أساسيّ على قدرة الهيئات المعنية بإدارة المدينة على جمع البيانات واستخدامها وتحليلها. ونظرًا إلى أنّ معظم هذه المعلومات تمتلكها حاليًّا الشركات والإدارات، ظهرت الحاجة إلى تطوير مساحات عمل مشتركة تسمح بتجميعها.
خطة تعاون شاملة
قبل إطلاق البرنامج، ركّزت "نوما كازابلانكا" على كسب تعاون الشركات الكبرى وتأييد السلطات المحلية بحيث أن استخدام البيانات الشخصية وإدارة الأماكن العامة قد يخضعان لقوانين وضوابط معيّنة.
يشرح زنايبر أنه "جرى التعاون مع الشركات التي تستوفي ثلاثة شروط هي: أولا ارتباط أعمالها بالمدينة الذكية، وثانيا تبنّيها مسبقًا لأسلوب ابتكاري إذ لا نستطيع نحن إنشاءه في حال لم يكن موجودًا، وأخيرًا رغبتها بالعمل ضمن البيئة الحاضنة."
وتضيف سلمى كبّاج، الشريكة المؤسِسة والمديرة العامة لـ"نوما كازابلانكا"، أنّه كان من الضروري التركيز على ضم الشركات الكبرى في المرحلة الأولى من تشكيل بيئة حاضنة للمدينة الذكية. وقد شاركت فيها كلٌّ من "ليدك" Lydec، و"إنوي" Inwi، و"لافارج هولسيم المغرب" Lafarge-Holcim Maroc، وشركة الإطارات الفرنسية العالمية "ميشلان" Michelin، وشركة النقل الفرنسية RATP Dev التي تتولى إدارة شركة "كازا ترامواي"Casa Tramway .
الانتقال من مرحلة البحث إلى مرحلة التنفيذ
تهدف "نوما كازابلانكا" من خلال هذه المبادرة إلى جذب المواطنين والمبتكرين والباحثين والخبراء وروّاد الأعمال المعنيين بتطبيق نموذج المدينة الذكية في الدار البيضاء وتفعيل دور كلٍّ منهم. فحضر المؤتمر 120 فردًا شاركوا من بعده كذلك في ثلاث ورش عمل تمحورَت حول معالجة مشكلات حضرية ستّ ضمن المحاور التالية: كفاءة الطاقة للمركبات، وآثار المباني على البيئة، وتقلّص المساحات الخضراء.
عبد السلام الهادي، طالب الهندسة وعلم البيانات شارك في المؤتمر لأنّه يهتمّ بقضايا المناخ، ويقول لـ"ومضة"، إنّه يأمل في أن يخوّله البرنامج ابتكار أحد الحلول الصالحة والمستدامة: "التلوّث البيئي يطرح مشكلةً حقيقية هنا في الدار البيضاء، وأنا في طور السعي إلى إنشاء شركةٍ تستطيع معالجة القضايا البيئية المطروحة. المشاركة في هذا المؤتمر وفّرت لي فرصة لقاء أفرادٍ ذوي اهتمامات مماثلة، والتعرف على عمل شركات ناشئة أخرى والاستفادة من خبرتها."
المشكلات التي تطرّق إليها المؤتمر لم تتطرّق إلى محور الزراعة الحضرية. ولكنّ عباس بنيصة، مؤسّس شركة "بيوبونيكا" Bioponica والأمين العام لشبكة "مبادرات الفلاحة البيئية بالمغرب" RIAM، أعرب عن إيمانه بأهمية تطوير نوع من الزراعة الحضرية كمكوّنٍ أساس لنموذج المدن الذكية و"إعادة التفكير في مدينة الغد" بشكل عام. وقال إنّه "من خلال مشاركتنا بهذا الحوار نأمل أن نضيف نظرة شاملة لمقاربة المدينة."
من المرتقب أن يستمر عقد ورش عمل "داتا سيتي كازابلانكا" كل يوم أربعاء حتى تاريخ 27 شباط/فبراير من العام 2017.