تكنولوجيا أردنية تسعى لحلّ مشكلة الغذاء لدى المليارات المتزايدة من البشر
بالرغم من أن مهنة الزراعة في الكثير من المُجتمعات لها طابع إنسانيّ يربط الإنسان بأرضه ومحصوله، إلّا أنّ الآلة التي كانت دخيلة في البداية أصبحت ركناً أساسيّاً في هذا القطاع.
في ستينات القرن الماضي، أدّى اكتشاف تكنولوجية مثل مبيدات الحشرات ونظام الريّ المُتطوّر إلى إنقاذ حوالي مليار شخص من الجوع عن طريق إنتاج طعامٍ يكفي عدد سكّان الأرض المُتصاعد. ولهذا السبب بالذّات، سمُيت هذه المرحلة من التاريخ بالثورة الخضراء.
ولكن ما اعتُبر انقلاباً زراعيّاً في حينه، لم يعد مجدياً اليوم لإطعام الأفواه اللامُتناهية. فبحسب "مُنظمّة الأغذية والزّراعة" ("الفاو" FAO) التابعة للأمم المُتحدّة، سيتوّجب بحلول عام 2050 إطعام أكثر من ملياري شخص إضافيّ، مّما يعني أنّ الإنتاج الغذائي يجب أن يرتفع بنسبة 70% بين أعوام 2005 و2007 وصولاً إلى عام 2050. وفي حين يشير التقرير إلى أنّ الإنتاج يجب أن يتضاعف في الدّول النامية، يبقى التحدّي الأكبر في الوصول إلى هذه التوقعات باستخدام الموارد نفسها التي نعتمد عليها اليوم.
"الطريقة الوحيدة لحلّ هذه المشكلة تكمن في جعل المَزارع أكثر فعاليّة، لأنّ الحلول الأخرى كالزراعة المائيّة hydroponics أو الهوائيّة aeroponics غير كافية ولا تتجاوب لها الكثير من المحاصيل"، يقول يوسف وادي، مؤسّس شركة "نيستروم" Nestrom التي تُوّفر نظاماً ذكيّاً يعمل بواسطة إنترنت الأشياء ويُستخدَم لإدارة المزارع بهدف زيادة مُعدّل المحاصيل وضمان فعاليتها.
كان من المتوقّع أن يحصل شيءٌ ما إذا أردنا التخلّص من هذه المُشكلة، فأقبلت الثورة الثانية بالمزيد من التكنولوجيا لتُسهل عمليّة الزراعة عن طريق أنظمة التتبع بالأقمار الصناعية، أو الطائرات من دون طيّار، إضافة إلى تعليم الآلات، والأتمتة.
كيف يعمل نظام "نيستروم"؟
منذ استقالته من "طقس العرب" ArabiaWeather في تموز الماضي، انشغل وادي بتأسيس "نيستروم" لإدارة المزارع الذكية المُعتمدة على مبدأ "الزراعة الدقيقة" precision farming. وهو مبدأ يقوم على أهميّة مراقبة وجمع وتحليل قراءات العوامل المؤثرة في نمو المحاصيل كخطوة أولى لتحسين مُعدّل إنتاجها.
وعن سبب اختياره لهذا الأمر، يقول المؤسس إنّه اختار "شيئاً تحتاجه السوق وتفهمه،" مشيراً إلى الحاجة والضرورة كعاملين أساسيين في تحديد السوق والمُنتج المناسبين.
في التفاصيل، تعمل "نيستروم" عن طريق وضع عدد من المجسّات في مواقع مُختلفة من الأرض الزراعية المقصود إدارتها. وذلك لفحص عوامل مُعيّنة تتعلّق برطوبة ومُلوحة التربة على سبيل المثال، بحيث تُسجلّها كبياناتٍ رقميّة ثمّ تُنقَل إلى أقرب نقطة إنترنت. وحينها، يمكن للمزارع أن يطلّع عليها عبر هاتفه أو جهازه.
تُعتبَر هذه المعلومات المنقولة في غاية الأهميّة للمزارع إذ تُساعده في أخذ القرارات اللازمة للاستفادة من الأرض الزراعية بأكبر قدرٍ ممكن. وعلى سبيل المثال، سيُصبح باستطاعة مدير المزرعة أن يرصد الأنابيب المسدودة أو التالفة ليصلحها، أو أن يتحقّق من المناطق المُراد سقايتها أكثر من غيرها. وبذلك تساهم الأنماط والمعلومات المستخلصة من هذه البيانات في الحدّ من الأخطاء البشريّة، مّما يزيد من الإنتاجية بموارد محدودة.
وصول المُنافسة
بعدما عمل وادي وشريكاه زيد فارخ وكنعان مناصرة أربعة أشهر في تطوير مُنتَجهم، فوجئوا بوصول بمُنتج شركة الاتصالات الأمريكية "فيرايزون" Verizon المُشابه لـ"نيستروم". ويذكر وادي أنّهم لم يتوقعوا ذلك "بسبب غياب التغطية الإعلامية، فالجميع كانوا يبنون المُنتَج نفسه بعيداً عن أنظار الناس".
لم يُحبِط هذا الخبرُ المؤسّسين، بل ساعدهم على التحقّق من عملهم ومتابعة السّير به. "علمنا حينها أنّنا لم نكن مخطئين لتطوير 'نيستروم'"، على حدّ تعبير الريادي الذي يوضح أنّ الحجم الكبير للسوق التي يطمح أن يدخلها حفزّه على ألّا يتراجع.
تتبع الشركة نموذج تقديم الخدمات للأعمال التجارية الأخرى B2B، مستهدَفةً شركات إدارة المزارع الكثيرة "التي ستحتاج تلقائيّاً إلى استخدام هذه التكنولوجيا، التي وإذا لم تتوّفر لديها هذه التكنولوجيا ستضطر إلى اقتنائها من مصادر خارجيّة"، بحسب وادي.
أهميّة التكنولوجيا في الزّراعة
بالرغم من أنّ وادي ينظر إلى الخليج وتركيا كأسواق ينوي التوّسّع فيها، إلّا انّه يُخضِع مُنتَجه لمرحلة تجريبيّة في مزرعة "قرية المجهول" الأردنيّة للتمور.
يُدرك مُدير هذه المزرعة الخاضعة للتجريب، يزن النابلسي، أهميّة إنترنت الأشياء وتأثيرها على عمله، فيقول إنّ "إدماج التكنولوجيا في قطاع الزّراعة مهمّ لأنّه يعطي نتائج وتفاصيل دقيقة بخصوص التربة والرّيّ.. ممّا يُخفّض من الخطأ البشري ويزيد الإنتاجيّة".
قبل إدخال "نيستروم" إلى نظام مزرعته، اعتاد النابلسي أن يرصد جودة التّربة والعوامل الأخرى المؤثرّة في نمّوّ المحاصيل عن طريق توظيف طرفٍ ثالث يقوم بفحص يَدوي ويُصدِر النتائج بعد يومين. أمّا الآن باستخدام "نيستروم"، يمكن للمدير أن يحصل على النتائج في أيّ وقتٍ يريده وأينما كان.
من جهةٍ ثانية، تحتاج المزارع الكبيرة عناية خاصة لكلّ منطقة من المزرعة لأنّ كلّ قسم لديه صفات تختلف عن القسم الآخر. على سبيل المثال، يمكن أن تكون قراءة ملوحة التربة في أوّل المزرعة مُختلفة عن آخرها. ولذلك، فإنّ البيانات ستُمكّن المُزارعين من تلبية احتياجات مزارعهم بإتقانٍ أكثر.
من ناحيته، يؤمن عمر قموة، مالك مزرعة "قموة للتمور"، بأنّ للأتمتة دوراً أساسيّاً في تخفيض الخطأ البشري. وإذ يشير إلى موت العديد من الأشجار في مزرعته بسبب تفاوت عمل المزارعين، يلفت أنّه يمكن تجنبّ هذا الأمر عن طريق الأتمتة.
لا يقتصر دور التكنولوجيا في الزراعة على الإدارة فحسب، بل قد يتدخل في عمليّة الزراعة نفسها. ومن الأمثلة على ذلك، ابتكار الأردني عبد الرحمن الزرقان الذي يؤتمت نظام الري ويحمي المحاصيل من الصقيع؛ والآلة الزراعيّة "فارم بوت" Farmbot؛ وأوّل مزرعة مُدارة من قبل الروبوتات في اليابان.
وقد ذكرَت "الإيكونوميست" Economist في تقرير نشرته هذا العام، أنّ "الكثير من المَزارع أصبَحت بمثابة مصانع: تشهد رقابة مشدّدة على عمليّات التشغيل لضمان الحصول على مُنتَجات جيدة، ويتمّ عزلها وحمايتها قدر المُستطاع من التّقلّبات الطّبيعيّة".
في الوقت الذي يشكّل فيه موضوع استبدال الأيدي العاملة بالآلات مسألةً اجتماعية واقتصادية، يبدو أنّ حدسَ المُزارع والآلة القديمة لم يعودا كافيين لتلبية الطّلب المُتنامي على الغذاء ولا كفوئين لمواجهة التكنولوجيا الحديثة.