لماذا لا ينجح تشارك السيارات في الجزائر؟
يشكل نقص المواصلات العامة ضغطًاً شديدًا على المدن الجزائرية يتمثّل في زحمة المرور، والتلوث، وأبواق السيارات، وهي مشكلة يمكن حلها إذا تشارك المزيد من الأشخاص في استخدام سياراتهم.
حاول رواد الأعمال منذ عدّة سنوات حلّ هذه المشكلة من خلال إطلاق خدمات جديدة، منقولة في الغالب عن نماذج غربية ناجحة. ومع القليل من الاستثناءات، مثل "كريم" Careem على سبيل المثال، لم يحققوا تأثيرًا ملحوظًا حتى الآن على الطرق شديدة الازدحام.
في الجزائر، وهي بلد حديث العهد بالشركات الناشئة، نجد أنّ عدد الشركات الناشئة التي توفر خدمة تشارك السيارات أو تطبيقات التاكسي كبيرٌ بشكل لا يتناسب مع الوضع في البلد.
لكن حتى الآن، في الجزائر وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم يحظَ تشارك السيارات بأيّ اهتمام حقيقي … لماذا؟
ضرورة الابتكار
نظرًا لنقص المواصلات العامة في مختلف أنحاء الجزائر، نجد أن السيارة هي غالبًا الخيار الأفضل للتنقل بين المدن الجزائرية.
يقول فؤاد شنوف،الشريك المؤسس لخدمة النقل المكوكي "لينكي باص" Linkibus أنّ "بعض موظّفينا يستغرقون 20 دقيقة للوصول إلى عملهم بالسيارة، لكنهم سيستغرقون ساعتين للوصول إلى عملهم إن استخدموا المواصلات العامة. وبالتالي، الخيار واضح!".
من زاوية أخرى، قيادة السيارة هي مسألة مكلفة؛ فثمة الكلفة المالية لأسعار البنزين ورسوم الطرق السريعة التي سيتم تطبيقها في الجزائر قريبًا. وثمة أيضا مشكلة الراحة لأن السائقين يضيعون الكثير من الوقت في زحمة المرور أو بحثًا عن مكان لركن السيارة، كما يعانون من التلوث الناجم عن السيارات في الشوارع.
سمحت عملية تشارك السيارات للناس بالتنقّل سوياً وبالتالي تقليل استخدام السيارات وتخفيض التلوث والتوتر العصبي، على حد قول خير سعيداني الذي أسس خدمة "تشيتا كار" Cheetah Car لتشارك السيارات بالجزائر في شهر كانون الثاني/يناير.
تشارك السيارات ليس الحل
على الرغم من أن الجزائريين معجبين بهذه الفكرة على المستوى النظري، غير أنّ ذلك لا يحسِّن من الوضع على المستوى التطبيقي.
ففي أيلول/سبتمبر،فيما نُشرت ثلاث رحلات لتشارك السيارات على موقع "كورسا" Coorsa الذي تأسّس عام 2013، وسبع رحلاتٍ فقط على موقع "نروهو" Nroho.
يقرّ سعيداني بأنّ "خدمة تشارك السيارات تعاني ولو أنّها في بداياتها". ويقول عن خدمة "تشيتا كار" إنّ غالبية السائقين لم يتلقوا حجزًا واحدًا وإن عدد الرحلات المنشورة لم يتجاوز ألف رحلة بعد منذ إطلاق هذه الخدمة هذا العام.
مشكلة ثقافية
"يعتقد غالبية مستخدمي الإنترنت من الجزائريين أنه من المفيد وضع حد للمعاناة المتمثلة الازدحام المروري. لكن يعرب الآخرون عن خوفهم من تعدي الغرباء عليهم أو سرقتهم"، حسبما يخبر سعيداني "ومضة".
ومثل أغلب خدمات تشارك السيارات في العالم، يستطيع مستخدمو "تشيتا كار" الاطلاع على ملفات تعريف موجزة عن بعضهم ومعرفة تقييماتهم، كما يمكنهم الاتصال ببعضهم البعض… لكن ذلك لا يكفي لخلق مناخ من الثقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويوضح سعيداني ذلك قائلًا إنّ "في الجزائر الكثير من حوادث الاعتداءات والسرقات والاختطاف حتّى. لذلك من الطبيعي أن يتخوف الجزائريون كثيرًا من اصطحاب أشخاص لا يعرفونهم في سياراتهم … وينطبق الأمر نفسه على الركاب".
بالإضافة إلى ذلك، لتشارُك السيارات سمعة سيئة في الجزائر. فهذه الطريقة، كما يوضح فؤاد شينوف من "لينكي باص"، تُستخدم "لاصطحاب الفتيات"، كما أن القرب الناجم عن تواجد ثلاث إلى أربع أشخاص في السيارة الصغيرة نفسها هو أمر يبعث شعوراً بعدم الارتياح لدى الجزائريين.
تشارُك السيارات معقّد في المنطقة أيضًا
في الدول العربية، تُعتبَر مشكلة الازدحام المروري مشكلة حضرية بالدرجة الأولى. فغالبًا ما يكون التنقّل بين المدن سهلاً بفضل توافر سيارات التاكسي والبنى التحتية، والحافلات والقطارات أحياناً، في مختلف أنحاء المنطقة.
"انطلق تشارُك السيارات بهدف تنظيم الرحلات بين المدن، ولكن في الجزائر لا حاجة لنا بذلك،" وفقاً لشنوف.
بدوره، يقول مؤسس خدمة تشارك السيارات التركية داخل المدن "فولت" Volt، علي حلبي، إنّ تشارك السيارات داخل المدن سوق صعبة جدًا لم يستطع أحد اختراقها حتى الآن.
ويضيف في حديثٍ مع "ومضة" أنّ "الجدولة لاتنجح داخل المدن، لأنّ الأشخاص لايعرفون الوقت الذي يغادرون فيه عملهم بالضبط، كما لا يريدون الاضطرار إلى دفع 4 يورو [إذا لم يستقلوا السيارة في النهاية]، فالمسألة غير مجدية."
قبل ثلاثة أشهر، أي بعد حوالي عامين من إطلاق أول نسخة من خدمة "فولت"، تخلّى حلبي عن خيار جدولة تشارك الرحلات مباشرة، لأنّ الأولوية الآن تتمحور حول زيادة عدد الرحلات المتاحة. فالتطبيق يسجل 400 رحلة يوميًا، لكن قلة قليلة من الركاب يستطيعون إيجاد سيارة.
يكشف المؤسّس أنّهم ليسوا في وضع أفضل من المواقع الإلكترونية الأخرى لخدمة تشارك السيارات، ولكنّنا نمتاز بالقدرة على استبقاء السائقين، وعلى ذلك أستطيع الزعم أننا نحقق نجاحًا في جانب من الجوانب".
في دبي، نجد أن فريق "كاربول أرابيا" Carpool Arabia يعي هذه الصعوبات لكنّه يعتمد نهجًا مختلفًا إذ يتمّ التركيز على التنقل اليومي من المنزل إلى العمل. صممّت هذه الشركة خوارزمية تقارن رحلات المستخدمين لمطابقتها على أساس التوقيت، ومعرفة إذا كان مسار الرحلة مقبولًا للسائق. وفي الأشهر الستة الأولى تلقوا أكثر من 7 آلاف طلب للحجز.
لنتوقف عن نسخ تجارب الآخرين
هل يمكن أن تعمل هذه النماذج الجديدة، التي لم تثبت صحّة مفهومها بعد، في مجال تشارك السيارات في الجزائر؟
يشرح شنوف لـ"ومضة" أنّ الروّاد "في الجزائر يحاولون استيراد الأفكار من أوروبا، لكنها تُمنى بالفشل ما إن تصل إلينا لأنّ ثقافتنا مختلفة تمامًا".
وبحسب لامين جيماتي، مؤسس "أوتوباب" Autopub التي تتيح للسائقين كسب المال من خلال عرض الإعلانات على سياراتهم، فإنّه يتوجّب عليك أن تفهم المشكلة قبل التفكير في تكنولوجيا الحل. و"بدلاً من البدء من المشاكل، يقوم غالبية رواد الأعمال بالبحث عن الحلول [في الخارج] ومن ثمّ أقلمتها مع واقعنا مهما كانت التكاليف".
عند رؤية المسألة بهذه الطريقة، يتضح أن الإضافات الهادفة لجعل الناس يشعرون أنهم أكثر أماناً - مثل خدمة التشارك المقتصرة على السيدات فقط - لن تغير من حقيقة أنّ هذه الخدمة قد لا تناسب احتياجات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الحل من وجهة نظر أخرى
الحل الذي أثبت نجاحه في الجزائر هو شركات الرحلات المكوكية [ذهاباً وإياباً] التي يستقلها الموظفون بين منازلهم وأماكن العمل.
ولكن بما أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تملك ما يكفي من الموظفين لتنظيم الرحلات المكوكية، ما يدفع بعض الناس لاستخدام مركبات الشركات الأخرى للوصول إلى عملهم، قرّرت شركة "لينكي باص" الاستفادة من هذا التوجه.
عند استخدام "لينكي باص"، يقوم الجزائريون بتسجيل مسار رحلتهم من وإلى العمال. وعندما يصبح لدى الشركة 20 شخصًا لهم احتياجات مماثلة، تقوم "لينكي باص"بالاتصال بأرباب عملهم وربطهم بحافلة لتنظيم خط مكوكي. ويُذكَر أنّ الشركة ستفتتح أول خطّ في وقت قريب.
يعتقد أشخاصٌ آخرون أنّ الحل في يد الشركات، مثل سعيداني من "شيتا كار" الذي يعتقد بأنّ "الشركات تخوض غمار هذا المجال. فهذا يساهم في تحسين المناخ الاجتماعي بين الموظفين، وسهولة الوصول إلى مكان العمل، والارتقاء بصورة الشركة، والحدّ من التكاليف وتأثير الرحلات وحارات انتظار السيارات، وتخفيف البصمة البيئية في المقام الأول".
ولكن التعاون مع الشركات متوسطة وكبيرة الحجم له الكثير من التحديات أيضًا، إذ يتعرّض لعراقيل مثل المفاوضات المعقدة والعمليات البطيئة والبيروقراطية ومشاكل السداد – لذلك ربّما لا تكون هذه الطريق الأسهل.
[الصورة الرئيسية من "تي-ألجيري"]
.