منى الخضيري: من صعيد مصر إلى الطاقة الحيوية
منى الخضيري تتسلم جائزة "إيكو طاقة" عن المركز الأوّل في معسكر "ذا امباكت" The Impact في دبي لتدريب وتمكين رواد الأعمال الاجتماعيين. (الصور من "إيكو طاقة")
بشكل عام، يُعد قطاع ريادة الأعمال جاذبًا للعنصر النسائي، حيث أن 35% من روّاد الأعمال في المنطقة الآن من السيدات. ولكن من غير المعتاد أن تكون واحدةٌ من تلك الرائدات آتية من الصعيد المصري بكلّ قيوده التي يفرضها على النساء تحديدًا.
منى الخضيري، رائدة أعمال من محافظة الأقصر، قرّرَتْ كسر قيود الصعيد ودخول عالم ريادة الأعمال في مجال الطاقة الحيوية.
أسّسَت الخضيري شركتها "الخضيري بايوجاز" ElKhodairy Biogas في سبتمبر/أيلول2014، لإنشاء وحدات إنتاج الغاز والسماد الحيوي من روث المواشي، والتي أصبح اسمها الآن "إيكو طاقة" EcoTaqa.
وأنهت برنامجًا تدريبيًا مع وزارة البيئة لمدة 4 أشهر في نهاية عام 2013، حصلَت بعده مباشرةً على دعمٍ من الوزارة يتمثّل في تمويل وحدات الغاز الحيوي التي تتعاقد عليها مع المستفيدين في القرى والمراكز.
وكان ذلك جزءًا من دعم تقدمه الوزارة لرواد الأعمال المقبلين على العمل بإنشاء وحدات الغاز الحيوي، على سبيل تمكينهم ومساندتهم في نشر الثقافة.
الطاقة والمخلّفات في مصر
تعتمد مصر على عدّة مصادر رئيسية للطاقة غير المتجدّدة، أهمّها النفط والغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية. ومع الارتفاع الصاروخي للأسعار نتيجة قفزات الدولار المتكرّرة، والنقص المستمرّ في مصادر الطاقة غير المتجدّدة في مصر، تزداد الحاجة إلى الاعتماد على مصادر متجدّدة للطاقة.
يُعتبر الغاز الحيوي أهم تلك المصادر، ويمكن الحصول عليه من تخمير روث المواشي، فيما تتعدّد فوائد إنتاجه التي تبدأ من توفير طاقةٍ بديلةٍ للغاز الطبيعيّ، وسمادٍ عضويٍّ للأراضي الزراعية كبديلٍ للسماد الكيميائي، إلى جانب إنتاج علفٍ يصلح لتغذية الحيوانات.
جاء في بعض الدراسات أنّه إذا تمكّن كلّ منزلٍ في مصر من توفير 50 كيلوجرامًا من الروث يوميًا، ستكون وحدات الغاز الحيوي قادرةً على الحلول مكان غاز النفط المسال في أكثر من 8.9 ملايين منزل ريفي، ما سيسهم بتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 7.56 ملايين طنّ سنوياً.
في الوقت ذاته تنتج مصر 90 مليون طن مخلفات سنويًا، بواقع 56% كمخلفاتٍ عضوية. وبعد التخلّص من تلك المخلّفات تواجه الحكومة المصرية معضلةٌ تتمثّل في الخطر الواضح الذي يهدّد البيئة، إذ يتم إلقاء تلك المخلفات على حافة قنوات الريّ والمجاري المائية.
مساندة من الأهل والأصدقاء
لم يعتبر المحيطون بالخضيري دخولها عالم ريادة الأعمال تمرّدًا مذمومًا، بل دعمها الجميع نحو استكمال مشوارها. وتقول في هذا الشأن: "لقد حصلتُ على دعمٍ كبيرٍ من أسرتي وأصدقائي من خارج المجال، وكنّا نزور قرى ومراكز في الصعيد ونشرح أهمية الغاز الحيوي وفوائده".
وتتابع الخضيري قائلةً إنّهم نجحوا بالفعل "في إقناع المستفيدين، وبدأت الفكرة تنتشر حتّى أننا بدأنا نستقبل طلبات من محافظاتٍ أخرى مثل الشرقية والفيوم، وهو ما اضطرّني للسفر المتكرّر؛ لكنّ أسرتي تفهمت الأمر جيدًا، بل وساندني والدي في نشر الفكرة داخل محافظتنا".
نجاح على الأرض
نفّذَت الخضيري (حسب تصريحاتها) حتى الآن 140 وحدةً في 8 محافظات من بينها الأقصر وقنا وسوهاج وأسيوط والمنيا، في أكثر من 40 قريةً ومركز. ودعمتها وزارة البيئة بالشراكة في رحلتها بالكامل، بحيث توفر "الخضيري بايوجاز" المهندس المشرف وعامل البناء، بينما توفر الوزارة باقي احتياجات المشروع بالكامل.
استمرّت عوائد "الخضيري بايوجاز" قائمة على تنفيذ الوحدات بالشراكة مع وزارة البيئة، حتى قرّرَت الأخيرة "رفع دعم وحدات الغاز الحيوي نهاية عام 2015، إلّا أنّها لا تزال تشرف على تنفيذ الوحدات وتمنح المستفيدين مواقد تدعم العمل بالغاز الحيوي والتوصيلات بالمجّان"، بحسب الخضيري.
تسبّب ذلك في ظهور بعض المعوّقات أمام رائدة الأعمال، إذ أصبحَت تكاليف إنشاء الوحدة تقع بالكامل على عاتق المستفيد، وتضيف الخضيري أنّها "كثيرًا ما أقابل مستفيدين مقتنعين بالفكرة وراغبين في تنفيذها لكنهم غير قادرين ماليًا".
وحدة غازٍ حيوي في قريةٍ في محافظة الأقصر.
متطلبات وحدة الغاز الحيوي
يبدأ متوسّط سعر الوحدة من 500 دولار، إذ ينبغي على المستفيد أن يوفّر على الأقلّ 3 رؤوس مواشي ليحصل على 4 ساعات غاز، وهو حصيلة إنتاج اسطوانتين ونصف الاسطوانة من الغاز شهريًا، علمًا أنّ أسعار تلك الاسطوانات غير مستقرة أيضًا وتشهد أزمات من وقت لآخر.
بالإضافة إلى ذلك، يحصل المستفيد جرّاء هذه العملية على سمادٍ عضوي يكفي لتسميد ثلاثة فدادين سنويًا، وهو ما يزيد من خصوبة الأرض الزراعية، ويرفع المحصول بنسبة 30%، ويقلل نسبة الري، ويحفز الزراعة العضوية، ويجنّب المزارعين تحديّات غلاء أسعار الأسمدة التي تتأثر مباشرة بتذبذب سعر الدولار.
ووفقاً للخضيري، "تحتاج وحدة الغاز الحيوي 3 إلى أيام كي يتمّ تنفيذها بالكامل، و15 يومًا في المتوسّط لتوليد الغاز الحيوي".
من جهةٍ ثانية، تتطلّب وحدة إنتاج الغاز الحيوي 50 كيلوجرامًا من الروث، يتم خلطها بـ50 لترًا من الماء، ليتم التفاعل الكيميائي اللازم للإنتاج. وعن المساحة اللازمة لإنشاء الوحدة، فيجب ألا تقل عن 12 مترًا، ويتم بناؤها من الطوب والإسمنت ويتم عزلها عن الأكسجين.
تستهدف الخضيري قطاعاً عريضاً من العملاء بدءاً من المزارع البسيط، على أن يمتلك 3 رؤوس مواشي كحدٍّ أدنى، مرورًا بالمزارعين الكبار الذين يمتلكون حتى 50 رأساً من الماشية، وصولًا إلى أصحاب مزارع العلف والتسمين ومزارع الدواجن.
وبالطبع، ينتظر الخضيري عملٌ دؤوبٌ ومتواصلٌ لتغطية شريحتها التسويقية، إذ يمثل عدد المزارعين في مصر أكثر من نصف تعدادها السكاني، بواقع 51 مليون مواطن.
فعاليات في سبيل الانتشار
من أجل تحقيق أهدافها، كان لابدّ للخضيري أن تعمل بجهدٍ على نشر الفكرة ومحاولة استقطاب شركاء.
ففي أبريل الماضي، شاركت الخضيري في مسابقة "كبر شركتك" Grow Your Company التي أطلقتها منظّمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "يونيدو" UNIDO، لدعم روّاد الأعمال الشباب في مجال إدارة المخلفات للتوظيف والتنمية الاقتصادية المحلية.
وجاءت مشاركة الخضيري بهدف الحصول على دعم فني ومالي يساهم في توسيع مجال شركتها.
كانت المسابقة بمثابة نقطة انطلاق حقيقية للخضيري، إذ أتاحت الفعالية أمام هذه الشركة أن يتعرّف عليها عمر المراغي، المؤسِّس الشريك والرئيس التنفيذي لحاضنة "ساستينكيبايتور" Sustaincubator المصرية، المعنية بدعم المشاريع الناشئة في قطاع البيئة المستدامة، التعرف على شركة الخضيري واختيارها للاحتضان لمدة عام مقابل حصة رفضت الخضيري ان تفصح عنها.
كانت فعالية "يونيدو" نقطة تحول بالنسبة لمنى الخضيري التي تتوسط المشاركين في مسابقة مسابقة "كبر شركتك".
عقب الاحتضان مباشرًة، تمّ تغير اسم الشركة ليصبح "إيكو طاقة - الخضيري بايوجاز" Eco Taqa، وذلك لسهولة تسويق الشركة عالميًا.
وفي يونيو /حزيران 2015، حازت "إيكو طاقة" على المركز الأوّل في معسكر "ذا امباكت" The Impact في دبي لتدريب وتمكين رواد الأعمال الاجتماعيين، والذي أقامته "أهيد أوف ذا كيرف" Ahead of The Curve المتخصّصة في دعم ريادة الأعمال الاجتماعية، بالتعاون مع مؤسّسة "MBC الأمل".
خطط توسعية
تطمح الخضيري في الوقت الحاليّ إلى إنشاء ألف وحدة بحلول 2018، وتتطلّع إلى تطبيق وحدات إنتاج غازٍ حيويّ من مخلّفات الطعام بالتعاون مع الجامعات والمطاعم، ثم الانتقال لإنشاء وحدات تعمل بمخلفات المنازل.
"أما حلمي الأكبر فهو إنشاء وحدات غاز حيوي لتوليد الكهرباء".