مبادرة نسائية قد تعيد تعريف معنى المساعدة الطبيّة في السعوديّة
قادة فريق "ذا ترياج بروجكت" في أوّل ورشة عمل في مكتبة الملك عبد العزيز العامة في كانون الثاني/يناير (الصور من "ترياج" Triage)
غالباً ما يرتبط اسم السعوديّة الغنيّة بالنفط بالثروات والرفاهية، ولكن في ضواحي مدنٍ مثل جدّة والرياض تعاني المجتمعات الأقلّ ثراءً من مشاكل في الصرف الصحّي وفي أغلب الأحيان، من نقص الحاجات الطبيّة الأساسيّة.
والآن تسعى امرأتان إلى تغيير هذا الوضع.
الدكتورة شايستا حسين، المعروفة باسم الدكتورة شاي، وفاعلة الخير الأميرة سما فيصل آل سعود، جمعتا مواهبهما لإنشاء "ترياج برجيكت" Triage Project وهو برنامج تدريبي عن الرعاية الصحيّة للمتطوّعين يرافقه نظامٌ لجمع البيانات.
مساعدة المهمّشين
منذ ثلاثة أعوام، أطلق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مشروع "رسل السلام" Messengers of Peace في السعوديّة لتمكين المتطوّعين من مساعدة مجتمعهم من خلال تنفيذ مشاريع اجتماعيّة.
وفيما شملت الأهداف الأساسيّة المواد الغذائيّة والملبوسات والتوعية والإصلاحات المنزليّة والتعليم، تنبّهَت الرياديتان حسين وآل سعود إلى غياب حاجةٍ أساسيّة عن هذه الأهداف، وهي الصحّة.
"ومن هنا، جاءت فكرة ’ترياج‘"، بحسب حسين التي تقول: "سألنا أنفسنا كيف يمكننا مساعدة هذا المجتمع المحتاج؟ أردنا أن نقيم صلة الوصل بين هؤلاء الأفراد والمستشفيات."
وبالفعل، بدأ مشروع "ترياج" مع ورش عمل في كانون الثاني/يناير لتدريب المتطوعين على الممارسات السريريّة والطبيّة الأساسيّة.
في حين أنّ قادة الفريق خبراء في الطب، لا يتمتّع المتطوعون بأيّة تدريباتٍ سابقةٍ في مجال المعالجة الطبيّة.
أقام "ترياج" حتّى اليوم ورشتي عمل ودرّب 15 قائداً للفريق وهم أطباء سيشرفون على عمل المتطوّعين الوافدين، كما نظّم رحلاتٍ ميدانيّة إلى مجتمعَين فقيرَين في ضواحي الرياض.
وبدورهم، سوف يدرّب قادة الفرق مئات المتطوّعين المسجّلين في الأسابيع القادمة، ثمّ سيجمع المتطوّعون البيانات الطبيّة التي تشمل تقييماً عن الرعاية الصحية، والسجلّ الطبّي، كما سيحيلون المرضى عند الحاجة إلى رعايةٍ طبيّةٍ خاصة.
التطبيق
من أجل جمع البيانات بطريقةٍ آمنةٍ وفعّالة، أطلقَت الشريكتان المؤسِّسَتان تطبيقاً في 22 كانون الثاني/ يناير باسم "ترياج-رسل السلام" Triage - Messengers of Peace، يمكن الحصول عليه في متاجر تطبيقات "آبل" App Store و"أندرويد" Google Play.
وتشير حسين إلى أنّ "كلّ متطوّعٍ جديد سيحمّل التطبيق بعد إتمامه ورشة العمل من أجل استخدام الخدمات [التي يقدّمها]"، وحتّى الآن، هناك حوالي 50 تحميلاً للتطبيق.
جاءت فكرة التطبيق عندما لاحظَت حسين وآل سعود أنّ تقديم عدد هائل من البيانات والأوراق لكلّ مريضٍ هو عمليّة صعبة وبطيئة. وبالتالي، يمكن لجمع هذه البيانات كلّها في مكانٍ واحد أن يؤدّي دوراً كبيراً في تحديث النظام الطبّي السعودي.
في هذا الإطار، فإنّ حسين التي تعمل أيضاً كمطوّرة برمجيّات في تكنولوجيا المعلومات، وضعَت قاعدة بياناٍت بلغة "إس كيو إل" SQL لتسمح بجمع البيانات في مكانٍ واحد (قاعدة بيانات موحّدة مركزيّة). وتشرح أنّ "بهذه الطريقة، ننوي ’رفع مستوى‘ معايير الرعاية الصحيّة الحاليّة."
بالإضافة إلى جمع البيانات الفعّال، يسمح هذا التطبيق للمتطوعين بإضافة معلوماتٍ مفصّلة حول العوارض، كما يسمح بإضافة فيديوهات وصور لتوثيق ووصف حالة المرض.
من أجل الإحالة الفعّالة، يستخدِم التطبيق نظام ألوانٍ يعتمد على المعلومات التي يُدخِلها المتطوّع، وعلى خوارزميّةٍ يمكن من خلالها تحديد مدى خطورة الوضع: يرمز العلم الأصفر إلى أنّ المريض يحتاج إلى عنايةٍ عاجلة، والعلم الأحمر يرمز إلى الحاجة لرعايةٍ طارئة.
من حيث الأمن، لا يمكن تسجيل أيّ من البيانات في التطبيق على هاتف المستخدِم، فهو يتضمّن عدّة طبقاتٍ من الأمن لحماية خصوصيّة المريض والحفاظ على سريّة هويّته بعد تعبئة الملفّ الطبّي الأوّلي.
تقول الدكتورة سمر عاصم بدر الدين، رئيسة قسم الأمراض الطبيّة والسريريّة في "مستشفى د. سليمان فقيه" Dr. Soliman Fakeeh Hospital في جدّة: "لا شكّ في أنّ مشروع ’ترياج‘ فكرة مثيرة للاهتمام، ففي هذا العصر الرقمي حيث يشتهر ’تويتر‘ Twitter و’إنستجرام‘ Instagram فإنّ مثل هذه التطبيقات هي التي يمكنها أن تحدث تغييراً في السعوديّة لذلك، هي بالتأكيد تستحقّ المحاولة."
الرعاية الصحيّة في السعوديّة: تارةً النجاح وتارةً الفشل
بالرغم من أنّ الحكومة السعوديّة لا تفصِح عن بيانات رسميّة كثيرة، إلاّ أنّ تقريراً عن الَفقر أصدره البنك الدولي عام 2013 يشير إلى أنّ نسبة الفقر في هذا البلد تقدّر بـ12.7%.
يحصل كلّ مواطنٍ سعودي على تأمينٍ صحّي مجّاني، ورغم أنه ليس لديهم تأمينٌ شامل فإنّ أبواب مستشفيات وزارة الصحة في المملكة مفتوحةٌ أمامهم. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ المجتمعات الفقيرة جدّاً تفتقر إلى التوعية الصحيّة التي تتمتع بها المجتمعات الأخرى، وبالتالي قد لا تعلم من أين تحصل على الخدمات الصحيّة.
وفي هذا الإطار، تذكر حسين أنّه "خلال زياراتنا لهذه المجتمعات المحتاجة في البلاد، لحظنا بعض أنماط نقص الوعي حيال الصحّة العامة، فالبعض لا يعلم ما هي عدّة الإسعافات الأوليّة."
لا يزال "ذا ترياج بروجكت" في مرحلة تجريبيّة، و"هذه الدورة الأولى له، لذلك من المهّم البدء على نطاقٍ صغيرٍ للتأكّد من أنّ المتطوعين قد حظوا بتدريب كافٍ وأنّ المتابعات فعّالة،" حسبما تشير آل سعود، مضيفةً أنّه "حينئذٍ، ستكون عمليّة التوسّع أسهل."
وعن المتطوّعين الذين تشكّل النساء أغلبهم، تقول آل سعود إنّهم "يريدون المساعدة والعمل بأيّ شكلٍ من الأشكال،" سواء كان في "الطباعة أو التنظيم أو الاهتمام بالبريد الإلكتروني."
المشاريع الإنسانيّة في السعوديّة تُحرَّك معظمُها من قبل العائلة المالكة، وبخاصّةٍ الأميرات اللواتي أطلقنَ جمعيّاتٍ خيريّةً ومبادراتٍ لدعم المجتمعات الفقيرة.
فخلال شهر رمضان، تنشط الجمعيات الخيريّة بشكلٍ كبير إذ يسود مفهوم الزكاة، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة الذي يشجّع المسلمين على التبرع بجزءٍ من ثرواتهم للمحتاجين.
أمّا آل سعود، الشريكة المؤسِّسة لـ"ترياج"، فتقول إنّ "مساعدَتي للأشخاص الأقلّ حظاً في بلدي من مسؤولياتي كسعوديّة."
بينما تتحمّس حسين وآل سعود لهذا المشروع، فإنّ مهاراتهما تكمّل بعضها بعضاً؛ فحسين هي المبتكِرة، وآل سعود هي القوة الهادئة التي تفهم واقع المجتمع السعودي وتأخذ هذا الواقع في عين الاعتبار عند اتّخاذ القرارات.
وتلفت آل سعود إلى أنّ "الخطوة التالية هي التحدّث مع وزير الصحّة" من أجل تأسيس نوعٍ من الشراكة بينهما.
ولدى السؤال عن صعوبة عمل النساء السعوديات في هذا المجال، تجيب حسين بشكلٍ واقعيّ أنّ "في عالمَي التكنولوجيا والطبّ هناك نوع من السريّة، فلا يهمّ إذا كنتَ امرأة أو رجلاً، ما يهمّ هو ما تحققه."