كيف نستفيد من تحليل بيانات الرعاية لتقليص الفاتورة الصحية؟ [رأي]
تؤثر تكاليف الرعاية الصحيّة بشكلٍ مباشر على ربح الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم وقدرتها على المنافسة في السوق.
وفي الولايات المتحدّة، تشكّل تكاليف الرعاية الصحيّة المتزايدة معضلةً سياسيّة واقتصاديّة أساسيّة، إذ تصل تكاليف الرعاية الصحيّة في الولايات المتّحدة، بحسب بيانات البنك الدولي، إلى 17% من إجمالي الناتج المحلّي.
وبالرغم من عمليّة تجميع البيانات ومشاركتها، التي تتميّز بالانتشار السريع للسجلّات الطبية الإلكترونية ومواقع تبادل المعلومات الصحّية، لم تتأثّر بشدّة تكلفة ونوعيّة الرعاية الصحيّة في الولايات المتّحدة، بحسب "هيلث كاتاليست" Health Catalyst.
في هذا الإطار، تجد بعض بلدان الشرق الأوسط نفسها في حالٍ أفضل من الولايات المتّحدة من هذه الناحية، فالإمارات والسعودية مثلاً تصرفان فقط 3.2% من إجمالي الناتج المحلي على الرعاية الصحيّة.
تكاليف الرعاية الصحيّة تتفاوت بشكلٍ هائل بين هاتين المنطقتين من العالم. (الصورة من شاخر مالوانكر Sheikher Malwanker)
وبالتالي، بدلاً من اعتماد الممارسات الطبيّة القديمة المنتشرة في البلدان المتقدّمة، تتاح اليوم الفرصة أمام بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإحداث قفزةٍ في مجال الصحّة والسيطرة على تكاليف الرعاية الصحيّة المتزايدة، من خلال:
- تعزيز الرعاية الصحيّة الوقائيّة مع الجيل الجديد من الأجهزة والأدوات الخاصة بالرعاية، عبر تشجيع المجتمع بأكمله على استخدامها، من خلال قنوات عدّة منها: الموظفون في الشركات الكبرى، وشركات الاتصالات، والبنوك وغيرها. وأيضاً، إنشاء بوابةٍ إلكترونية مشتركة حيث تُجمع كلّ البيانات المتعلّقة بنمط الحياة اليوميّة لكلّ فردٍ يشارك في البرنامج الوقائي.
- السماح للأفراد بالتحكّم ببياناتهم الصحيّة ومعلومات التأمين الخاصّة بهم وبيانات إدارة الأجهزة الخاصّة بأمراضهم المزمنة، ومشاركتها على البوابة الالكترونية المشتركة نفسها.
- مساعدة المستشفيات والمختبرات والصيدليّات وشركات التأمين على فهم أنّ مشاركة البيانات أمرٌ مفيد لهم، وحملهم على مشاركة ولو جزء من السجلّات الطبية الإلكترونية مع المرضى عبر البوابة الإلكترونيّة المشتركة.
إنّ الاطلاع بطريقةٍ شاملةٍ على المعلومات الطبيّة القديمة، وبيانات نمط الحياة، وبيانات إدارة الأمراض المزمنة، وبيانات التحليلات الطبيّة الحديثة، في مكانٍ واحد، سيساعد الأطباء على التخلّي عن قواعدهم القديمة ووصفاتهم الطبيّة المتكرّرة، والانتقال إلى معالجة المرضى بالاعتماد على اطبّ المبني على البراهين. وبالإضافة إلى ذلك، ستقلّص هذه الطريقة كلفة العناية الصحيّة بالمرضى بشكلٍ كبير. أمّا التقدّم الواعد عند استخدام البيانات الضخمة والتحليلات في الرعاية الصحيّة، فيكمن في قدرتها على تحويل هذه الرعاية إلى ثقافةٍ مبنيّةٍ على البيانات.
في البلدان المتقدّمة، تشكّل العادات الموروثة عثرةً أمام المستشفيات العريقة في أبسط مهماتها كإدخال بيانات المريض في نظامهم بفعاليّة. أمّا بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهي تتمتّع اليوم بفرصة الاستفادة من تكنولوجيا السحابة الإلكترونيّة وحركيّتها وغيرها من الخصائص، للسماح بانتقال البيانات بسهولةٍ بين البوابة الإلكترونية الرئيسيّة وأنظمة المستشفى الخاصّة بكلّ مريض.
بيانات ضخمة، إمكانيات هائلة.
من جهةٍ ثانية، ستسمح التحليلات الإرشاديّة prescriptive analytics بتوقّع ما سيحصل وبالتالي بمعالجته استباقيّاً. كما أنّه من خلال اعتماد التحليلات المرتكزة على البيانات الضخمة عوضاً عن نظام الرعاية الصحيّة غير الفعّال الذي تعتمده البلدان المتقدّمة، ستتمكّن بلدان المنطقة والحكومات والمنظّمات الخاصّة ومؤسّسات خدمات الرعاية الصحيّة من تقييم أنفسها واعتماد أفضل الطرق للعلاج، وتطبيق مبادرات ابتكاريّة لدعم الرعاية الوقائيّة، وتشجيع نمط الحياة الصحّي. وبالتالي بهذه الطريقة، يمكن لهؤلاء أن يقلّصوا من التكاليف المرتبطة بالرعاية الصحيّة.
كذلك، ستسمح التقنيات والتكنولوجيات المتعدّدة، مثل تصوير البيانات data visualization، بعرض البيانات المعقّدة والكبيرة، بحيث تكشف عن أنماط جديدة وتفاعلات لم تكن معروفة سابقاً بين المرضى والأطباء. كذلك، بالاستعانة بهذه التقنيات والتكنولوجيا، يمكن لشركات التأمين التقليديّة أو الشركات الوسيطة لإدارة مطالبات التأمين الصحّي TPA، عوضاً عن معالجة مطالبات التأمين فقط، أن تجمع بيانات المطالبات مع معارف الفرد في المجتمع وفي حقل العمل وفي سنوات الدراسة، من أجل معرفة المرضى والأطباء حسن معرفة.
في هذا العصر، من المؤسف أننا كمستهلكين نصرّ على شراء سيّارات تنذرنا مسبقاً لتُعلمنا ما يحصل فيها، وأنّنا كمرضى لا نطالب بمعرفة ما يحصل في أجسامنا.
وتماماً، مثلما قفزَت عدّة دول غير متقدّمة من الهواتف الأرضية إلى خدمات الهاتف النقّال، نمتلك اليوم الفرصة للقيام بخطوةٍ كبيرةٍ في مجال الرعاية الصحيّة في المنطقة، من خلال تفعيل الأدوات اللازمة لاستخدام البيانات الضخمة في الرعاية الصحيّة. ولتحقيق ذلك، من الضروري اعتماد هيكليّة ذات توجّه خدماتي SOA في بيئة الرعاية الصحيّة، ما سيسمح باستضافة مجموعاتٍ من البيانات يوماً بعد يوم من مصادر لمّا تعرف المنظّمات بعد أنّها بحاجةٍ إليها.
على سبيل المثال، ستساعد بوابة إلكترونية مركزية، مثل "هايجييا" Hyjiyaوتطبيقها للأجهزة المحمولة الذكيّة، على ربط مجموعات البيانات الحديثة ببنية تكنولوجيا المعلومات الطبية القديمة. كما أنّ أداة تحليل المخاطر الصحيّة التي ابتكرتها هذه البوّابة، ستساعد الأفراد والمؤسَّسات والحكومات على رؤية لوحات تنبؤيّة وتقارير تساعد على التخطيط لبرامج صحيّة تصبّ في مصلحة الجميع.
في الإجمال، يعدّ الاستثمار في الصّحة استثماراً لإسعاد الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا الأمر لا يتطلّب سوى مبادرات بسيطة لتعليم وتشجيع المواطنين على التحكّم بمعلوماتهم الصحيّة بأنفسهم، وتخطيط وتنظيم البيانات المتعلّقة بأنماط حياتهم اليوميّة، بالإضافة إلى تقييم حالاتهم الصحية من خلال هذه البيانات ومن خلال اعتماد خطواتٍ صحية بسيطة لتنظيم التفكير والاهتمام بالجسد وتنظيم النظام الغذائي، وبالتالي تنظيم الصحّة بشكلٍ عام.