ريادة الأعمال داخل الشركات ستقود القطاع السياحي
يشهد قطاع الفنادق في الوقت الحالي تغيرات تقنية أكثر من أيّ وقت مضى، ما يجعل الابتكار أمراً أساسياً بالنسبة إلى الفنادق والمؤسسات المعنية بالضيافة كي تحافظ على استمراريتها.
وفي ضوء ذلك، يمكننا القول بأنّ سلسلة فنادق ماريوت نجحت في تصدر موجة الابتكارات هذه، من خلال إطلاق برنامج تسريع الأعمال "تيست بيد TestBED"، الذي يمتدّ لفترة 10 أسابيع ويمنح الشركات الناشئة فرصةً لاختبار منتجاتها في أحد فنادق ماريوت ضمن بيئة فندقية قائمة. وفي الوقت الحالي، تقوم ثلاث شركات ناشئة باختبار منتجاتها في فنادق ماريوت في الإمارات العربية المتحدة، وذلك عقب مخيم تدريبي مكثف.
وفي وقتٍ تعاني فيه الشركات الكبيرة في المجالات المتعلقة بالابتكار، تبرز ريادة الأعمال بصفتها المنقذ. فإلى جانب التزايد في أعداد الشركات الناشئة ورواد الأعمال الذين يرفدون قطاع الضيافة بخدماتهم المبتكرة ومنتجاتهم التقنية، أصبحت ريادة الأعمال داخل الشركات عاملاً تمكينياً أساسياً ضمن القواعد الجديدة للعبة.
تجسّد ريادة الأعمال داخل الشركات مفهوماً يحدّد الأفراد أصحاب السمات الريادية داخل الشركة، فهؤلاء الرياديون يمكن تمييزهم من خلال أفكارهم المبتكرة التي تحفز التغيير الإيجابي في الأعمال. وبخلاف الموظفين الاعتياديين الذين يؤدون الأدوار المحددة لهم، فإنّ رواد الأعمال داخل الشركة هم أصحاب عقلية تجارية ويركّزون على السبل التي يمكنهم من خلالها تحسين العمليات بما يساهم في تحقيق النجاح.
في مقابلة مع ومضة، يؤكّد آدم وايزنبرغ، الشريك الإداري والخبير العالمي في التدقيق ومعايير الضمان للعملاء والقطاعات، ومختص السفر والضيافة والترفيه لدى "ديلويت آند توش “Deloitte & Touche، على ضرورة تحلي أصحاب الفنادق بالتفكير الريادي إن أرادوا تحقيق النجاح.ويقول "إنّ مختلف فئات الضيافة ابتداءَ من الفنادق الفاخرة وحتى الفنادق المتوسطة وصولاً إلى النُزل، تمرّ بما يمكننا اعتباره تحولاً في الهوية. الأمر الذي يعود بشكل رئيسي إلى تحدّي قادة القطاع للوضع الراهن، والبحث عن المزيد من الفرص، إلى جانب تقبّل التغيير الذي يطرأ على العميل."
التحديات والفرص
يصاحب كلّ محاولات التطوّر والنموّ عادةً عقبات عدّة، قد يكمن أحدها في اختيار المنهجية الإدارية والتشغيلية، حيث يتبع رواد الأعمال عادة طرقاً غير تقليدية في إدارة الأمور، وذلك كما يشير فابريس كافاريتا، الأستاذ المساعد في إدارة الأعمال في "المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية ESSEC". ومع ذلك فإنّ الفرص كثيرة، إذ يشير كافاريتا إلى أنّ "ذلك يدلّ على الحدّ من الجوانب الإدارية، والحدّ من هاجس التخطيط وتوقّع المستقبل، فرائد الأعمال الحقيقي يعرف كيف يتصرّف بما يتوفر لديه (أحياناً القليل من الموارد، وأحياناً العلاقات فقط)، ويجري اختباراته". وبعدما يوضح أنّ إجراء التجارب والاختبارات هو جوهر الريادة الحقيقية، يقول "قد يكون على المدراء في قطاع الفنادق تطوير قدرتهم على تخيّل بعض التجارب بالتزامن مع إدارة العمليات القائمة، والمثابرة على الاختبار مراراً وتكراراً حتى تنجح إحدى هذه التجارب..."
وبحسب وايزنبرغ، فإنّ مشاكل مثل الطوابير الطويلة عند مكاتب الاستقبال في الفنادق لا تزال تشكل عائقاً بما يتطلب "تفكيراً ريادياً للمواجهة والحل."
تصاحب العقلية الريادية الجديدة داخل الشركات مهارات جديدة كذلك، كما أنّ توظيف الأفراد الملائمين هو أيضاً من ضمن الأمور الرئيسية. وحول ذلك، يقول أوليفييه فيرشيلد، مستشار أول لدى شركة "لوزان لاستشارات الضيافة Lausanne “Hospitality Consultin، إحدى الشركات التابعة لـ "المدرسة الفندقية في لوزان Ecole Hôtelière de Lausann"، والمسؤولة عن التعليم والاستشارات التنفيذية: "سأذهب أبعد من ذلك وأقول إنّنا لم نعد نوظّف الأفراد حسب مهاراتهم، بل حسب سلوكياتهم. لا نكتفي بطرح الأسئلة الاعتيادية خلال المقابلات بل نقوم باختبار عملي لنرى مدى ملاءمة هذا الشخص لمؤسستنا وما إذا كان يتمتع بالسلوك الصحيح". وبالطبع، هناك بعض السمات التي قد يولي لها قسم الموارد البشرية اهتماماً خاصاً، ولكنها تتصل كذلك بالسلوك أو المهارات الشخصية أكثر من اتصالها بالمهارات الفنية. وتتضمّن هذه السمات، بحسب فيرشيلد، المستوى العالي من المرونة (عدم ممانعة التغيير أو البيئة المتغيرة)، ومهارات التواصل الجيدة (على كافة المستويات بما في ذلك التواصل غير اللفظي)، والاهتمام بتحقيق الأهداف والاستعداد للمخاطرة (إظهار دلالات واضحة على ذلك من خلال الأعمال أو المشاريع السابقة). ويضيف فرشيلد في حديثه مع ومضة أنّ بعض الشركات بدأت باكتساب أفكار جديدة من خلال إنشاء أو رعاية منصّات لاحتضان الأعمال مثل مشروع "ماريوت كانفاس “Marriott Canvas. بالمختصر، تحتاج الشركات إلى رواد الأعمال لوضعها على الطريق الصحيح، فريادة الأعمال داخل الشركة هي ما يساعد في بقائها على هذه الطريق وتحقيقها أهداف النموّ المستقبلية. ويرى فيرشيلد أنّه "يمكن تعزيز هذا السلوك بدعم من إدارة الشركة، ولا بدّ من الالتزام بهذه الروح في كافة أقسام الشركة وبشكل يومي. كذلك، من المهم أن يتاح للأفراد داخل المؤسسة الوقت الكافي والمنصة المناسبة والمرونة التي تمكنهم من التوصل إلى أفكار جديدة أو حتى تغييرية". خلاصة القول، يُبرز ذلك قدرة الإدارة واستعدادها للثقة بموظّفيها، وفي نهاية المطاف منح فريق العمل استقلالية أكبر للنجاح أو حتى الفشل في بعض الأحيان.
منهجية الفنادق الصغيرة مقابل منهجية الفنادق ذات العلامات التجارية
على الرغم من التغييرات التي بدأت بترك آثارها على قطاع الفنادق، لا يزال الكثير من الخبراء يرون بأنّ أمامنا طريقاً طويلاً لتحقيق التكامل التام. يقول فيرشيلد "لا يزال قطاع الفنادق تقليدياً إلى حدٍّ ما"، فمن خلال النظر إلى كلّ ما يحدث في بيئة الفنادق، لم يتغيّر الكثير منذ 50 عاماً. ويضيف "الغرف القديمة هي ذاتها، وكذلك الثلاجات الصغيرة فيها ووجبة الفطور والبارات، حتى أن هناك فنادق (الكثير منها) لا تزال تفرض رسوماً على خدمات الواي فاي في العام 2017". يوضح أنّ بعض الأمور الجديدة رافقت البيئات الجديدة من دون شكّ، إلا أنّها مرتبطة في معظم الأحيان بالتصاميم، "فقد كنّا ندمج التقنيات في الفنادق إلى حد معين، ولكن لم نصل بعد إلى المرحلة التي يمكننا فيها اعتبار ذلك من معايير القطاع."
بخلاف ما هو شائع، تحاول سلاسل الفنادق العالمية تمهيد طرق جديدة، فهي وفقاً لفيرشيلد "أدركت المغزى جيداً، إذ إنها تخصّص فرقاً وميزانيات لما يسمى مشاريع ريادة الأعمال داخل الشركة، بهدف إطلاق أفكار جديدة."
أمّا الفنادق المستقلة أو العائلية أو الصغيرة (بوتيك)، فهي تتّبع نهجاً مختلفاً، إذ يرى فيرشيلد أنّ مدراء أو ملّاك هذا النوع من الفنادق "يفتقرون عادة إلى الوقت والأدوات المناسبة لاغتنام فرص السوق وتحويلها إلى خطط قابلة للتنفيذ."
دراسة ريادة الأعمال في قطاع الضيافة
اكتسبت ريادة الأعمال أهمية واسعة ضمن المبادرات الرئيسية والاستراتيجية في الجامعات، وذلك لدورها في المساعدة على بناء الجيل القادم من قادة الابتكار العالمي. والجامعات التي تدرّس الضيافة ليست بعيدةً عن هذا التوجّه، فالعديد من أبرز الجامعات حول العالم بدأت بإدراج مواد ومناهج متّصلة بريادة الأعمال. على سبيل المثال، أطلقت جامعة فنون الطهي "لو كوردون بلو “Le Cordon Bleu بكالوريوس في إدارة الأعمال - ريادة الأعمال في قطاع الأغذية، وهو تخصص جامعي لمدة ثلاثة سنوات يتضمن مواد تتناول الأعمال المتعلقة بالأغذية ومهارات إدارة أعمال الأغذية، بالإضافة إلى ورش عمل متخصصة. من جهتها، تقدّم "المدرسة الفندقية في لوزان" كذلك شهادة تخصّص في ريادة الأعمال والطعام والشراب، تستهدف رواد الأعمال أو الأشخاص الذين يطمحون إلى أن يصبحوا إلى مدراء في مجال الطعام والشراب، وتوفر المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف المهنية في المستقبل.
وعلى صعيد متّصل، أوجدت "جامعة كورنيل “Cornell University المصطلح الجديد "Entrepretality" الذي يشير إلى تعليم ريادة الأعمال في قطاع الضيافة، تمثل الكلمة مزيجاً بين الكلمتين الإنجليزيتين entrepreneurship”" (ريادة الأعمال) و "hospitality" (الضيافة)، وتشير إلى عملية استخدام الموارد المتوفرة لإيجاد القيمة من خلال تحسين قيمة الخدمة المقدّمة للزبون والعميل أو غير ذلك.
ما يتوجب فعله
يعتقد وايزنبرغ أنّ "المحفّز الحقيقي للتغيير لا يتعلق بتقنية محددة، بل يتعلق بالعقلية المتغيرة. فأنا أرى مجموعة ناشئة من المدراء التنفيذيين الرياديين والشركات الناشئة المبتكرة يزدادون جرأة بمرور كلّ عام، ويصبحون أقل خوفاً من المخاطرة، إلى جانب اعتماد التفكير خارج الإطار التقليدي". بالإضافة إلى ذلك، ينصح الجهات المعنية في قطاع الضيافة بالانتباه إلى الطرق التي يستخدمها المنافسون للابتكار، والانتباه بصورة أكبر إلى كيفية تفاعل العملاء مع هذه الخدمات والمنتجات الجديدة. ويتابع: "سيشهد قطاع السفر الكثير من المراحل التجريبية التقنية المبتكرة عام 2018، ويمكن تعلم الكثير من كيفية تفاعل العملاء مع الخدمات والمنتجات الجديدة. ومن الجيد كذلك أن نكون منفتحين وأكثر قبولاً لمن قد يكونون منافسينا، فالأمر لم يعد واضحاً جداً في الوقت الحالي."
على الرغم من التحول الرقمي الذي يشهده قطاع الضيافة، ينبغي ألا نتجاهل التواصل البشري. فبحسب وايزنبرغ، "لا يزال السفر بالأساس مرتبطاً بالتجربة بين الأفراد، وبالنسبة إلى العلامات التجارية في قطاع السفر اليوم (وفي المستقبل)، يجب الاستفادة من التقنيات لتوفير تجارب متميزة وأصيلة من دون تجاهل التواصل البشري، فالأفراد والثقافة يجسّدون ميزة تنافسية دائمة بالنسبة لهذه العلامات التجارية."
بدوره يشير فيرشيلد إلى أنّ الأجيال الجديدة أصبحت أكثر بروزاً في قطاع الفنادق، ويقول "بالنسبة إليهم تعد التقنية وريادة الأعمال والحاضنات والشركات الناشئة أمراً اعتيادياً، حيث نشؤوا مع النجاح الذي حققته جماهير وادي السيليكون". ويختتم بالقول إنّنا سنرى القليل من المشاريع الكبيرة، إذ يُتوقّع أن تحلّ محلّها المشاريع الصغيرة والمتوسطة.