خمسة توجهات ترسم ملامح التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط في 2025
بقلم فيرا مودينوفا، الرئيس التفيذي لشؤون العمليات لدى Flowwow
تشهد سوق التجارة الإلكترونية نمواً متسارعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى حوالي 50 مليار دولار بحلول عام 2028. تساهم التقنيات المتقدمة باستمرار في تغيير شكل التجارة عبر الإنترنت من جهة، وتخلق فرصاً وتحدياتٍ جديدة للشركات من جهة ثانية، مما يؤكد أهمية المرونة والقدرة على التكيف في هذا القطاع. في هذا المقال، تناقش فيرا مودينوفا، الرئيس التفيذي لشؤون العمليات لدى سوق الهدايا الرائدة عبر الإنترنت فلو واو، آراءها حول الآفاق القريبة لسوق التجارة الإلكترونية في المنطقة لعام 2025، التي تحددها 5 توجهات رئيسية.
منهجيات تسويق مخصصة ومعززة بالذكاء الاصطناعي
يلعب الذكاء الاصطناعي اليوم دوراً محورياً في تخصيص تجارب التسوق، إذ تعتمد معظم العلامات التجارية على خوارزمياتٍ مبتكرة لتحليل بيانات العملاء، بدءاً من تاريخ التصفح وسلوكيات الشراء وصولاً إلى الأذواق والتفضيلات الثقافية، ومن ثم استخدام هذه المعطيات في استراتيجيات تطوير المنتجات والتسويق، وتقديم مزايا جديدة مصممة خصيصاً وفق احتياجات العملاء، وتحسين الدعم المقدم لهم باستمرار، فضلاً عن إنشاء تجارب غير مسبوقة.
كما يشكل الذكاء الاصطناعي أداةً أساسية في قطاع التجارة الصوتية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الغنية بتنوع لهجات اللغة العربية، مما يوفر فرصةً ذهبية لتدريب تقنيات معالجة اللغة الطبيعية على اللهجات الفريدة، وبالتالي تقديم تجارب تسوق تعمل بالأوامر الصوتية بكفاءة عالية. تعزز هذه العملية حضور منصات التجارة الإلكترونية من خلال مساعدتها على التكيّف مع احتياجات العملاء وتوفير تجارب تسوق مخصصة وأكثر شمولية.
ومن أحدث الابتكارات في هذا السياق هي سماعة ياسمينة الذكية التي طورتها شركة يانغو خصيصاً للناطقين باللغة العربية، بعد إدراكها لقلة كفاءة المساعِدات بالذكاء الاصطناعي في هذا الجانب، مثل أليكسا من أمازون. وتوفر ياسمينة تجربة فريدة من نوعها في عالم التقنيات المفعّلة بالصوت، إذ قامت يانغو بتدريبها على فهم العديد من اللهجات العربية والاستجابة لها بأسلوبٍ واعٍ ثقافياً، مع قدرتها على إدراك شخصية المتحدث ومخاطبته بلغةٍ مناسبة، مثل استخدام كلماتٍ بسيطة وملائمة عند التحدث إلى الأطفال.
التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي
لا يخفى على أحدٍ اليوم مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في مشهد الشراء عبر الإنترنت على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتواصل منصات تيك توك وبنترست وإنستاجرام وسناب شات تطوير مزايا جديدة لتمكين المستخدمين من استكشاف المنتجات وشرائها أثناء تصفح أخبارهم اليومية، وتشمل هذه المزايا المنشورات القابلة للتسوق، وواجهات التسوق ضمن التطبيق، وخاصية الإشارة إلى المنتجات، والبث المباشر لفعاليات التسوق. يركز 90% من المستهلكين على الأصالة والموثوقية عند التسوق من المتاجر والعلامات التجارية، مما يوجه اهتمام هذه العلامات نحو توظيف المحتوى المُعدّ من قبل المستخدمين (UGC) والتعاون مع أصحاب المدونات ومشاهير التواصل الاجتماعي. فعندما يتعرّف المستهلكون على علاماتٍ تجارية عن طريق محتوى أصلي وحقيقي شاركه هؤلاء المشاهير ومستخدمون عاديون على منصات التواصل الاجتماعي، يصبحون أكثر ميلاً للوثوق بهذه العلامات وشراء منتجاتها.
ومن أهم الأدوات وأكثرها فعالية في توسيع حضور العلامة التجارية عبر الإنترنت هو التواصل مع الجمهور على المستوى الثقافي وتوطين المنتجات بالشكل الأمثل، أي تخصيصها لتلبي احتياجات المستهلكين وتفضيلاتهم ونقاط الألم لديهم، لتلائم إمكاناتهم المختلفة والحساسيات الثقافية والمحلية. فبدلاً من مجرد اعتماد حملات التسويق العامة خلال المناسبات العالمية مثل فترة الأعياد وعيد الحب، يتعين على العلامات التجارية إطلاق حملات تسويق تحتفل بشهر رمضان المبارك والمناسبات الوطنية لدول المنطقة، مما يعكس احترامها للتراث المحلي ويوطد العلاقة مع عملائها، وبالتالي يزيد المبيعات عبر الإنترنت. وعلى سبيل المثال، تعمد العديد من العلامات التجارية في دولة الإمارات إلى إطلاق حملات تسويق رمضانية خلال الشهر الفضيل، ومعظمها عبر الإنترنت، تركز فيها على أهمية التراحم والتقارب والتسامح، وتقدم عبرها مبادراتٍ مبتكرة لتمكين السكان. ومن أبرز هذه الأمثلة خلال عام 2024 نذكر حملة "الكل مدعوون" من ألدو، وحملة "لحظات رمضان: ألعاب للعائلة ومحادثات من القلب للقلب" من فلو واو، وخاصية تعديل الحساب بالواقع المعزز من سناب شات، وحملة "إنجاز الأعمال الخيّرة" من بنك الكويت الوطني وغيرها الكثير.
تكيّف السوق مع الأجيال المختلفة
طبيعة الأسواق من طبيعة المتسوقين؛ والمشهد الرقمي اليوم ترسمه المزايا الفريدة لجيل ما بعد الألفية (الجيل Z) وجيل ألفا، مثل ارتباط عاداتهم بالتكنولوجيا، وانجذابهم نحو المحتوى البصري والتجارب الغامرة والتفاعلية، لا سيما القصيرة منها. وقد أسهمت هذه الملامح في ظهور منصات ومنتجات عديدة، مثل تطبيق تيك توك، وخاصية الريلز في إنستاجرام، والفيديوهات القصيرة من يوتيوب.
انقضى عهد الإعلانات التقليدية مع ظهور فلاتر الواقع المعزز والإعلانات المرتبطة بالألعاب والعوالم الافتراضية، المصممة جميعها لجذب الجيل ألفا. كذلك يبحث المتسوقون من هذه الأجيال عن علاماتٍ تجارية تشاركهم القيم والمبادئ ذاتها، وفي مقدمتها الاستدامة والشمولية والممارسات الأخلاقية، فإن وجدوا علامةً تجسد هذه القيم تجسيداً حقيقياً، منحوها ثقتهم وولاءهم.
تنوّع وسائل الدفع
يتمحور مشهد التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم حول تسهيل الدفع عبر الإنترنت للمستخدمين، بما يشمل خيارات الدفع بنقرة واحدة باستخدام المقاييس الحيوية والمحافظ الرقمية الآمنة. كما تزدهر حلول الشراء الآن والدفع لاحقاً في المنطقة، مثل منصتي تابي وتمارا، فهي تتيح السداد على أقساط دون فوائد، وبخطط سداد مرنة تلائم مختلف الاحتياجات المالية، فضلاً عن تعاون هذه المنصات مع مجموعة واسعة من تجار التجزئة في المتاجر وعبر الإنترنت. وقد نجحت تابي في زيادة مستوى رضا العملاء وولائهم بفضل المزايا العديدة التي تقدمها، مثل منصتها سهلة الاستخدام ورسومها الواضحة وخيارات السداد المرنة، لتسجل 40% في معدل تكرار الأعمال. وشجعت هذه التجربة الناجحة مزودي الخدمات المشابهة على دخول سوق المنطقة، مما أدى إلى زيادة التنافسية والابتكار في قطاع التكنولوجيا المالية.
كما تشهد المنطقة توجهاً متزايداً نحو الدفع باستخدام العملات المشفرة، بالتزامن مع تدفق مزيد من الاستثمارات لتطوير تقنيات البلوك تشين وحلول العملات المشفرة.
التسويق في عالم الميتافيرس
بدأت العلامات التجارية توجه أنظارها إلى المستهلكين الشباب القادرين على الدفع في العالم الافتراضي، لا سيما من الجيلين Z وألفا، مع الحرص على التميّز عن منافسيها من خلال وضع استراتيجيات خاصة لتصميم الإعلانات والتجارب الغامرة في عالم الميتافيرس، للوصول إلى جماهير جديدة وتعزيز نمو المبيعات. وقد شهدت لعبة روبلوكس دمج أكثر من 240 علامة تجارية في منصتها خلال عام 2023 فقط، مع تزايد عدد مرات تفاعل اللاعبين شهرياً.
إن تركيز العلامات التجارية على التسويق في الميتافيرس، من خلال فعاليات إطلاق المنتجات التفاعلية والمساحات الافتراضية التي تجسّد قيم العلامة وتحتفي بها، يسهم في خلق روابط مخصصة ومتكاملة مع العملاء. ويمكن للشركات اليوم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتتبع سلوكيات المستخدمين وتوظيفها في وضع استراتيجيات التسويق في الميتافيرس، باعتبارها تقدم توصيات فائقة التخصيص، وتتيح تصميم عناصر مخصصة ضمن الألعاب وتنظيم فعاليات حصرية في الواقع الافتراضي. فعلى سبيل المثال، تعمل الشركات اليوم على تصميم مساحاتٍ افتراضية تلائم التفضيلات الشخصية لكل مستخدم، مما يضمن تفاعل المستخدمين بصورةٍ هادفة وفريدة.
وفي الختام، إن مفتاح نجاح الشركات في سوق التجارة الإلكترونية المتطورة والمتغيرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتمثل في تبني الحلول والابتكارات الرائجة والعصرية في التسويق لجذب اهتمام المستخدمين وإظهار العلاقة الوثيقة معهم.