English

كيف يمكن لمكاتب أثرياء العرب أن تعيد تشكيل اقتصاد المنطقة

English

كيف يمكن لمكاتب أثرياء العرب أن تعيد تشكيل اقتصاد المنطقة

مقالة لكاترينا تشيرنوفا، المؤسسة المشاركة لمكتب إدارة الثروات العائلية في دبي (أكتوجون).

المكاتب العائلية هي الجهات الخاصة التي تأسست لإدارة ثروات العائلات الغنية وشؤونها. في الماضي، كانت تلك المكاتب تخدم عائلة واحدة بنهج ثابت لإدارة ثرواتها. ولكن المكاتب العائلية المعاصرة قد تطورت؛ لتصبح أكثر انفتاحاَ على المشورة الخارجية والاستثمارات المهنية - فهي تنوع منهجيتها في الحوكمة وإدارة العمليات.

تقدم العديد من مكاتب إدارة الثروات العائلية الآن خدماتها لمجموعة من العائلات، مما يجعل هذا النموذج فعالاً ومتاحا لقاعدة أوسع من العملاء. ومن التطورات الهامة أيضاً في هذا المجال هي ظهور مقدمي ”مكتب العائلة كخدمة“، وهو نموذج قائم على الاشتراك يوفر خدمات مكتب العائلة الشاملة.

وهذه التطورات تثير سؤالا رئيسيا: ما هو هيكل الحوكمة المناسب لمكاتب إدارة الثروات العائلية الحديثة؟

المكاتب العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: حيث تلتقي العراقة بالحداثة

في حين أن مناطق مثل الولايات المتحدة وأوروبا لديها هياكل راسخة ومجموعة من المهنيين الموهوبين لمكاتب إدارة الثروات العائلية، تظهر مراكز جديدة في العالم مثل الإمارات العربية المتحدة وأوروبا الشرقية وآسيا.

أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر الوجهات الجاذبة للمستثمرين ورواد الأعمال الذين يتطلعون إلى تحقيق النجاح في أرض واعدة للغاية. على سبيل المثال، أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة قدرتها على جذب أصحاب الثروات الهائلة من جميع أنحاء العالم.

تعد مكاتب إدارة الثروات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مزيجاً مثيراً للاهتمام، إذ غالباً ما تجمع بين القيم التقليدية والممارسات المالية الحديثة. وتتمثل هذه الهياكل في شكل شركات قابضة أو مؤسسات - اعتمادا على هيكل العائلة واعتبارات الجنسية والمقيمين - وهي شائعة للغاية بفضل مرونتها وتوافقها مع المعايير القانونية والثقافية المحلية.

تمنح الشركات القابضة سيطرة مركزية على الأصول المتنوعة مع تحقيق مزايا حماية الأصول وتخطيط التعاقب الوظيفي. في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعتبر المؤسسات - وخاصة المؤسسات التي لديها أنظمة قانونية مدنية - بديلاً عن الصناديق الائتمانية لإدارة الثروات وتخطيط التعاقب. فهي توفر مستويات عالية من السرية ويمكن تنظيمها بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من وجود لوائح تنظم عمل المكاتب العائلية في مناطق مالية حرة مثل مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي، إلا أن الشركات القابضة والمؤسسات تبدو أكثر شعبية.

دور المكاتب العائلية في دعم التحول الاقتصادي للمنطقة

على نحو متزايد، تعمل المكاتب العائلية كمستثمرين استراتيجيين، حيث تعمل على توجيه رأس المال إلى القطاعات المتوافقة مع خطط التنويع الاقتصادي الوطني. بل ويقوم العديد منهم بإنشاء أذرع لرأس المال المغامر أو القيام بالاستثمار في منظومات الشركات الناشئة المحلية أو الإقليمية، مما يعزز الابتكار وريادة الأعمال في المنطقة.

تساهم الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الضخمة، التي غالباً ما تتم بالتعاون مع الحكومات، في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل. وتلعب المكاتب العائلية أدواراً أساسية في الاستثمار العقاري (محليا وعالميا)، كما تعزز التنمية الحضرية وتوسيع نطاق قطاع الضيافة.

فعلى سبيل المثال، أسهم مكتب إحدى العائلات السعودية البارزة في تطوير خطة رؤية المملكة 2030. كما أنشأ صندوقاً بقيمة 500 مليون دولار أمريكي يركز على تمويل الشركات التقنية الناشئة في المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فضلاً عن ذلك، استثمر في مشاريع الطاقة الشمسية العملاقة، مما ساهم في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة في البلاد، كما عقد شراكات مع جامعات دولية لإنشاء مراكز بحثية مخصصة للتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات.

يوضح ذلك المثال كيف يمكن للمكاتب العائلية مواءمة استراتيجياتها الاستثمارية مع الأهداف الاقتصادية الوطنية، مما يعزز التحول الاقتصادي الشامل.

النمو على المدى الطويل والتنوع الاقتصادي: أولوية قصوى

تبحث المكاتب العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في قطاعات متنوعة لتستثمر فيها، خاصة تلك التي تبشر بالنمو على المدى الطويل وتتماشى مع خطط التنويع الاقتصادي الإقليمية. في الإمارات العربية المتحدة، استثمرت العديد من المكاتب العائلية في مبادرات الطاقة الشمسية مثل مزارع الطاقة الشمسية الضخمة. وتدعم هذه الاستثمارات استراتيجية التحول التي تتبناها دولة الإمارات للحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق هدفها المتمثل في توليد 50% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2050.

علاوة على ذلك، تبحث المكاتب العائلية في السندات الخضراء لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة. وهي مصممة لجمع الأموال للمبادرات الصديقة للبيئة التي تركز على الحد من الانبعاثات الكربونية وتطوير بنية تحتية مستدامة. ويتوافق هذا النهج مع التزامها بمحاربة التغير المناخي مع السعي لتحقيق استثمارات مربحة.

تستثمر المكاتب العائلية أيضاً في البرامج التعليمية لتحسين إمكانية الحصول على تعليم عالي الجودة. وتشمل هذه الجهود إنشاء منح دراسية للطلاب الأقل حظاً، وتمويل برامج التدريب المهني، ودعم تطوير المدارس في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات. تعمل هذه الاستثمارات على تمكين الشباب وتعزيز النتائج التعليمية في جميع أنحاء المنطقة.

ويعتبر قطاع الرعاية الصحية أحد مجالات التركيز الأخرى. إذ قامت المكاتب العائلية بتطوير المرافق الطبية ودعم البحث والتطوير للعلاجات المبتكرة. وتهدف هذه الاستثمارات إلى تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وجودتها، لا سيما بالنسبة للمجتمعات المحرومة، ومعالجة الفجوات الرئيسية في نظام الرعاية الصحية.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتبنى المكاتب العائلية استراتيجيات الاستثمار المؤثر التي تمنح الأولوية للنتائج الاجتماعية والبيئية والعوائد المالية. تتناول مبادرات التمويل القضايا الاجتماعية الملحة مثل التخفيف من حدة الفقر وتنمية المجتمع. ومن خلال الاستفادة من رؤوس أموالها، تحقق المكاتب العائلية أثراً اجتماعياً إيجابياً، في الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق عوائد.

تعقد العديد من مكاتب العائلات شراكات مع المؤسسات الاجتماعية لتعزيز أثر استثماراتها. يتيح هذا التعاون توحيد الموارد والخبرات لتطوير حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية. وقد أدى هذا النهج إلى إنشاء منصات تدعم ريادة الأعمال الاجتماعية، وتقدم التوجيه والتمويل للشركات الناشئة التي تركز على تحقيق الأثر الاجتماعي.

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثالا مثاليا على التطور المثير للإعجاب وتعزيز النماذج الحالية لضمان الحوكمة الفعالة والأداء القوي. ومع استمرار المكاتب العائلية في التكيف، سيكون تطبيق هياكل الحوكمة المناسبة أمراً بالغ الأهمية لتلبية المتطلبات المتغيرة وضمان النجاح على المدى الطويل.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.