الريادة الفكرية في صميم الإبداع
بول ألميدا هو عميد كلية ماكدونو لإدارة الأعمال وأستاذ كرسي ويليام آر. بيركلي في جامعة جورجتاون
وصلت ثقافة الأعمال في الشرق الأوسط اليوم إلى مرحلة مفصلية، حيث تواصل المنطقة النمو مدفوعةً بالازدهار الاقتصادي المتسارع وتطور الابتكارات، وبالتالي فإنها لا تحتاج مزيداً من الكفاءات التنفيذية بل فئةً جديدة كلياً من رواد الأعمال القياديين، الذين يمكنهم التعامل مع التغيرات الديناميكية بأسلوب خاص من شأنه تعزيز التعاون وإلهام الآخرين وتحقيق الأهداف الكبرى على مستوى المؤسسة والدولة.
وتمثّل العقلية الريادية عنصراً بالغ الأهمية لجميع المؤسسات، بدءاً من الشركات الناشئة ووصولاً إلى الشركات الكبرى المدرجة على قائمة فورتشن 500، إذ تساهم هذه العقلية في ابتكار منتجات وخدمات وعمليات غير مسبوقة، وتعكس روح التطور القادرة على إحداث النقلات النوعية. ولا بد من فهم هذا الدور الريادي للنجاح في إيجاد ثقافة عمل مبتكرة ومثمرة.
تطور قيادة الأعمال الديناميكية
تتميز منطقة الشرق الأوسط بموقعٍ استراتيجي يشكل حلقة وصل بين ثقافات وقارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، أي على مفترق طرق التجارة العالمية. ونظراً لهذه العلاقات والمسارات المتبادلة، تحتضن المنطقة المنظومة الديناميكية المناسبة لتسريع الابتكار بالاستناد إلى الطموحات والأهداف.
وشهدت غرفة تجارة دبي في دولة الإمارات تسجيل أكثر من 30 ألف شركة جديدة خلال النصف الأول من عام 2023، بزيادةً ملحوظة قدرها 43% مقارنةً بالعام السابق. كما احتلّت منظومة الشركات الناشئة في العاصمة الإماراتية أبوظبي المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث سرعة النموّ، وفقاً للتقرير العالمي لمنظومة الشركات الناشئة 2023 (GSER).
وبدورها، تعمل المملكة العربية السعودية على احتضان منظومة داعمة للشركات الناشئة، بهدف زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 30% ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. وقد حققت منظومة الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة نمواً ملحوظاً بعد انحسار أزمة كوفيد-19، مدفوعةً بمجموعة من العوامل تشمل إصدار سياسات مشجعة على الأعمال، وظروف الاقتصاد الكلي المواتية، والاستثمارات الواعدة، وثقافة ريادة الأعمال المتنامية في المملكة.
وتواصل المنطقة تجنّب المخاطر التقليدية المرتبطة بمحاولات استكشاف المجالات الجديدة، من خلال الاستمرار في دعم ريادة الأعمال وتمكين الشركات، مما يعزز مكانة المنطقة بوصفها مركزاً آمناً وجاذباً للمشاريع الريادية والشخصيات القيادية الطموحة.
وأسهمت هذه العوامل في رسم ملامح الطلب على الكفاءات التنفيذية في المنطقة، ففي بيئات الأعمال الديناميكية والمضطربة، يستلزم نجاح الشركات وجود قادةٍ مبتكرين وقادرين على استكشاف الفرص الجديدة وتبني الأفكار المستقبلية الطموحة. وبدأ رواد الأعمال وقادة الشركات بإدراك هذا التحوّل، فهم يبحثون اليوم عن قادة تنفيذيين يتمتعون بالأسلوب اللازم لتحقيق النجاح في مشهد الأعمال المتقلّب.
ويعتمد قادة الشركات ورواد الأعمال مقاييس متشابهة لتقييم التنفيذيين الناجحين، والتي تستند إلى جوانب الحماس والشغف والثقة المطلقة بالقدرة على تحقيق النجاح، إضافة إلى الاستعداد للعمل مع الشركات الأخرى في المنطقة وعبر قطاعات مختلفة وبالتعاون مع مجموعة من الوكالات الحكومية أو غير الحكومية. فمن المنطقي أن قطاع الأعمال وحده لا يستطيع معالجة الأزمات العالمية الملحّة، لكنه قادرٌ على إحداث تغييراتٍ إيجابية ملموسة عند تعاونه مع باقي القطاعات والجهات الفاعلة.
التركيز على التعليم والإرشاد لتعزيز كفاءات القيادة الديناميكية في مشهد الشركات الناشئة ضمن الشرق الأوسط
يشهد قطاع الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط تحولاً فريداً في جوانب التكنولوجيا وريادة الأعمال وممارسات الأعمال التقليدية، ويتعيّن على القادة اليوم مواكبة هذه المرحلة المفصلية بنجاح، من خلال اعتماد أحدث الابتكارات التكنولوجية والحفاظ على التقاليد العريقة التي كوّنت هوية المنطقة. ويمثّل تحقيق التوازن بين الابتكارات والتراث الثقافي تحدياً حقيقياً يستلزم من القادة التحلي بالمرونة والديناميكية وإدراك الحساسيات الثقافية في الوقت نفسه.
كما تدرك مختلف الحكومات في الشرق الأوسط اليوم أهمية التعليم المستمر، فعمدت لإطلاق مجموعة من المبادرات والسياسات لتشجيع الأفراد على تبني ثقافة التعلّم مدى الحياة. وعلى سبيل المثال، أطلقت دولة الإمارات برامج التعلّم مدى الحياة بهدف تعزيز الآفاق المهنية والتقدم الوظيفي لمختلف السكان.
ويبقى التعليم اليوم من أبرز العوامل الدافعة للتقدم، لدوره في إعداد جيلٍ من القادة المزودين بالمهارات اللازمة للنجاح في مشهد الأعمال الديناميكي للمنطقة وقطاع ريادة الأعمال على العموم.
وتقدم دول الشرق الأوسط، لا سيما دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، نموذجاً ناجحاً حول احتضان منظومات مزدهرة من خلال الجمع بين العقلية الريادية والدعم الحكومي. ولا يزال المستقبل حافلاً بالتحديات، إلا أنه يمكن تجاوزها وتحقيق أفضل النتائج بالاعتماد على جيلٍ جديد من قادة الأعمال، المزودين بمهارات القيادة الديناميكية ويركزون على مواصلة التعلّم والالتزام الراسخ بالابتكار والانطلاق بناءً على مخيّلتهم وأحلامهم وطموحاتهم.