هل يبدو مستقبل أسواق الزهور وردياً؟
شهد قطاع البيع بالتجزئة في شتى أنحاء الشرق الأوسط بحراً من التغييرات، حيث أصبحت عمليات الشراء عبر الإنترنت جزءاً أساسياً من عملية التسوق. كما أن الشركات الناشئة التي تهدف إلى رقمنة كل جانب تقريباً من جوانب هذه العملية تتسبب بشكل متزايد في تغيير التجارة الإلكترونية تغييراً جذرياً.
لذلك لم ينج قطاع الأزهار من هذه الطفرة الرقمية. فيُتَّبع نظام التجارة الإلكترونية في هذا القطاع، ولكن بوتيرة أبطأ. ويشير عبد العزيز اللوغاني، الرئيس التنفيذي لشركة فلاورد، إلى أن ذلك البطء يرجع إلى أن هذا القطاع لا يزال قطاعاً مشتتاً إلى حد بعيد، فيقول: "إنها صناعة تقليدية في جوهرها؛ فما زالت المتاجر التقليدية الصغيرة هي السائدة. وشيئاً فشيئاً نرى زيادة توغل التجارة الإلكترونية في هذا العالم، ولا شك أننا نتسبب في حدوث هذا التغيير".
وفي ظل حالة عدم اليقين الناجمة عن أزمة كوفيد-19، عززت الشركة خططها التوسعية، فأصبحت الآن تعمل في عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر والمملكة المتحدة.
وأضاف اللوغاني: "في شهر آذار/مارس2020، كنا مستغرقين في توسعنا، ورأينا أن انتشار التجارة الإلكترونية في هذا الجزء من العالم وفي مناطق أخرى كان يتضاعف تقريباً. فشعرنا أننا نريد حقاً أن نكون على استعداد للمزيد، مما دفعنا إلى أن نكون أكثر حضوراً بشكل فعلي من خلال إنشاء مراكز للتعبئة والتجهيز في حيز جغرافي أوسع".
وفي مطلع هذا الأسبوع، أعلنت شركة فلاورد أنها حصلت على 27.5 مليون دولار في جولة التمويل الثانية، وتتطلع إلى زيادة توسعها وتعزيز نموها. وتقدم شركة فلاورد حلاً متكاملاً للتجارة الإلكترونية، حيث تشتري الزهور المقطوفة من أماكن مختلفة حول العالم، ثم تشحنها إلى مركز التعبئة والتجهيز الخاص بالشركة. ويرى اللوغاني أن شركة فلاورد أُسِّست بهدف سد فجوة الثقة بين العلامة التجارية والعميل.
ويقول اللوغاني: "وجدنا أن الأشخاص ليس لهم في الواقع ولاء لكثير من العلامات التجارية عند شراء الزهور، وإنما يعتمد ولاؤهم على بائع الزهور، وجودتها، وكيفية توصيلها. ولذلك فضَّلنا أن يعتمد عملنا بالكامل على التجارة الإلكترونية. ويقوم معظم منافسينا في السوق بدور الجهة المُجمِّعة لكثير من العلامات التجارية. ولكن، في شركتنا، نتطلع إلى سد فجوة كبيرة وإنشاء علامتنا التجارية الخاصة، والاستحواذ على تجربة العميل بأكملها قدر الإمكان".
السعودية بوصفها وجهة منشودة
تبلغ قيمة سوق دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب اللوغاني، حوالي 1.5 مليار دولار، وتحظى السوق السعودية بالجزء الأكبر من النمو. ويقول اللوغاني مُخمِّناً: "إن المملكة العربية السعودية تشكل 50% من إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي. ونعتقد أن التحول الرقمي الذي يحدث في السعودية بقيادة الحكومة سيكون له في نهاية المطاف تأثير مضاعف بمقدار ثلاثة أضعاف، إن لم يكن أربعة أضعاف، على بقية البلدان المجاورة في المنطقة".
كما أن المملكة العربية السعودية هي موطن مزارع أسترا التي تُعدُّ أكبر مُنتِج للزهور في الشرق الأوسط. وفي الأسبوع الماضي، استحوذت شركة فلوراناو –وهي سوق لتجارة الزهور بين الشركات ويقع مقرها في دبي– على أعمال التوزيع الخاصة بمزارع أسترا السعودية، بهدف رقمنة أعمال توزيع الزهور بها.
ووفقاً لما ذكره شريف مزيك، الرئيس التنفيذي لشركة فلوراناو، فإنه بموجب هذه الصفقة، سيُباع إنتاج الشركة بالكامل عبر الإنترنت بحلول نهاية الشهر المقبل. يقول مزيك: "تعد المملكة العربية السعودية أكبر سوق في المنطقة، وإذا كنت تريد حقاً توسيع نطاق عملك، فلا بد أن يكون لك وجود هناك".
وتتطلع شركة فلوراناو، من خلال التوسع في المملكة العربية السعودية، إلى معالجة أوجه القصور التي تعتري سلسلة التوريد في قطاع الزهور من خلال الاستفادة من التكنولوجيا. ويوضح مزيك ذلك فيقول: "إن التحدي الأول الذي نواجهه في المملكة العربية السعودية هو الخدمات اللوجستية. ولحسن الحظ، تمكَّنا من معالجة ذلك خلال مدة زمنية قصيرة، وعملنا مع شركاء في مزارع أسترا، وأعدنا تصميم شبكة الخدمات اللوجستية بالكامل على نحو يضمن وجود إطار توصيل من المزرعة إلى العميل يعمل على مدار الساعة".
وتساعد أسواق التجارة الإلكترونية على زيادة الوضوح والشفافية في سلسلة التوريد بأكملها، إضافةً إلى منح تجار التجزئة الفرصة للوصول إلى مجموعة أوسع من المنتجات من جميع أنحاء العالم. وأما في حالة أسواق الزهور، فإن رقمنة سلسلة التوريد في هذا القطاع ستزيد أيضاً من اطِّلاع العملاء على الأنواع المختلفة من الزهور لتمكنهم من الاختيار بشكل أفضل وأكثر استنارة.
يقول شريف مزيك: "في منطقتنا، تُباع الزهور بوجه عام بناء على لونها. ونريد التأكد من أن كل شخص على المنصة يتخذ قرار الشراء بناءً على مواصفات مثل طول عنق الزهرة، وحجم رأسها، وما إلى ذلك. وقد بدأ العملاء يعرفون قيمة اتخاذ قرار الشراء بناءً على مواصفات خاصة وشكل معين ونوع محدد، بدلاً من الشراء بناءً على نمط مرجعي أعم".
التوصيل للعميل النهائي
تنطوي إدارة أي سوق للزهور على مجموعة من اقتصاديات الوحدة التي تختلف عن تلك التي ترتبط عادةً بالأسواق الأخرى لبيع المواد الغذائية والبقالة والأدوية أو الأجهزة المنزلية. ولأن الزهور منتجات سريعة التلف، فإنها تتطلب نوعاً خاصاً جداً من المعرفة والخبرة في المناولة والنقل وعمليات التسليم.
ويرى شريف مزيك أن مجال الزهور يتيح فرصاً لنمو شركات التوصيل الخارجية إذا أتقنت عملية توصيل الزهور إلى العميل النهائي، فيقول: "عندما أنشأنا الشركة، استنتجنا سريعاً أننا بحاجة إلى تعزيز قدرتنا على التوصيل للعميل النهائي".
إلا أن حامد إسلاميان، مؤسس منصة بلاك آند بلانك الإماراتية المتميزة في توصيل الزهور، يرى أن التوصيل للعميل النهائي يمثل تحدياً كبيراً لشركته، فيقول: "إننا حقاً نواجه تحدياً كبيراً في توصيل المنتجات إلى عملائنا في الوقت المناسب. ومنذ بداية أزمة كوفيد-19، جاء إلينا ما يتراوح من 20 إلى 30 شركة على الأقل من شركات التوصيل الجديدة وطلبوا العمل معنا، ويعملون جميعاً معنا الآن، ولكن لا يزال من الصعب جداً علينا أن نصل إلى العميل في الوقت المناسب. وكل شيء يتم عبر الإنترنت في الوقت الحالي، على الرغم من توفر كثير من شركات التوصيل المختلفة الآن".
من أين سيأتي النمو؟
يمكن أن تنقسم المحركات الرئيسية الدافعة للنمو في هذا القطاع إلى ثلاث فئات: الإهداء، والاستعمال الشخصي للزهور، والمناسبات. يقول مزيك موضحاً: "الإهداء آخذ في النمو، وأعتقد أن هذه [الفئة] ستكون المحرك الرئيسي للنمو في القطاع".
وفي ظل توقف معظم حفلات الزفاف والتجمعات العائلية بسبب الجائحة، يُبيِّن شريف مزيك أن معظم النمو الذي حدث في هذا القطاع خلال العام الماضي كان مدفوعاً بالإهداء، إلا أنه يؤكد أن القطاع لن يستطيع تحقيق معدلات نمو أعلى ما لم يبدأ الناس في شراء الزهور لأغراض الاستخدام الشخصي. ويقول: "إذا نظرنا إلى القطاع، فسنجد أن النمو سيأتي من قدرة القطاع على زيادة حصة الزهور التي يشتريها العميل لاستخدامه الشخصي".
ولعبد العزيز اللوغاني، الرئيس التنفيذي لشركة فلاورد، وجهة نظر مماثلة، إذ يوضح أن فئة الاستهلاك الشخصي تتيح إمكانيات نمو هائلة، فيقول: "إن الجزء الأكبر من الاستهلاك في سوق الزهور لدينا يرتبط بالإهداء. أما في الأسواق الأكثر تقدماً، فإن أكثر من 50-60% من السوق يتمثل في الاستهلاك الشخصي، مثل شراء زهور لغرف المعيشة، ودفع اشتراكات لتجديد الزهور أسبوعياً".