قوة البيانات البديلة ومخاطرها
قد يبدو للبعض أنك لا بد أن تمتلك قدرات خارقة لكي تتنبأ هل الاستثمار سيكون مربحاً أم لا. ولكن لا يلزم في أيامنا هذه أن تكون عرَّافاً أو صاحب قدرات خارقة لتكون تنبؤاتك دقيقة، بل يكمن سر الاستثمارات الجيدة والقرارات المالية المربحة في استخدام البيانات للتوصل إلى تنبؤات سليمة.
ومع ظهور التقنيات الحديثة، لم تعد مصادر البيانات التقليدية، مثل القوائم المالية والعروض التقديمية الإدارية وإيداعات هيئة الأوراق المالية والبورصات وتوقعات المحللين والبيانات الصحفية وما إلى ذلك – لم تعد كافية لاكتساب ميزة تنافسية. وفي هذا السباق اللامتناهي للتفوق على الآخرين، زادت أهمية البيانات البديلة زيادةً كبيرةً.
وتشير البيانات البديلة إلى الرؤى غير التقليدية التي يحصل عليها المستثمرون من شتى مصادر البيانات، سواء من سلوكيات المستخدمين أو المعلومات المُستقاة من مستشعرات إنترنت الأشياء، لاتخاذ قرار استثماري بشأن الأداء المستقبلي للشركة. وشهد الطلب على البيانات البديلة واستخدامها نمواً في السنوات القليلة الماضية، وزاد ذلك في عام 2020. ومن المحتمل أيضاً أن يزداد استخدامها في السنوات القادمة، لا سيما في ظل تزايد الاهتمام بالقرارات الاستثمارية للمستثمرين الأفراد والمتداولين المقيمين في المنزل، وقد أصبح من الصعب تجاهلها.
مصادر البيانات البديلة
تُعدّ المعلومات المتعلقة بالأفراد وأنماطهم السلوكية أحد أكثر مصادر البيانات البديلة انتشاراً. كما أن البيانات البديلة قد توفر معلومات محدثة، فتسد الفجوة الناجمة عن الافتقار إلى البيانات التقليدية، وهي في المقام الأول بيانات مستمدة من مصادر خارجية. ومن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية للبيانات البديلة إلى 17.35 مليار دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 40.1% خلال هذه الفترة، مقارنةً بمبلغ 1.64 مليار دولار في العام الماضي، حسب مؤسسة غراند فيو للبحوث.
ونحن كأفراد نُقدِّم بيانات بديلة عبر منصات مختلفة. على سبيل المثال، يجري رصد استخدامنا للتطبيقات على الهواتف الذكية، وأجهزة الاستشعار، والأقمار الصناعية، والأجهزة التي تدعم إنترنت الأشياء، ويجري باستمرار الحصول على البيانات المتعلقة بتفاعل المستخدمين وبيعها لجهات أخرى مهتمة بتلك البيانات. أضف إلى ذلك أن بيانات معاملاتنا التي تُجرى عبر بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والتبادلات النقدية تقدم أيضاً رؤى عميقة فيما يتعلق بأنماط إنفاقنا وهواياتنا.
وحتى في أسواق الأوراق المالية، يوجد العديد من فئات البيانات البديلة، ولكن الفئة الأكثر تأثيراً هي قياس/ تغيير المشاعر عبر منصات التواصل الاجتماعي والمجتمعات المفتوحة ومنصات التعهيد الجماعي. كما أن إجراء تحليلات صريحة للبيانات المُجمَّعة يسمح بوصول المستثمرين إلى معرفة إضافية لم تكن متوفرة من قبل. ويسمح ذلك للمستثمرين بتقييم الفرص الاستثمارية على نحو أفضل، مما يجعل البيانات البديلة أداةً قيّمةً لشركات إدارة الاستثمارات التي تبحث عن عائدات استثمارية أكبر.
وقد زاد تأثير هذه البيانات البديلة وضوحاً في الوقت الحاضر بسبب إخفاق سهم GameStop. فقد ارتفع سعر سهم شركة Grapevine، وهي شركة ألعاب فيديو يقع مقرها في تكساس، من 20 دولاراً إلى 483 دولاراً في فترة قصيرة لا تتجاوز أسبوعين في شهر كانون الثاني/يناير 2021.
وكان السعر قد شهد هذا الارتفاع الكبير المفاجئ بعد أن لاحظ مجموعة من المتداولين اليوميين الهواة وجود فرصة فاستغلوها، إذ كانت صناديق التحوط تبيع أسهم GameStop على المكشوف، وكان عدد الأسهم التي تم بيعها على المكشوف أكبر من تلك المتوفرة في السوق. فبدأ المتداولون اليوميون إلى جانب متداولين آخرين على موقع "ريديت" في تجميع أكبر قدر ممكن من أسهم GameStop وتحريك السعر إلى أعلى. وبعد أن أُضيفت إلى ذلك قوة وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تغريدة إيلون ماسك التي كتب فيها «Gamestonk»، ارتفع سعر سهم Gamestop ارتفاعاً كبيراً. ومن المؤكد أن الجميع ركبوا الموجة، وارتفع سعر السهم بشكل كبير مما جعل صناديق التحوط تخسر مبلغاً كبيراً لتغطية البيع بالمكشوف. وتوصلت ورقة بحثية أعدَّها معهد الفكر الاقتصادي الجديد في أكسفورد إلى أن المستخدمين الذين يُعلِّقون على مناقشة واحدة بشأن أصل معين تزداد احتمالية إجرائهم لمناقشة جديدة بشأن هذا الأصل في المستقبل بمقدار 4 أضعاف، مما يدل على أن استراتيجيات الاستثمار تتشكل من خلال التفاعل الاجتماعي.
وتجلّى أيضاً تأثير البيانات البديلة ووسائل التواصل الاجتماعي عندما كتب إيلون ماسك في شهر كانون الثاني/يناير تغريدة قال فيها "استخدم Signal"، وهو تطبيق مراسلة مركزي مشفر، فارتفع سعر سهم شركة Signal Advance (وهي شركة استشارات طبية لا علاقة لها بالتطبيق المذكور). وكان أيضاً في مرات عديدة سبباً في تحريك أسعار أسهم Clubhouse وDogecoin وBitcoin.
ولاحظت شركة Thinknum للبيانات زيادة عدد مرات الإشارة إلى Gamestop قبل أيام من ارتفاع السعر، وأطلقت مجموعة بياناتها التي تُركِّز على موقع "ريديت". ولاحظت شركة بيانات أخرى، هي شركة Stockpulse، تلك الضجة في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2020. ووفقاً للتحليل الرجعي الذي أجرته شركة Quiver Quantitative، فإن استراتيجية شراء أسهم الشركات الخمس الأكثر ذكراً على موقع Wallstreetbets في الأسبوع السابق والاحتفاظ بها كان من الممكن أن تحقق 61% في عام 2020.
ويوجد على أرض الواقع مفهوم "حكمة الجماعة" الذي يشير إلى أن الجماعة أو الجمهور أكثر عقلانية وذكاءً في التنبؤات من الفرد. إلا أن ذلك يثير التساؤل التالي: هل ما حدث مع GameStop كان نتيجة التفكير الجماعي؟
والإجابة هي أنه في الواقع ليس كذلك. ففي حالة GameStop، تحول الحشد إلى غوغاء. وأصبح الأمر غير منطقي، وبدأ يتحول صراحةً إلى رهان ضد صناديق التحوط. واستفاد من هذا الموقف كثير من المتداولين اليوميين، وبدأوا المقامرة على السهم دون أن يستندوا في قراراتهم إلى التحليل الأساسي، بينما رأى آخرون أن قيمة السهم تزيد على ما يتراوح من 5 إلى 10 دولارات بسبب التغييرات التي كانت تحدث مثل شراكة الشركة مع مايكروسوفت. وتشير الأدلة النوعية على موقع Wallstreetbets إلى أن أعضاء المنتدى قاموا بعمليات عالية المخاطرة نشرها آخرون بسبب الخوف من فوات الربح. ولا بد من توفر أربعة أشياء ضرورية لكي تنجح الحكمة الجماعية في أي منصة: أولاً: ينبغي أن تكون الآراء متنوعة؛ ثانياً: الاستقلالية، ينبغي أن ينتبه الناس إلى معلوماتهم؛ ثالثاً: يجب أن تكون التجربة غير مركزية، وأخيراً: ينبغي أن تكون طريقة الجمع مناسبة. ومن ناحية أخرى، خلصت ورقة بحثية في كلية إمبريال كوليدج إلى أن منصات التمويل الجماعي القائمة على المكافآت مثل Kickstarter وIndiegogo تُظهر أنماطاً متسقة مع الحكمة الجماعية.
المخاطر
أصبح الأفراد، بوجه عام، أكثر وعياً وتمكيناً من ذي قبل فيما يتعلق بفهم أهمية البيانات الشخصية والأسباب التي تجعل الشركات تحتاج وتريد الوصول إليها. وكانت، ولا تزال، الخصوصية أحد الموضوعات الساخنة، حيث تُركِّز الهيئات التنظيمية في شتى أنحاء العالم تركيزاً كبيراً على تجميع البيانات وضم بعضها إلى بعض لتجميع خيوط هوية الفرد. وعادةً ما تكون البيانات البديلة مجهولة المصدر أكثر من البيانات التقليدية، لكن الخصوصية لا تزال في خطر. وقد تحتوي البيانات البديلة على معلومات شخصية يمكن استخدامها لتحديد هوية شخص ما في مجموعة البيانات، وينبغي إدارة هذه المخاطرة بفعالية. كما أن امتلاك معلومات جوهرية غير علنية يُعدّ أيضاً أحد المخاطر، ومجرد وجود البيانات في متناول المبرمجين البارعين لا يعني أنها معلومات علنية.
وينبغي التعامل مع البيانات البديلة بعناية. ويتمثل أحد التحديات الأخرى المتعلقة بالبيانات البديلة في تحديد الرؤى المفيدة وفصلها عن البيانات المُشوشة وغير المتوافقة على شتى المنصات. ولأن كل مجموعة بيانات قد تكون فريدة من نوعها، فقد تجد الفِرقُ الاستثماريةُ صعوبةً في تأكيد دقة البيانات، مما يثير مخاوف بشأن إشارات التداول غير الدقيقة. ويعني ذلك أيضاً أن القواميس الآلية ستحتاج إلى تحديث مستمر لمواكبة الظهور المستمر للألفاظ العامية والرموز التعبيرية الجديدة.
ولا شك في أن البيانات البديلة أثبتت أنها قوية جداً. ولذلك توجد حاجة إلى تسخير قوتها لصالح المستثمرين والنظام المالي ككل مع وضع المخاطر في الاعتبار.