لماذا نحتاج إلى النظر في الشمول المالي للأطفال؟
إن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تُعرِّف محو الأمية المالية أو القدرة المالية بأنها مزيج من الوعي والمعرفة والمهارة والموقف والسلوك الضروري لإدارة الموارد المالية بشكل فعال، فضلاً عن القدرة على اتخاذ قرارات مالية سليمة من أجل وضع مالي جيد مدى الحياة.
مَنْ هم فئة القُصَّر الذين لم يبلغوا السن القانونية لفتح حسابات مصرفية؟ ولماذا يُعدّ تثقيفهم أمراً مهماً؟
وفقاً للأمم المتحدة، يُصنَّف البالغون من العمر 14 عاماً أو أقل على أنهم أطفال، بينما يُصنَّف الذين تتراوح سنهم من 15 إلى 24 عاماً على أنهم شباب، ويُشار إليهم أيضاً باسم الجيل Z، وأكبرهم قد تخرج في الجامعة ودخل حالياً سوق العمل. وهذا الجيل رقمي بفطرته، فلم يعيشوا أبداً بدون غوغل أو وسائل التواصل الاجتماعي. إنهم جيل "شاهد الآن، واشتر فوراً" الذي يبلغ متوسط مدة انتباههم ثماني ثوان، مقابل 12 ثانية هي متوسط مدة انتباه جيل الألفية. وها هم يصيرون الجيل الأكثر تثقيفاً إلى جانب امتلاكهم قدراً كبيراً من القوة الشرائية ويُحدثون تغييراً سريعاً لمستقبل التسوق، وبالتالي أصبحوا محور تركيز جديد للمُسوِّقين وأصحاب العلامات التجارية، ولذلك من الضروري أن يتسلحوا بالكفاءة المالية.
ويُعدّ الشمول المالي للشباب أمراً مهماً لأنهم يملكون سبل الحصول على المال وينفقونه. فهم يتعاملون مع المال من خلال تلقي المصروف، أو كسب المال من العمل، أو حتى الحصول عليه في شكل هدية أو "عيدية". كما أن الأشخاص الذين يكون إلمامهم بالأمور المالية محدوداً أو معدوماً يتخذون قرارات مالية خاطئة، فيُقلل ذلك من فرصهم. واستثمار بعض الوقت في تعلُّم المزيد عن المال في الصغر يُمكِّن الشباب من امتلاك زمام مواردهم المالية ويمدهم بفهم جيد لكيفية عمل النظام النقدي، في حين أن الافتقار إلى المعرفة المالية أو التثقيف المالي قد يؤدي إلى عواقب غير سارة.
وقد أشار استطلاع أصداء لرأي الشباب العربي في عام 2020 إلى أن 35% من الشباب في المنطقة العربية عليهم ديون، مقابل 21% في عام 2019. ويُعدّ الدين الشخصي أكثر أنواع الديون انتشاراً بين الشباب في سوريا والأردن وفلسطين والعراق، حيث تصل نسبته في هذه البلدان إلى 73% و70% و65% و59% على التوالي. وكشف الاستطلاع أيضاً أن 26% من الشباب يحصلون على قروض الطلاب الأكثر شيوعاً في بلاد الشام وشمال إفريقيا، يليهم 21% ينفقون القروض على شراء السيارات في دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن غالبية المجيبين عن الاستطلاع (57%) من منطقة الشام وصفوا وضعهم المالي بأنه صعب للغاية، ولكن لم يستخدم ذلك الوصف سوى 8% فقط من المجيبين في دول مجلس التعاون الخليجي. وتؤدي الحكومات هنا دوراً بالغ الأهمية في تقليل اعتماد الشباب على القروض التعليمية.
ومع زيادة شعبية استراتيجية "اشتر الآن وادفع لاحقاً"، أصبح من المهم التأكد من فهم الشباب لكيفية عمل هذه البرامج ولمخاطر الإشباع الفوري والاعتياد على الديون. ويُلاحَظ ذلك بصفة خاصة في الجيل Z وجيل الألفية الأصغر سناً في أنحاء أخرى من العالم، فهم أكثر المشاركين في ممارسة "اشتر الآن وادفع لاحقاً".
وسوف يؤثر فهمهم للمفاهيم الأساسية الخاصة بإدارة الشؤون المالية الشخصية، مثل الادخار والميزانية والديون والحماية والاستثمار، على كل جانب من جوانب حياتهم، وقد يكون ذلك الفهم فارقاً بين الفقر والنجاح المالي.
فكل ما يقومون به منذ التخرج وحتى التقاعد سيتأثر بما تعلموه وبكيفية إدارتهم لأموالهم. وستكون الأمور المالية حاضرةً أيضاً في الأنشطة اليومية بدايةً من الحياة المهنية وصولاً إلى الشؤون العقارية، مروراً بالاختيارات الخاصة بالعلاقات الشخصية – كما في التفاوض على الأسعار والرواتب والمسكن والمأكل. فالقرارات المالية تؤثر على كل ذلك.
الشمول المالي الرقمي
يمكن أن تكون التكنولوجيا المالية هي مفتاح تثقيف شباب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكن ذلك يتطلب من شركات التكنولوجيا المالية أن تلبي احتياجات الشباب وأن تفهم ما يريده هذا الجيل الرقمي بالسليقة. إنهم مهتمون بالراحة والمرونة ونبرة الصوت المناسبة والميزات الجذابة، في حين أن غالبية البنوك في الوقت الحالي قليلاً ما تقدم خدمات تلبي اهتماماتهم.
وأما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيُحب الجيل Z القيام بالأمور من خلال نهج عملي، وفقاً لشركة إبسوس، فيحبون التعلم من التجربة كشكل من أشكال التوجيه عند اتخاذ القرارات، بدلاً من أن تُملى أو تُفرَض الأمور عليهم. ويمكن للتكنولوجيا المالية أن تُتيح لهم هذه الفرصة من خلال منحهم الأدوات اللازمة لتجربة الأشياء بأنفسهم، وبذلك يتعلمون بالممارسة.
ويتقبل الشباب التكنولوجيات بسرعة عندما تُتاح لهم الفرصة. وتعاني سوق الشباب العربي في الوقت الحالي من قلة الخدمات، فنحو نصف سكان المنطقة تقل سنهم عن 24 عاماً، لكن لا تزال الغالبية تستخدم الأموال النقدية. ويمكن أن تساعد التكنولوجيا المالية على حل هذه المشكلة وعلى محو الأمية المالية بشكل مباشر من خلال إمداد هذا الجيل بالأدوات اللازمة لتدبير شؤونهم المالية بنجاح. ويمكن للتكنولوجيا المالية أن تقوم بذلك من خلال تقديم مبادئ مهارات التعامل مع المال، وشرح الفرق بين بطاقات الخصم والائتمان، ونسبة الدين إلى الدخل، وما إلى ذلك. كما أن استخدام الهواتف الذكية على نطاق واسع في هذه الفئة السكانية، إلى جانب تطور حلول الهوية الرقمية لتحديد الهوية والتحقق منها، يُتيحان للخدمات المصرفية المفتوحة فرصة عظيمة لتلبية احتياجات هذا الجيل. فهي قادرة على أن توضح لهم كيفية استخدام أموالهم لتحقيق قيمة طويلة الأمد، بل ربما تسمح لهم بالمشاركة في البورصة في بيئة خالية من المخاطر، مع التحايل في الوقت نفسه على خمولهم الفطري.
ينبغي تدريس العادات المالية الإيجابية في سن مبكرة
إن إدارة الشؤون المالية الشخصية مهارة حياتية أساسية ينبغي تدريسها في سن مبكرة، وينبغي للآباء ألا ينتظروا حتى يبلغ أطفالهم مرحلة المراهقة ليغرسوا فيهم السلوكيات المالية الإيجابية. وتشير البحوث إلى أننا نبدأ تكوين عاداتنا في سن سبع سنوات، ومن الصعب بشدة تغيير هذه العادات في مرحلة عمرية لاحقة، لكن تغييرها ليس مستحيلاً. ولذلك ينبغي أن يبدأ الأطفال في اكتساب عادات مالية رشيدة حتى قبل أن يبدأوا في كسب المال. ويمكن للأهل أن يضطلعوا بدور كبير بأن يكونوا قدوةً للأبناء وأن يقدموا لهم التوجيه والإرشاد في المواقف المالية. ويمكن أن يشمل ذلك، على سبيل المثال، التحدث مع الأطفال عن كيفية تسديد الفواتير، وتوضيح تفاصيل النفقات الشهرية مثل البقالة، وشرح الفرق بين الرغبات والاحتياجات. ويمكن للأهل أيضاً أن يطلبوا من أطفالهم الانتظار والادخار لشراء شيء يريده الأطفال، فيعلمونهم بذلك قيمة المال والادخار.
ويشير أحد بحوث جامعة ستانفورد إلى أن تأجيل الإشباع يساعد الأطفال على أن يصبحوا أكثر نجاحاً في المستقبل، ويسمح لهم أيضاً باكتساب مهارات اجتماعية أفضل، والتعامل بشكل أفضل مع الضغوط، والحصول على درجات أعلى في الامتحانات، وتقليل مستويات إساءة استعمال المواد. وقبل كل ذلك، ينبغي تعليم الأطفال مفهوم الفائدة المركبة، فكلما بدأوا في الادخار مبكراً، زادت سرعة نمو أموالهم، أيْ كسب فائدة على الفائدة التي ادخروها من قبل.
وهذا من شأنه أن يساعد الأطفال ويشجعهم على التعلم وطرح أسئلة حول المال، فكلما تعلموا المزيد في الصغر، زاد استقلالهم المالي في الكبر. كما أن الأطفال يتأثرون ببيئتهم الاجتماعية، وبالتعلم التجريبي، وبأقرانهم، وكل ذلك جزء من التنشئة الاجتماعية المالية.