صعود المستثمرين الملائكة: مزيد من الأموال أم مزيد من مستثمرين بلا خبرة؟
لقد بزغت شمس المستثمرين الملائكة في منطقة الشرق الأوسط، فأصبحوا أكثر استعداداً الآن من أي وقت مضى لبدء الاستثمار في الشركات الناشئة. وقد ظهرت على مدار العام الماضي عدة شبكات جديدة للاستثمار الملائكي، في الوقت الذي تعمل فيه الشبكات الحالية على توسيع نطاق أنشطتها على أمل أن تسهم في نمو الشركات الناشئة وتكنولوجياتها وأن تستفيد من ذلك.
وكان المشهد في البداية يتسم بطابع غير رسمي إلى حد ما، ولكن بفضل تجمُّع المستثمرين المتحمسين من حين لآخر للاستثمار في شركات ناشئة في المنطقة، تحول ذلك إلى شبكات راسخة واتحادات تمويلية تضخ استثمارات حاسمة في شركات تمر بمراحلها الأولى.
ومن بين شتى أطياف تمويل الشركات الناشئة، يُركِّز الاستثمار الملائكي على المرحلة التأسيسية حتى مرحلة ما قبل التمويل الأولي، وعادةً ما يأتي قبل أن يكون للشركة الناشئة سجل حافل بالأعمال. وقد تتراوح المبالغ المُستثمرة من 10 آلاف دولار إلى 100 ألف دولار، وتصل في بعض الحالات إلى بضعة ملايين. ولأن هذه المبالغ قليلة نسبياً، عادةً ما يكون المستثمرون الملائكة أكثر مرونةً من شركات رأس المال الاستثماري التقليدية، ويستجيبون بشكل أسرع للفرص الجديدة. وخلال العام الماضي، اغتنم كثير من المستثمرين الملائكة الفرص التي أتاحتها الجائحة.
تقول زينة مندور، المدير العام لشبكة «كايرو آنجلز» المصرية التي شاركت مؤخراً في الجولة التمويلية الأولية لشركة «أوبيو» البالغة 300 ألف دولار: "كنا نعتقد أن المستثمرين قد لا يرغبون في عقد صفقات جديدة بسبب الأزمة الإقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا، ولكن ما حدث هو أننا أبرمنا صفقةً من أكبر الصفقات في تاريخنا".
وتُعدّ شبكة «كايرو آنجلز» التي أُطلِقت قبل عشر سنوات إحدى أقدم شبكات المستثمرين الملائكة في المنطقة. ولديها استثمارات في 29 شركة في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتستفيد من شبكة مُكوَّنة من 80 مستثمراً ملاكاً. كما أن هذه الشبكة التي تصف نفسها بأنها "نموذج تشاركي" يعتمد بصفة أساسية على الاستثمارات الفردية قد أطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 صندوقاً للمستثمرين الملائكة لتمويل المشروعات الصغيرة، وذلك بهدف توفير تمويل سريع للشركات الناشئة في مراحلها الأولى.
يقول نادر أبو شادي، عضو مجلس إدارة كايرو آنجلز وأحد مؤسسي الصندوق الجديد: "توجد سيولة نقدية كبيرة يجري تداولها في السوق [و] تلاحق أصحاب المواهب، ولم يكن الأمر كذلك من قبل، لذلك أصبح من المهم جداً توزيع الأموال بسرعة على الشركات الناشئة الجيدة، لأن الشركات الناشئة الجيدة تتطلب تمويلاً فورياً. وإذا كنت بطيئاً جداً في تخصيص ذلك التمويل، فستخسر فرصاً جيدة."
وأشار نادر إلى أن كايرو آنجلز أطلقت هذا الصندوق لتظل متقدمةً على منافسيها، فقال: "لقد أدركنا خلال السنوات القليلة الماضية أن القطاع يتطور، وعلينا أن نتطور معه. ولم يعد النموذج التشاركي المعتاد الذي نعمل به كافياً".
كما أن معظم شبكات المستثمرين الملائكة في المنطقة تتبع النموذج الاتحادي، ومنها «دبي آنجل إنفستورز»، ومجموعة نجد للمستثمرين الملائكيين في المملكة العربية السعودية، وبرنامج «سبارك» الذي يركز على النساء. يقول مصعب الحكمي، وهو أحد المستثمرين الملائكة في المملكة العربية السعودية: "إن السوق تسير نحو [هذا] الاتجاه، أيْ الصناديق الاتحادية، لأنها تسد فجوة وتساعد المستثمرين الملائكة الطامحين على التكاتف مع المستثمرين الملائكة ذوي الخبرة الذين يستطيعون العثور على الموارد وتوخي الحرص الواجب في الصفقات الجيدة وزيادة التركيز عليها بقدر أكبر من التمويل".
المستثمرون الملائكة مقابل أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية
بسبب جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية التي أعقبتها، يركز أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية إما على القطاعات التي شهدت ازدهاراً، مثل التكنولوجيا التعليمية والتجارة الإلكترونية، وإما على الشركات التي لديهم فيها محافظ استثمارية حالية بدلاً من دعم شركات ناشئة جديدة.
ويمكن للمستثمرين الملائكة أن يساعدوا على سد هذه الفجوة التمويلية، ولكن مستوى الخبرة التي يتمتع بها كلاهما مختلف تماماً. فأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية أقدر على إدارة الأموال وتوخي الحرص المطلوب مع الاستفادة من مزايا الاستثمار في مرحلة لاحقة تكون فيها الشركات الناشئة، على الأرجح، قد أثبتت جدوى نموذجها التجاري أو بدأ عُودها يشتد. أما في مجال الاستثمار الملائكي، فقليلاً ما ستجد شركات ناشئة لها سجل أعمال يشهد بكفاءتها، ولذلك تزداد صعوبة العثور على صفقة جيدة.
قال كوشال شاه، مؤسس «دبي آنجل إنفستورز» خلال ملتقى الاستثمار الملائكي "الرياض 2020" الذي عُقد عبر الإنترنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2020: "في الاستثمار العادي، يلجأ الناس إلى الاستدانة كرافعة مالية، أما في الاستثمار الملائكي فإن الأشخاص هم الرافعة".
فلا يقتصر دور المستثمر الملاك على توفير الأموال النقدية، بل يشمل أيضاً تقديم التوجيه والإرشاد اللازمين لتسهيل نمو الشركة الناشئة. ويرى مصعب الحكمي أن افتقار كثير من المستثمرين الملائكة إلى الخبرة الاستثمارية قد يمثل تحدياً يحول دون تدفق الصفقات الجيدة، ومن ثمَّ يعوق تطوُّر البيئة الحاضنة ككل.
ويسلط مصعب الضوء على ضرورة وجود مؤسسات تقدم الدعم والمشور المناسبة للمستثمرين الملائكة فيقول: "إننا للأسف نملك كثيراً من المال وقليلاً من الخبرة. والفجوة، من الناحية المالية، سوف يسدها المستثمرون الملائكة. ولكنهم لا يزالون يفتقرون إلى الخبرة والقيمة التي يجب أن يضيفوها إلى الشركات الناشئة".
ومضى يوضح ذلك فقال: "على سبيل المثال، كثير من المستثمرين الملائكة يفهمون الجانب التجاري للأمور، ولكن لا بد أن يقدموا المساعدة والدعم فيما يتعلق بالجوانب القانونية. وأعرف عدداً قليلاً من الكيانات القانونية التي يمكنها أن تساعدهم في هذا الجانب. ولأن معظم الشركات الدولية عادةً ما تقدم خدماتها بأسعار مرتفعة، وتعمل بشكل أساسي مع أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، أعتقد أن ذلك يمثل تحدياً آخر للمستثمرين الملائكة".
وفي الشهر الماضي، أطلق مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار شبكة الشارقة للمستثمرين الملائكة، ليس لتشجيع مزيد من الأشخاص أصحاب الثروات الطائلة على التفكير في الاستثمار فحسب، بل أيضاً لإمدادهم ببرنامج تدريبي بغرض تعريفهم بالعناصر الرئيسية للاستثمار الملائكي، وكيفية تنويع المخاطر، والتفاوض على شروط الصفقات، وطرق متابعة الصفقات ودعم الشركات الناشئة.
وسوف تتطلب معالجة هذه المسائل تعاون مجموعات من المستثمرين الملائكة في المنطقة وعلى مستوى العالم لتسهيل الوصول إلى الأسواق وتبادل المعرفة والخبرات، وهو ما سيُساعد في نهاية المطاف على نمو البيئة الحاضنة الإقليمية للشركات الناشئة، حسبما ذكر صالح الرشيد، محافظ الهيئة السعودية العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) خلال ملتقى الاستثمار الملائكي.
وسواء آتى هذه التعاون ثماره أم لا، فإن الجائحة، وإن كانت دافعاً للاستثمار الملائكي، فإنها سوف تُسرِّع على الأرجح خروج المستثمرين عديمي الخبرة، كما ذكر مصعب الحكمي. وأضاف مصعب: "أعتقد من منظور شامل أن إجمالي مبالغ التمويل سوف ينخفض، ولكن سيزداد الاستثمار الذكي".