المصرفية المفتوحة: الفرص والمشكلات [الجزء الأول]
في أعقاب الخطاب المفتوح الذي أرسلته شركة DAPI إلى المجلس الاستشاري لاتحاد مصارف الإمارات، وكتبه المؤسس المشارك محمد عزيز منذ أكثر من شهر، أصبحت قضية الخدمات المصرفية المفتوحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت دائرة الضوء، مما أثار تساؤلات حول الأطر التنظيمية، وما إذا كانت تلك الأطر تساعد الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية على الابتكار في هذا القطاع أم تعوق ذلك الابتكار.
ولم تتلق شركة DAPI حتى الآن رداً واضحاً من السلطات المعنية، ولكن يأمل مؤسسو الشركة أن يتمكنوا من الجلوس قريباً مع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي لمناقشة "طريقة للمضي قدماً في التعاون بشأن الخدمات المصرفية المفتوحة والتكنولوجيا المالية" مع المصارف.
يقول محمد عزيز: "نود أن نرى بيئة حاضنة تدرك فيها الهيئات التنظيمية أنك إذا كنت ستقضي على الابتكار من الآن، فستستغرق المصارف وقتاً طويلاً لتتيح في نهاية المطاف واجهات برمجية (API). نريد من الهيئات التنظيمية أن تدرك أن هناك فترة انتقالية يلزم فيها دعم مقدمي الخدمات الخارجيين (TPP) إلى أن ينتهي وضع معايير الخدمات المصرفية المفتوحة وتملك المصارف بالفعل واجهات برمجية".
وتوفر شركة DAPI، كغيرها من منصات الخدمات المصرفية المفتوحة، البنية التحتية المالية والواجهة البرمجية اللازمتين لتمكين شركات التكنولوجيا المالية الأخرى والمصارف الإلكترونية من تقديم خدماتها. وهي في الأساس بمثابة بنية تحتية خلفية للابتكار في مجال التكنولوجيا المالية من خلال فتح سبيل للوصول إلى البيانات المصرفية من أجل السماح لمقدمي الخدمات الخارجيين بتقديم خدمات للمستهلكين النهائيين.
وخير مثال على ذلك تطبيق شركة Ziina التي يقع مقرها في دبي، وهو تطبيق لمدفوعات الند للند ويستخدم تكنولوجيا شركة DAPI. فتسمح هذه التكنولوجيا لتطبيق Ziina بإجراء تحويلات نيابة عن المستخدم، وذلك باستخدام اسم المستخدم فقط بدلاً من إجراء التحويل عبر أحد المصارف وهو ما قد يتطلب إدخال بيانات كثيرة مثل رقم الحساب أو رمز السويفت أو رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN).
ومن الأمثلة الأخرى تطبيق Wally، وهو تطبيق يتتبع النفقات ويجمع المصروفات التي ينفقها المستخدم مباشرة من بطاقاته الائتمانية وحساباته المصرفية ويستعين بالذكاء الاصطناعي ليقدم للمستخدم أفكاراً بشأن تخطيط الميزانية والإنفاق.
وتشير شركة A.T Kearny للاستشارات إلى أن هناك ثلاثة نماذج رئيسية للخدمات المصرفية المفتوحة:
النموذج الداخلي: وفيه تقوم مصارف تقليدية بإعداد واجهاتها البرمجية الخاصة بها لتطوير المنتجات داخلياً، أو دمجها مع ما تقدمه جهات خارجية من منتجات لا تحمل أي شعار أو علامة تجارية. ويحتفظ المصرف بملكية التوزيع وواجهة المستخدم.
ومنصة الخدمات المصرفية: وفيها تقوم أطراف خارجية بتقديم منتجات ومقترحات جديدة لعملاء المصرف على البنية التحتية الأساسية للمصرف.
ونموذج المُوزِّع: وفيه تشارك أطراف خارجية مع المصارف في الوصول إلى بيانات العملاء، مما يؤدي إلى تقديم عروض أوسع نطاقاً وأكثر كفاءة للعملاء.
وتُعدّ الخدمات المصرفية المفتوحة، على الصعيد العالمي، بمثابة قوة قادرة على قلب الموازين، وهذه القوة إما أن تكون الهيئات التنظيمية قد أذنت بها (كما هو الحال في المملكة المتحدة وأوروبا) وتكون المصارف مُطالَبة بأن تتعاون مع مقدمي الخدمات الخارجيين المصرح لهم، وإما أن تتبناها المصارف التي تشارك بياناتها طواعيةً، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا توجد رخصة للخدمات المصرفية المفتوحة.
وربما تكون منصة الخدمات المصرفية المفتوحة الأكثر نجاحاً هي منصة Plaid الأمريكية، التي تُستخدَم واجهتها البرمجية من قِبل تطبيقات مثل تطبيق Venmo للدفع بطريقة الند للند، وتطبيق Robinhood للاستثمار، وتطبيق Coinbase لتداول العملات الرقمية. وقد تقدمت شركة فيزا بعرض قيمته 5.3 مليار دولار للاستحواذ على شركة Plaid التي تأسست في عام 2012 بتمويل قدره 297 مليون دولار. إلا أن وزارة العدل الأمريكية تحقق حالياً في عملية الاستحواذ لأسباب تتعلق بقوانين مكافحة الاحتكار.
كما أن تطور الخدمات المصرفية المفتوحة كان، ولا يزال، حافزاً للخدمات المصرفية الإلكترونية في معظم أنحاء العالم، وهي قطاع من المقرر أن تبلغ قيمته 35.5 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام وفقاً لصحيفة بيزنس إنسايدر، ويضم بعضاً من أكبر شركات التكنولوجيا المالية، مثل شركة Nubank البرازيلية التي بلغ عدد عملائها 36 مليون عميل، وحصلت على تمويل قدره 1.4 مليار دولار، وتُقدَّر قيمتها حالياً بعشرة مليارات دولار، وشركة Revolut في المملكة المتحدة التي بلغ عدد عملائها 10 ملايين عميل، وحصلت حتى الآن على تمويل قدره 917 مليون دولار، وتبلغ قيمتها 5.5 مليار دولار.
والابتكار الذي نشأ بفضل الخدمات المصرفية المفتوحة عاد بالنفع على المستهلكين في جميع أنحاء العالم، إذ أتاح لهم مزيداً من الخيارات، وأتاح للمصارف الحالية فرصةً للاستفادة من الخدمات وشرائح العملاء الجديدة، وذلك حسب استعدادها للتكيف مع التكنولوجيا بسرعة وكفاءة.
مستقبل قائم على البيانات
تنتج المصارف كمية هائلة من البيانات كل يوم من مصادر مختلفة، ولذلك فإنها تحتاج إلى حل فعال لإدارة تلك البيانات واستخلاص قيمة منها.
يقول عبد الله المؤيد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بوابة ترابط»، وهي المُورِّد التكنولوجي لمبادرة الخدمات المصرفية المفتوحة التي يقوم بها مصرف البحرين المركزي: "إن مصرفك اليوم يعرف أين تشرب قهوتك، وأين تتناول العشاء، وكم تُنفق شهرياً، ولكنه يتعامل معك كأنه لا يعرف شيئاً عنك". وقد افتتحت شركة «بوابة ترابط» في هذا الأسبوع مكتباً في كل من أبو ظبي ودبي بهدف تسريع فرص الخدمات المصرفية المفتوحة في دولة الإمارات.
وبناءً على البيانات الآنية، قد تستطيع شركات التكنولوجيا المالية أن تفهم السلوك الرقمي لكل مستخدم من مستخدميها فهماً أفضل، وأن تستخلص قيمة من هذه البيانات التي تنتجها المصارف الحالية. ونتيجة لذلك، يساعدهم هذا التتبع على تحسين تجربة المستخدم وجعلها أكثر ملاءمةً له.
يقول عبد الله المؤيد: "بعض المصارف هنا بدأت تدرك أنها مهما كانت درجة معالجتها لبيانات المستخدمين من داخل صومعتها، فإنها لن تحصل على صورة واضحة، فالحصول على الصورة الكاملة يتطلب الإلمام بجميع نقاط البيانات. وهذه البنية التحتية الجديدة ستسمح للمصارف بإنشاء منتجات حقيقية ومُخصَّصة تلائم الأشخاص بناءً على عاداتهم".
ولكن لا يوجد على المستوى الإقليمي سوى عدد ضئيل من الشركات الناشئة العاملة في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، ومنها شركة DAPI وشركة «بوابة ترابط» وشركة Lean التي يقع مقرها في المملكة العربية السعودية. وبوجه عام، تنظر غالبية المصارف في الشرق الأوسط إلى هذا المفهوم نظرةً سلبيةً. وتكمن إحدى القضايا الرئيسية في البيانات وتحديد الجهة المالكة لها. ففي أوروبا، وبفضل قانونها الصارم الخاص بحماية البيانات، يكون العميل هو الذي يملك بياناته ويمتلك الحق فيها وفي الوصول إليها. وأما في الشرق الأوسط، فإن هذه البيانات المالية تكون مملوكة للمصارف، ولذلك فإن إتاحتها لأطراف أخرى أمرٌ لا يلائم تلك المصارف.
يقول سمير ساتشو، مستشار السياسة العامة لدى شركات تعمل في مجال التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يوجد، على مستوى عالٍ للغاية، زخم ملحوظ في اتجاه الخدمات المصرفية المفتوحة. ولكن ما تفتقر إليه المنطقة هو الحالات التي يمكن أن تُستخدَم فيها الخدمات المصرفية المفتوحة. فالمصارف المركزية لن تأمر المصارف باستثمار مئات الآلاف من الدولارات في تغيير بنيتها التحتية لمجرد السماح بالواجهات البرمجية. وأظن أنهم سيفعلون ذلك إذا رأوا أن هناك ما يدعو إلى القيام به".
إن تنفيذ الخدمات المصرفية المفتوحة وإتاحتها في نهاية المطاف أمر مطروح على أجندة الهيئات التنظيمية في شتى أنحاء المنطقة، ومنها مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، لأن التجربة العالمية تُظهِر أن من الأفضل للمصارف أن تكون سبّاقة في هذا المضمار وتقود هذا الاتجاه بدلاً من أن تعوقه.
يقول سمير ساتشو: "أظن أن المصارف في دولة الإمارات، والمنطقة ككل، ليست مطمئنة للأثر الاقتصادي الذي سيقع عليها من جراء الخدمات المصرفية المفتوحة، ولعائد الاستثمار في أشياء من هذا القبيل".
ولذلك لا تزال الخدمات المصرفية المفتوحة في مهدها في كثير من الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما فيها الأسواق التي اتخذت إجراءات لوضع معايير وأطر تنظيمية. ولا بد من إذكاء وعي كلٍّ من المؤسسات التقليدية والمستهلكين على حد سواء للسماح باعتماد حلول الخدمات المصرفية المفتوحة على نحو أفضل.
ونُلقي في الجزء الثاني من هذا المقال نظرة فاحصة على المشهد التنظيمي للخدمات المصرفية المفتوحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.