مستقبل التنقل: عدم اليقين في قطاع السكوتر الكهربائي
هذا هو الجزء الثاني من سلسلة القصص الصحفية التي تستكشف تأثير كوفيد-19 على الشركات الناشئة في مجال النقل والتنقل.
منذ عدة أعوام في حي سيليكون فالي، مرت فترة وجيزة كانت فيها الشركات الناشئة العاملة في تصنيع السكوتر الكهربائي الأكثر شيوعًا وازدهارًا، وزعم مؤسسوها أنهم تمكنوا من حل أهم المشاكل التي يواجهها قاطنو المدن والعاملون فيها حول العالم.
لم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن يتخطى السكوتر الكهربائي حدود الولايات المتحدة ليصل إلى أوروبا ثم إلى دبي التي نشرت فيها عدة شركات ناشئة للسكوتر الكهربائي الذي تُصنعه في المناطق المكتظة بالسكان، لتوفر بديلاً لسيارات الأجرة. يتميز السكوتر الكهربائي بانخفاض كلفته والمتعة في استخدامه. انصب اهتمام كبير على هذه الشركات الناشئة العاملة في مجال التنقل، حتى قررت إدارة الطرق والنقل حظرها لشواغل متعلقة بالسلامة. وبهذا اختفى السكوتر من دبي، ولكن عددًا من الشركات نقلت عملها إلى أبوظبي التي كانت نظرة سلطاتها إلى السكوتر أكثر استحسانًا، ولكن الإغلاق العام ألزم الناس منازلهم، فأصبح مصير الشركات الناشئة العاملة في مجال وسائل النقل الصغيرة مهددًا.
حدا ذلك بشركة "سيرك" الألمانية إلى غلق فروعها في الشرق الأوسط، وهي فروع أبوظبي والبحرين وقطر؛ فيما أوقفت شركة "كريم" خدمة مشاركة الدراجات التي كانت تقدمها في الإمارات العربية المتحدة في أوائل الإغلاق العام.
شركة "حالاً" هي شركة ناشئة تعمل في مجال اللوجستيات واستدعاء مركبات التوكتوك والدراجات البخارية في مصر، ويقول محمد نجاتي، المسؤول التجاري الأول والشريك المؤسس لها: "قضت المراحل الأولى من الجائحة عل 70% من قطاع التنقل بوجه عام، فقد تخوف الناس من استخدام خدمات النقل العام أو استدعاء وسائل النقل بكل أنواعها، وانخفض متوسط عدد الرحلات لكل مستخدم إلى النصف بنهاية الربع الأول من عام 2020."
وبينما أخذ عدد الرحلات يتزايد مجددًا الآن في المنطقة نظرًا لإنهاء تدابير الإغلاق العام، لم يزل قطاع وسائل التنقل الصغيرة متعثرًا في جانب المعاملات بين الشركات والمستهلكين.
اقتصاديات الوحدات الصعبة
أدى العمل من المنزل، وزيادة المرونة في ظروف العمل إلى الحد من الحاجة إلى الاستخدام اليومي لوسائل النقل حول العالم، وهو ما أدى بدوره إلى تراجع شهية المستثمرين لدخول هذا القطاع. يقول ذراج باردواج، المدير التنفيذي لشركة "إيرناب" الناشئة في مجال السكوتر الكهربائي في الإمارات العربية المتحدة إن عزوف المستثمرين هذا يمثل عائقًا رئيسيًا يمنع ازدهار قطاع وسائل النقل الصغيرة.
قبل الإغلاق العام، توسعت "إيرناب" في الشارقة، وكان القائمون عليها واثقين في أن السكوتر سيعود إلى دبي مجددًا، وكانوا يسعون إلى جمع رأس المال المخاطر، ولكن التأثير السلبي لكوفيد-19 على جانب المعاملات بين الشركة والمستهلك أحبط مسعاهم.
لكن الجائحة بتأثيراتها لم تكن الضربة الوحيدة التي تلقاها قطاع السكوتر الكهربائي.
يقول بردواج: "فيما يتعلق بجانب الأعمال التجارية تحديدًا، ثمة تحدٍ كبير آخر يواجه السكوتر، وهو الحاجة إلى صيانته باستمرار، فإذا تركت كل ما لديك منه في المخزن فستفقد كل أصولك"
ثمة حاجة للإبقاء على بطارياتها مشحونةً بالكامل، وهذا يتطلب وجود عمالة، فالسكوتر غير المشحون أو المهمل لا يدر الأرباح، وهناك أيضًا خطر التلف أو السرقة، كل هذا يصنف هذا القطاع من ضمن اقتصاديات الوحدات "الصعبة" أو المحفوفة بالمخاطر.
يقول سيف الدين جباريم، الأستاذ المساعد للشبكات العالمية في جامعة نيويورك، إن الشركات الناشئة تجد صعوبةً في تحقيق الاستدامة على المدى الطويل بسبب حرارة الطقس طوال العام تقريبًا، وعدم ملاءمة البنية التحتية لوسائل الموصلات الصغيرة في العديد من المدن في المنطقة، ويرى أن وسائل المواصلات الصغيرة لا يمكن أن تمثل وسيلة للتنقل اليومي إلى مكان العمل.
ويقول جباريم: "البنية التحتية ليست ملائمة لهذا النوع من النقل، فأغلب الطرق في الإمارات العربية المتحدة طرق سريعة، ولكن استخدام الدراجات للترفيه هو اتجاه من المرجح أن يزدهر."
السكوتر ليس مناسبًا للسفر لمسافات بعيدة، ولا حتى للتنقل بين المناطق المتجاورة في بعض المناطق، ويرجع ذلك لغياب البنية التحتية، لذا تقصر بعض الشركات استخدامها له على مناطق محددة أو مسيجة في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، قصرت شركة "دبيب" لتصنيع السكوتر الكهربائي التي تتخذ من السعودية مقرًا لها عملياتها على الأسواق المزدحمة أو الحدائق أو حرم الجامعات.
يقول محمد خلف، الشريك المؤسس والمدير العام لشركة دبيب: "في بلد مثل السعودية طقسه حار طوال العام تقريبًا، السيارات هي وسيلة النقل الأكثر شيوعًا لأن الناس يقطعون مسافات طويلة بين وجهاتهم، ومع ذلك، وجدنا طلبًا على منتجاتنا في المجتمعات الصغيرة والمناطق السكنية التي يمكن للناس فيها استخدام السكوتر الذي نوفره للسفر لمسافات قصيرة."
فرصة جديدة
فيما يتعلق بحركة الركاب، تتنبأ شركة "مكنزي آند كو" بأن مقدمي خدمة وسائل النقل الصغيرة سيتكبدون خسائر على المدى القصير، ولكن هذا القطاع سيتعافى برفع تدابير الإغلاق العام. وفي تقرير صدر عام 2019، تنبأت شركة الاستشارات أن قطاع وسائل النقل الصغيرة ستكون قيمته 500 مليار دولار بحلول عام 2030، وليس من المعروف بعد ما إذا كان هذا التنبؤ لا يزال مرجحًا، أما في الوقت الحالي، فمعظم النمو يحدث في جانب المعاملات بين الشركات.
مثّل كوفيد-19 فرصة لمعظم الشركات الناشئة في مجال وسائل النقل الصغيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحويل مسارها والاستفادة من أسطول مركبات السكوتر والتوكتوك الموجودة لديها في خدمات توصيل السلع للمستهلكين.
فبدلاً من نقل الأشخاص، استجابت شركة "حالاً" بالتركيز على حلول التوصيل والدفع الإلكتروني في مصر، لتحتفظ بموطئ قدم لها في مناخ الأعمال المتقلب. وفي خضم الأزمة أطلقت "حالاً" خدمات التوصيل بين النظراء، وبدأت المرحلة التجريبية لخدمات البريد السريع، يقول محمد نجاتي: "اضطررنا كذلك لإرسال المزيد من السائقين إلى سلاسل المطاعم، كما نقدم لعملائنا في السودان خدمة توصيل البقالة".
وبالنسبة لشركة "إيرناب" فقد أدت الجائحة إلى الاتجاه إلى العمل مع الشركات الأخرى.
يقول باردواج: "تفاجأنا بتواصل شرطة دبي وبلدية دبي معنا، حيث طلبوا منا توفير مركبات السكوتر لهم لاستخدامها في عمليات تسيير الدوريات التي تراقب التزام الناس بقواعد الإغلاق العام، وبدأت بعض محلات السوبر ماركت المحلية أيضًا في استخدام مركبات السكوتر التي ننتجها لأغراض التوصيل مقابل رسوم اشتراك."
وفي الوقت ذاته، شهدت شركة "وان موتو" الناشئة في مجال الدراجات الكهربائية والدراجات الهوائية الكهربائة التي تتخذ من دبي مقرًا لها زيادةً في اهتمام شركات التوصيل بالطلب ومقدمي الخدمة الآخرين في الإمارات العربي المتحدة بمركباتها.
يقول آدم ريدجاوي، المدير التنفيذي والشريك المؤسس للشركة: "ارتفع عدد التوصيلات التي تنفذها إحدى شركات التوصيل التي نعمل معها من 12000 إلى 40000 توصيلة في أسبوع واحد."
ويقول كذلك: "...80% تقريبا من شركات التوصيل في المنطقة تستخدم المركبات الكهربائية في توصيلاتها التجارية، وتبلغ قيمة سوق التوصيلات بالدراجة في الإمارات العربية المتحدة 150 مليون دولار، أما السوق في دول مجلس التعاون الخليجي أو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن ضمنها مصر والسعودية فهي تعادل 18 مِثلاً لسوق الإمارات العربية المتحدة."
المستقبل القريب
لم يشمل حظر إدارة الطرق والنقل للسكوتر في دبي مركبات السكوتر الخاصة، لذا لم يزل مرور الأشخاص على السكوتر الكهربائي مشهدًا شائعًا إلى حد ما في بعض أجزاء المدينة. وفي اجتماع طاولة مستديرة في شركة "ومضة"، أوضح ممثلو إدارة الطرق والنقل أن قرار الحظر قيد المراجعة، وأن اللوائح الجديدة ستصدر فور استكمال الدراسات المعنية بالسلامة.
وفي الوقت ذاته، يتوقع باردواج أن المزيد من الناس سيستثمرون في وسائل التنقل الصغيرة للسفر لمسافات قصيرة، وخاصة بسبب اعتبار النقل العام الآن خطرًا على الصحة. فمركبات السكوتر الكهربائي والتوكتوك والدراجات ستجذب المزيد من الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمل تكلفة شرائها، وسيستعيضون بها عن الحافلات الكبيرة والصغيرة.
أما جباريم، فيعتبر المعاملات بين الشركات وبعضها المحفز الأساسي للنمو في قطاع وسائل النقل الصغيرة، حيث يقول: "لا أعتقد أن "نقل البشر" هو ما يستحق الاستثمار فيه الآن، ولكني أرى الكثير من الفرص في مجال "نقل المنتجات."
ويتفق نجاتي، من شركة "حالاً"، مع هذا الرأي، فيقول: "على المستوى العالمي، لا يعد قطاع وسائل النقل الصغيرة وحده قطاعًا جذابًا للاستثمار الآن، ويجب دمجه مع خدمات أخرى. على المستثمرين التركيز على الشركات التي لديها أعمال تجارية مدرة للربح ومسار واضح لتحقيق الربحية، وهو ما يصعب تحقيقه إذا اعتمدت الشركة على وسائل النقل فقط."