مستقبل التنقل: الحافلات حسب الطلب
هذا هو الجزء الأول من مجموعة من القصص الصحفية التي تستكشف تأثير كوفيد-19 على الشركات الناشئة في مجال النقل والتنقل في المنطقة
خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الشركات الناشئة في مجال النقل حسب الطلب القوة المحركة الأهم لهذا القطاع في المنطقة، فقد أصبحت شركات مثل "كريم" و"سويفل" و"حالاً" تمثل معظم استثمارات رأس المال المخاطر، كما أبرزت التأثير الذي يمكن أن تحدثه الشركات الناشئة في القطاعات التقليدية.
وعندما طُبق الإغلاق العام في مدن بأكملها وقُيدت حركة الأشخاص، توقف قطاع التنقل تدريجيًا نتيجة لذلك. وأوضح تقرير لمنصة ومضة يستكشف تأثير كوفيد 19 على الشركات الناشئة في المنطقة أن قطاع التنقل كان أكثر القطاعات تأثرًا بالإغلاق العام؛ إذ انخفض الطلب إلى الصفر وعزف المستثمرون عن القطاع تمامًا. كما تتسم الشركات الناشئة في مجال التنقل بارتفاع معدل استنفاد النقد، وهو ما صعّب عليها مواكبة ظروف العالم الجديد الذي يعتبر المسار الواضح نحو الربحية رهانه الأهم.
وجّهت الجائحة ضربةً قاضية لتطبيقات طلب الحافلات على وجه الخصوص، مع أنها كانت قبل الجائحة أحد أسرع أقسام قطاع التنقل نموًا. كانت شركة "سويفل" المصرية قد نجحت في تحطيم عدد من الأرقام القياسية في جمع الأموال في مصر، إذ جمعت 76.5 مليون دولار، كما وجدت لها موطئ قدم في كينيا وباكستان، وكانت تخطط إلى التوسع في إندونيسيا والفلبين وبنغلاديش. وكانت هيئة الطرق والنقل في دبي قد أقامت شراكة مع شركة "فيا" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها لتقديم خدمة توفير الحافلات حسب الطلب، ولكن عندما طبقت الحكومات أوامر الإغلاق العام وأغلقت المدارس وبدأ الناس يعملون من منازلهم، بدا السفر بالحافلة خطيرًا.
وأوقفت شركة "كريم" خدمة الحافلات في مصر والأردن والسعودية بدون أن توضح ما إذا كانت ستستأنف تقديم هذه الخدمة في المستقبل أم لا، وهذا بعد أن أعلنت تراجع عائداتها بنسبة 80% خلال الإغلاق العام. وأطلقت الشركة الآن استراتيجية "التطبيق الخارق"، كما مثلت الخدمات الأخرى التي تقدمها طوق نجاة لها لم تجد الشركات الناشئة الأخرى في مجال التنقل والحافلات مثله.
تحول بؤرة التركيز
أرغم تحول سلوك المستهلكين الشركات الناشئة العاملة في مجال استدعاء الحافلات وحجزها على تقييم طرق العمل البديلة ومراجعة استراتيجيات النمو بها.
يقول عمرو الصاوي، مؤسس شركة "باصيت" للحافلات العاملة في مصر: "اضطررنا لإعادة النظر في استراتيجيتنا لنحقق استفادةً أكبر من النفقات ونتمكن من الاستمرار في الفترة القادمة، واضطررنا كذلك لاتخاذ بعض القرارات الصعبة داخل الشركة؛ إذ سرحنا 25 في المائة من العاملين لدينا وخفضنا الرواتب."
أوقفت الشركة العمل مع العميل مباشرةً الذي كان يستنفد مواردها بسرعة مع انخفاض عائداته، وحولت انتباهها إلى الاستفادة من العمل مع الشركات الأخرى.
يتابع عمرو الصاوي: "قررنا أن نبدأ في استهداف المصانع والشركات، خاصة الشركات التي تعمل في قطاعات حافظت على رواجها خلال الإغلاق العام مثل قطاع المأكولات والمشروبات."
شركة "سيتر" هي إحدى الشركات الناشئة في مصر. كانت قد بدأت عملها بوصفها منصة للعمل مع الشركات الأخرى وتتخصص في نقل الطلاب والموظفين إلى أماكن عملهم في الشركات أو المصانع، وعلى نحو مماثل، اضطرت إلى وقف عملها مع المدارس واعتمدت على الشركات فحسب. ونتيجة لذلك، أعلنت الشركة تحقيق نمو بنسبة 20 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بفضل هذه التغييرات.
يقول أحمد حماد، المدير التنفيذي لشركة "سيتر": "ينفق 25 مليون طالب و20 مليون موظف نحو 90 مليون جنيه مصري (5.6 مليون دولار) على التنقل كل يوم"، ويراهن حماد على الإمكانات التي يوفرها العمل بين الشركة والشركات الأخرى، كما يزعم أن شركة "سويفل" اختارت الاستراتيجية ذاتها لتصفية استثماراتها.
وفي عمان، استفادت شركة "إي مشرف" في مسقط من تقنية إنترنت الأشياء لدخول قطاعات جديدة.
يقول حسن أبكر، المدير القُطري في شركة "إي مشرف": "بعد غلق المدارس بسبب كوفيد 19، اضطررنا للتوصل إلى حلول جديدة تعتمد على التقنيات الموجودة لدينا لضمان الربحية الطويلة المدى إلى حين إعادة فتح المدارس، فابتكرنا "سي مشرف"؛ وهو نظام ذكي لتسجيل الحضور، ويدعم كذلك تتبع جهات الاتصال لمساعدة الشركات في مكافحة انتشار كوفيد 19 في مبانيها."
زودت الشركة الناشئة وزارة الصحة العمانية كذلك بتطبيق لتتبع جهات الاتصال يعتمد على تقنيتها.
نقل العاملين
يعد نقل العاملين حاجة ماسة لإعادة الحياة إلى اقتصاد المنطقة، خاصة بالنسبة للوظائف التي لا يمكن أن تُنفَذ عن بعد. وبينما شهد الطلب انخفاضًا كبيرًا في الأشهر الأولى من الإغلاق العام، فهو يشهد الآن عودة تدريجية.
في القاهرة، التي أصبحت في السنين الأخيرة مقصدًا لتجربة حلول التنقل، لا يزال غالبية السكان يعتمدون على وسائل النقل العام - خاصة الميكروباص - للوصول إلى أماكن العمل، نظرًا لانخفاض أجرتها بالمقارنة بخدمات استدعاء الحافلات.
وبعد تفشي الجائحة، وخلال أول شهرين من الإغلاق العام الذي فرضته الحكومة المصرية، أعلنت كل من الشركات الخاصة لتسيير الحافلات مثل مواصلات مصر، والشركات الناشئة للنقل الجماعي المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة، انخفاضًا حادًا ومتساويًا في أنشطتها، إذ انخفض النشاط بنسبة 90% عما كان عليه خلال فترة ما قبل كوفيد 19، وفقًا لمحمد محروس، الشريك المؤسس لشركة "مواصلة القاهرة" الاستشارية.
ومع ذلك، يقول محروس إن انخفاض الطلب على مركبات الميكروباص كان مؤقتًا، فالكثير من سكان مصر اضطروا إلى مواصلة العمل واعتمدوا في الغالب على هذا النوع من وسائل النقل في تنقلاتهم.
يقول محروس: "استنادًا إلى المقابلات التي أجريناها مؤخرًا مع السائقين العاملين في خدمات النقل التكميلية وفي الشركات الناشئة في النقل الجماعي، استنتجنا أن الأزمة كان أثرها على كل الشركات الناشئة شديدًا، فيما كان أثرها على النقل التكميلي طفيفًا منذ بداية الأزمة، فقد أثبت نظام النقل التكميلي مرونته وملاءمته للقطاع الأكبر من السكان ومناسبته للبنية التحتية للمدن المعقدة مثل القاهرة."
وتشهد الإمارات العربية المتحدة وضعًا مماثلاً، فلم تزل الحاجة إلى خدمات الحافلات حسب الطلب ذات الجودة العالية قائمةً، وفقًا لسيد كريم، المدير التنفيذي والشريك المؤسس لشركة "كارافان"، التي تجمع بين الحافلات الخاصة في الإمارات العربية المتحدة، وتوفر حلول الحافلات المتنقلة للموظفين الذين يتنقلون بين مساكنهم وأماكن عملهم.
يقول كريم: "كان مستوى التفاعل قبل الأزمة جيدًا، ولكن مستوى أعمالنا انخفض من 100 إلى صفر بين عشية وضحاها، ولم تزل السوق بحاجة إلى النقل بالحافلات الخاصة، ولكنه لا يمكن أن يستمر كما كان في السابق، فالناس الآن يبحثون عن حافلات نظيفة ومعقمة وموثوقة.".
وبينما رفعت القيود على الحركة في دبي تدريجيًا، وقررت الحكومة أن الموظفين يمكنهم العودة إلى مكاتبهم، بدأت شركة كارافان في تلقي العديد من الاستفسارات حول حلول التنقل التي تقدمها.
يقول كريم: "اكتشفنا بعد الأزمة أن هناك مجموعتين من مستقلي الحافلات: من يمتلكون خيارات أخرى ومن لا يمتلكونها."
تمثل الفئة التي لا تمتلك خيارات أخرى، وهم في الغالب العاملون ذوو الدخل المنخفض الذين لا يمكنهم العمل عن بعد، جزءًا من السوق يقدر حجمه بحوالي 1.3 إلى 1.5 مليون دولار وفقًا لكريم، ويمثلون فرصة للنمو، على الرغم من أن شركات جمع الحافلات التي تعمل مع الشركات الأخرى وليس الأفراد هي المسموح لها بالعمل في الإمارات العربية المتحدة حاليًا.
في اجتماع طاولة مستديرة مع منصة "ومضة" في يونيو هذا العام، أوضح ممثلو هيئة الطرق والنقل الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لضمان سلامة المستهلكين وأمنهم قبل إصدار التراخيص الخاصة للعمل مع الأفراد مباشرة. وفي الوقت الراهن، تقدم خدمات النقل التي تخاطب الأفراد مباشرة فقط بالتشارك مع هيئة الطرق والنقل.
وبالنسبة لـ"كارافان"، يتوقع كريم عودة الطلب تدريجيًا، ولو استغرق ذلك وقتًا أطول من المتوقع.
يقول كريم: "أعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه حتى الربع الرابع من عام 2020، نظرًا لتعدد العوامل التي تضر بهذا النوع من العمل، مثل عمل المزيد من الأشخاص من منازلهم، وانخفاض عدد الأشخاص الذين يتنقلون بين المنزل والعمل، وانخفاض عدد العاملين بوجه عام.".
ويتوقع حماد، مش شركة "باصيت"، اتجاهًا مماثلاً للقطاع.
يقول حماد: "لقد زاد حرص الناس على سلامتهم الشخصية، لذا ستعاني خدمات استدعاء الحافلات التي تخاطب الأفراد مباشرة لفترة طويلة، تشهد السوق مرحلة تحول، لم أزل أتوقع أن يتعافى نظام العمل مع الأفراد مباشرةً ولكن ببطء، إذ ستقل قدرة الشركات والمصانع على تحمل تكلفة توفير النقل العام لموظفيها."، ويتوقع حماد عودة الطلب تدريجيًا عند إعادة فتح الجامعات والمدارس.
وحتى عند بدء الزيادة في الطلب مجددًا، قد يمر بعض الوقت قبل أن يطمئن المستثمرون بما يكفي لضخ الأموال في الشركات الناشئة في مجال التنقل. تعتمد الكثير من الشركات الناشئة في مجال حجز الحافلات في عملها مع الشركات الأخرى إلى درجة كبيرة على العاملين وموظفي القطاع الخدمي، وإذا لم يتحسن الاقتصاد وتستمر المشروعات، فقد تتوقف الزيادة في الطلب.