الفرص غير المستغلة للرياضات الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
إذا ما فكرت في أحد الرياضيين الناجحين في الوقت الحالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن الاحتمال الأكبر هو أنك ستفكر في لاعب كرة قدم، مثل محمد صلاح أو رياض محرز.
ولكن بعيداً عن نطاق الرياضات السائدة، ثمة رياضات تعمل تدريجياً على إخراج بعض الرياضيين الواعدين في العالم العربي وهم رياضيين غير معروفين حتى الآن لغالبية السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويمثل هؤلاء فئة جديدة من الرياضيين ولكن في مجال الرياضات الإلكترونية، وهي أحد المجالات الأسرع نمواً في العالم. ويتفق المسؤولون التنفيذيون في هذا القطاع على أنه قد حان الوقت الآن كي تُدرك منطقة الشرق الأوسط حجم الفرص الهائلة التي يوفرها هذا المجال.
الرياضات الإلكترونية (Esports) هي مسابقات رياضية لألعاب الفيديو متعددة اللاعبين، تُبثّ للجماهير على الهواء مباشرة وتُعرض في بعض الأحيان في الملاعب بحضور ملايين المعجبين الذي يحرصون على مشاهدة هؤلاء الرياضيين وهم يلعبون.
وتحظى تلك الرياضات بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية، وقد نمت شعبيتها الآن في الشرق الأوسط. كما تشتهر بأقوى قاعدة جماهيرية نشطة على مستوى العالم تُقدر بـ 300 مليون شخص، وتتطلع إلى تنمية سوقاً خاصة للرياضات الإلكترونية.
ظهور الرياضات الإلكترونية
زاد حجم الاستثمار في الرياضات الإلكترونية والدعم الحكومي لها على مدار العام الماضي. وقد أعلنت "دبليو فينتشرز" التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، اعتزامها استثمار 50 مليون دولار، من خلال شريكها المستقل في العلامة التجارية " RedPeg Middle East"، لتطوير منصة ألعاب عبر شبكة الإنترنت وخارجها في المنطقة لدعم البيئة المحلية الحاضنة للرياضات الإلكترونية.
وصرّح حبيب وهبي، رئيس "دبليو فنتشرز" قائلاً: "نرى أن هناك فرصة سانحة لتقديم تجربة فريدة وحقيقية تماماً إلى اللاعبين في المنطقة، من خلال تزويدهم بالأدوات والبنية التحتية التي سيتم اكتشافها وازدهارها في هذه الظاهرة المتنامية على الصعيد العالمي".
وفي الوقت نفسه، وعدت حكومة البحرين بتسريع نمو الرياضات الإلكترونية في دول الخليج من خلال الشراكة مع BLAST Pro Series CS: Go final في إطار شراكة خاصة بين القطاعين العام والخاص لإتاحة فرص تعاون أكبر بين الدولة والوكالات الخاصة في قطاع الترفيه. وقد شارك في بطولة الرياضات الإلكترونية التي عقدت في وقت سابق من هذا الشهر في المنامة واستمرت لمدة يومين، مجموعة من أفضل اللاعبين في العالم الذين شاركوا في لعبة رماية وتصويب من منظور الشخص الأول في أكبر فعالية للرياضات الإلكترونية في المنطقة.
يقول لوسيانو رحال، أحد المتخصصين في قطاع الألعاب: "بدأ الناشرون يلاحظون المنطقة من خلال مجال تعريب الألعاب والحضور المادي". وهذه حقاً خطوة أولى نحو تطوير هذه السوق. وبالنسبة للرياضات الإلكترونية، بدأت فرق مثل Nasr Esports و Yalla Esports في إحداث تأثير على المستوى الدولي، مما أدى إلى جذب مزيد من الاهتمام نحو منطقتنا. ولدينا كذلك كبار الناشرين الذين يقومون بتسهيل الخوادم لمجتمع اللاعبين للعب على قدم المساواة مع بقية العالم. "
ومن واقع الأرقام التي أعلنها فينسنت وانج، المدير العام للنشر العالمي في شركة تينسنت لإنتاج الألعاب الإلكترونية التي تتخذ من الصين مقراً لها، ستحقق صناعة ألعاب الفيديو في جميع أنحاء العالم إيرادات بقيمة 148.8 مليار دولار في عام 2019، بزيادة قدرها 7.2 في المئة سنوياً. وستصل إيرادات الألعاب في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى 4.8 مليار دولار هذا العام (بزيادة قدرها 10.8 في المئة سنوياً) ومن المقدر لها أن تصل إلى 6 مليار دولار بحلول عام 2021. وتعتبر ألعاب الهاتف هي الأكثر شعبية بسبب ارتفاع معدل انتشار الهواتف الذكية، حيث تمثل 47٪ من إجمالي الإيرادات (حوالي 2.24 مليار دولار).
وفي وقت سابق من هذا العام، افتتحت شركة تينسنت مقرها الإقليمي في دبي للاستفادة بشكل أفضل من سوق الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد يقول وانغ: "يُعد ارتفاع نسبة انتشار الهواتف المحمولة والإنترنت في الإمارات مؤشراً مشجعاً للغاية لشركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم، وهو أمراً وثيق الصلة على وجه التحديد بصناعة الألعاب في العالم". ونتطلع إلى إنشاء منصة تستثمر في سوق الألعاب الإقليمي وتُطوره، وفي نفس الوقت تُحفز عشاق الألعاب المحلية والمطورين على توسيع نطاق الإبداع والابتكار."
تتكون البيئة الحاضنة لألعاب الفيديو من فئات فرعية مثل المطورين والناشرين والموزعين. وتنفرد الرياضات الإلكترونية بنظام خاص بها من حيث الفعاليات (بطولات الدوري والمسابقات) والمحتوى (المؤثرون والمحتوى الذي يُنتجه المستخدمون) والوسائط (الإذاعات الرسمية والبث المباشر)، من بين أمور أخرى.
ويُضيف لوسيانو: "من المهم التمييز بين ألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية؛ حيث يلعب اللاعبون في منطقتنا ألعاب الفيديو كهروب من الواقع، بينما تعد الرياضات الإلكترونية ظاهرة دولية تجتاح العالم من خلال جوائز مالية تصل إلى 30 مليون دولار. "
النجوم الصاعدة
فيما يتعلق بالجوائز المالية، تتصدر الولايات المتحدة المشهد باعتبارها من أكبر الدول التي حققت مكاسب، حيث حصلت على جوائز بقيمة 132,506,253 دولاراً تليها الصين (106,145,898 دولاراً) وكوريا الجنوبية (88,141,766 دولاراً). وتجذب بعض الفعاليات الرياضية في هذه المناطق عدداً من المشاهدين أكبر من بطولات الرياضات التقليدية.
وهناك اثنا عشر دولة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مدرجة ضمن أفضل 100 دولة من حيث ربح الجوائز المالية؛ وأعلى تصنيف هي الأردن، في المرتبة 23، حيث بلغ إجمالي قيمة الجوائز التي حصلت عليها 6،219،602 دولار. أما باقي الدول المئة الأخرى فهي لبنان (في المرتبة 27)، المملكة العربية السعودية (46)، الإمارات العربية المتحدة (66)، المغرب (79)، العراق (82)، البحرين (83)، تونس (84)، الكويت (85)، والجزائر (86)، ومصر (87)، وفلسطين (98).
ومن أبرز الرياضيين في المنطقة، هو عامر البرقاوي، 22 عاماً، يُلقّب بــ "المعجزة"، حصل على جوائز مالية بقيمة 4،692,418 دولار أمريكي من 51 بطولة. كما فاز مارون مهرج اللبناني البالغ من العمر 24 عاماً ما قيمته 4،086,426 دولاراً من 38 بطولة.
وعندما نأتي إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أفضل اثنين في الإمارات من حيث الفوز بالجوائز المالية هما عادل أنوش الملقب بـ "الطائر الكبير" (024,444 دولار)، وأمجد الشلبي "الطائر الغاضب" (23،325 دولار)، بينما في المملكة العربية السعودية، مسعد الدوسري "مسدوسري" (527,865 دولارًا) وكويلر جيرلاند (277,977 دولاراً).
وقد جذب هذا الأمر اهتمام الجهات التجارية الفاعلة على الصعيد الدولي؛ حيث وقعت شركة روك نيشن سبورتس، التي أسسها شون “جاي زي” كارتر، في شهر أكتوبر الماضي مع الدوسري لتمثيله دولياً وكان هذا أول توقيعاً لها.
وستشهد المنطقة قريباً فريقاً نسائياً بالكامل في نهائيات Girlgamer World Final في دبي العام المقبل، وهي مبادرة أطلقتها إحدى الجهات الحكومية، و"10X Media"، ونادي دبي للسيدات، و" Grow uP eSports"، و" Galaxy Racer". ومن المقرر أن يتنافس الفريق المؤلف من خمس لاعبات في الفعاليات الإقليمية والدولية في بطولات دوري الأساطير على مدار العام.
وصرّح إدوارد جريفود، نائب رئيس الرياضات الإلكترونية في Webedia، أمام الحضور في مهرجان ON.DXB الذي أقيم مؤخراً في دبي قائلاً: " العلامات التجارية على أتم الاستعداد للاستثمار في المنطقة. ومقارنةً بالعام الماضي، لم يعد هناك حاجة إلى [شرح الرياضات الإلكترونية بنفس القدر] كما اعتدنا. ولكن علينا اتخاذ خطوات صغيرة؛ فلا يمكننا الإفراط في الوعود وإخافتهم.
وأضاف قائلاً" المنطقة ليست جاهزة اليوم لاستضافة فعاليات تضم 10 آلاف و20 ألف شخص مثل تلك التي نراها في آسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة. فلن تجد حضوراً كبيراً. "
تحقيق النمو
لاحظت شركات الفعاليات مدى شعبية الألعاب الإلكترونية، مما دفعها إلى دمج عنصر الرياضات الإلكترونية ضمن خدماتها.
على سبيل المثال، استضاف معرض الشرق الأوسط للألعاب هذا العام في أبو ظبي أول بطولة من نوعها للعبة براول هالا في المنطقة، بينما يستضيف معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصورة في دبي مسابقة للرياضات الإلكترونية كل عام. كما تأسست العديد من الهيئات التي تقودها الحكومة في جميع أنحاء المنطقة من أجل تنظيم فعاليات جديدة والمساعدة في نمو هذا القطاع. يتولى الاتحاد السعودي للرياضات الالكترونية والذهنية والاتحاد العربي للرياضات الإلكترونية تأسيس العديد من الملاعب والأكاديميات للرياضات الإلكترونية من أجل إيجاد بيئة تُشجع وترعى المواهب.
يقول جيمس ماجي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة جلوبال ايفينت مانجمنت التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها وتتولى إدارة شركة Insomnia في دول مجلس التعاون الخليجي: "يعد الشرق الأوسط أسرع أسواق الألعاب نمواً في العالم، ولكن على عكس الأسواق الغربية المشبعة، لا تزال إمكانات المنطقة غير مستغلة بالكامل". ويُضيف قائلاً "لدينا فرص هائلة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لمنح المستهلكين أمراً يريدونه حقاً".
وإيماناً بأنه من "الواجب" لعب دور محوري في رعاية المواهب المحلية يقول جيمس: "نُنظم بطولات خاصة بالطلاب بالتعاون مع Go Goers. ويمكن لطلاب المدارس والجامعات التنافس في البطولات التي نُنظمها على الإنترنت بهدف تقديم الدعم والتوجيه لهم للاحتراف في قطاع الرياضات الإلكترونية. وفي هذا الصدد، ستتولى إحدى البطولات تأسيس برنامج للمنح الدراسية لهذا الغرض. "و[هذا] يُبين للاعبين في المنطقة مدى جديتنا في النهوض بالرياضات الإلكترونية، ويمنحهم منصة رائعة وشبكة ضخمة ومجتمع قوي لدعم وتنمية هذا القطاع."
تغيير المفاهيم
على الرغم من معدل النمو الذي شهدته الرياضات الإلكترونية، إلا إنها لا تزال تجذب فئة معينة فقط من الجمهور، وعن هذا الأمر يقول أنوش:
"ما ينقصنا هو الدعم والاعتراف. إن الأوضاع تتغير في الشرق الأوسط، ولكن ببطء شديد. فلا يكاد يكون هناك أي مراهقين أو بالغين مهتمين بالاحتراف في هذه الرياضات لأنه هذا الأمر لا يبدو واقعياً بالنسبة لهم، ولا يُحقق لهم الاستقرار الكافي كي يستحق الوقت والجهد المبذول. ربما قد تتغير الأوضاع في المستقبل، ولكن في وقتنا الحالي، يُنظر إلى هذه الرياضات على أنها مجرد (ألعاب) وليست عملاً جاداً يمكن مزاولته".
ومن جانبه يقول كلاوس كاجيتسكي، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Yalla Esports، وهي شركة ناشئة مقرها في الإمارات العربية المتحدة تدير فريقاً للرياضات الإلكترونية حصل مؤخراً على رأس مال تأسيي يُقدر بمئات الآلاف "لقد كان تثقيف الجمهور على نطاق واسع أمراً ضرورياً".
“إن أكبر تصور خاطئ عن الرياضات الإلكترونية هو أنها مضيعة للوقت، أو أن ألعاب الفيديو ضارة. فهناك نقص كبير في الثقافة عند الآباء والأمهات [الذين يحتاجون إلى معرفة] إيجابيات تلك الألعاب لأطفالهم. ويعتبر معظم اللاعبون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شبه محترفين يعملون أو يدرسون على الجانب الآخر. "
لذلك، يجب أن يبدأ الاستثمار في هذا القطاع باللاعبين قبل الفعاليات.
وفي هذا الصدد يقول جريفود: "من المهم التأكد من أن الأموال التي نحصل عليها من هذه العلامات التجارية يتم توزيعها بشكل صحيح داخل الحاضنة البيئية. واللاعبون هم العنصر الرئيسي لهذه الحاضنة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحصول على المال يأتون في المرتبة الأخيرة. وهذا يخلق معضلة "الدجاجة أولاً أم البيضة": لكي يصبح اللاعب محط اهتمام للعلامة التجارية كي تستثمر فيه، يجب أن يكون لديه خبرة وقادراً على إنتاج محتوى عن نفسه.
ولكن بما أن إنشاء المحتوى مكلف من الناحية الماديةً. فما الذي يجب البدء به؟ هل عليهم البدء بإنشاء محتوى على أمل جذب الرعاة؟ أم يشاركون في مزيد من البطولات للحصول على مزيد من الاحتكاك والخبرة؟ وهنا تأتي أهمية دورنا، وهو التأكد من أن إعادة توزيع هذه الأموال يتم بشكل صحيح. "
ويؤكد أنوش على تصريح جريفود قائلاً: "يمكن للاعبين المحترفين تحقيق دخل من مصادر متعددة - راتب من الرعاة أو من الانضمام إلى الفرق؛ إنشاء محتوى على YouTube أو البث اليومي على Twitch. ولكن كل ذلك ليس بالأمر اليسير ويتطلب الكثير من الالتزام، وهو ما يعيدنا إلى [نقطتي الأصلية] – يجب أن يؤمن الناس في المنطقة بأن الأمر يستحق وقتهم وجهدهم ".
وفي الوقت الحالي، يبدو أن حكومات المنطقة ترى بأن الأمر يستحق الوقت والجهد وذلك يظهر جلياً في تزايد عدد الشراكات والفعاليات والمرافق التي يتم افتتاحها، ولكن يظل أن نرى ما إذا كانت ستدعم المواهب وإنشاء المحتوى الذي تتطلبه.